الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جعفر الإيراني يعترض على مدينته

جعفر الإيراني يعترض على مدينته
26 نوفمبر 2009 00:07
أراد المخرج مسعود بخشي وفريق عمله إنجاز فيلم وثائقي عن مدينته التي يحب، لكن الروتين الرسمي أخّر فترة الإنجاز حتى بهت الأمل بالانتهاء منه. وكان على بخشي أن يشرح لرئيسه في مركز الأفلام الوثائقية لماذا لم ينه مشروعه، مع إعادة كل المنجز من سيناريو وأشرطة إلى المؤسسة. بهذه الحيلة الجميلة يبدأ الفيلم، بنبض سريع ساخر وتهكمي، وبسرد غير تقليدي يماهي في حيويته إيقاع الفيلم ككل، وكانت النتيجة قصيدة حب تهكمية أهداها المخرج إلى مسقط رأسه الذي يحبه. اكتظ مدرج كلية لندن للدراسات الاقتصادية مساء عرض الفيلم بحضور مخرجه. وبعد أن نوه منظم التظاهرة الكبيرة عن الثقافة الإيرانية، التي شملت معرضاً تشكيلياً وعروضاً سينمائية ومحاضرات عامة، بأهمية وجود المخرج مع الفيلم وبحصوله على فيزا دخول إلى بريطانيا، علق بخشي بدهشة ومرح “لم أكن أعرف أن الوصول إلى بلادكم بهذه الصعوبة!”. وكان تعليقه صحيحاً، فالمخرج عباس كيراستومي نفسه، ذو الشهرة العالمية، لم يمنح فيزا لدخول بريطانيا، رغم تعاقده على إخراج عرض مسرحي لدار الأوبرا الانجليزية. وعودة إلى الفيلم، فهو استغرق خمس سنوات في الإعداد والتصوير، تبعتها سنتان لإتمام المونتاج وتحرير النسخة الأخيرة. وكل ذلك بسبب الروتين وعدم توفر المعدات الحديثة في المؤسسة الرسمية للسينما في إيران، لمخرجين شباب يريدون تقديم رؤيتهم للعالم من خلال أفلامهم. يحكي الفيلم عن طهران التي كانت في يوم ما قرية صغيرة تتميز ببساتين من الفواكه، خصوصا رمانها الذي اشتهرت به. سكانها كانوا قلة من البسطاء المفتقدين لأدنى مستوى من الطبابة المتقدمة والمياه النظيفة. ولكن اليوم، يقول المخرج مسعود بخشي، طهران هي من أكبر مدن العالم وأكثرها تنظيماً، توجد فيها مياه نظيفة وخدمات طبية متقدمة الخ.. غالبية أهلها راضون بمستوى الخدمات فيها، بحسب استفتاء رسمي، إلا جعفر المعترض على المدينة الحديثة، وهو الريفي الوافد إليها منذ ثلاثة أشهر فقط ولا بيت لديه فيها. جعفر هذا عثر عليه فريق عمل الفيلم صدفة أثناء تجوالهم فيها، فبقى معهم ليدلي بتعليقاته الطريفة بين مشهد وآخر. نشأة صعبة نشأ المخرج مسعود بخشي، في مدينة طهران فهو مولود في عام 1972، اصطدم في سنوات تكوينه الأولى بأوقات صعبة للغاية في تاريخ بلاده. في سبتمبر 1978، اندلعت المظاهرات ضد الشاه التي أدت إلى اندلاع أعمال شغب في هذه المدينة المترامية الأطراف. الأحكام العرفية تم تثبيتها في أعقاب الثورة التي تلت ذلك، أي أواخر السبعينات. وفي الأعوام بين 1980 إلى 1988 كانت إيران والعراق في حالة حرب، فتلقت المدينة هجمات متكررة بصواريخ سكود وضربات جوية ضد أهداف سكنية وصناعية بشكل عشوائي، مما أسفر عن آلاف الضحايا من المدنيين. تدفق عليها الملايين من اللاجئين بسبب الحروب فيها وفي الدول المجاورة، وهي الآن تحتوي على مزيج من الأقليات العرقية والدينية المختلفة، مثلها مثل أي مدينة كبيرة أخرى في العالم. الماضي والحاضر قدم بخشي قطعة غنية جداً من السينما ستصبح جزء أساسياً من أرشيف مدينته. استخدم كل تراكمه المعرفي في السينما لإنجاز فيلم من أكثر الأفلام أصالة وفرادة حول العاصمة الإيرانية التي سبر تاريخها في الماضي والحاضر، ونبش من ارشيف الأفلام والصور لقطات لم تعرض من قبل، لا داخل إيران ولا خارجها. لقطات من أفلام سينمائية قديمة بالأبيض والأسود، أو وثائقية من ارشيف الحكومة والأغنياء الذين امتلكوا آلات سينما في وقت مبكر. اللقطات صورت في طهران أوائل القرن العشرين، تعرض لنساء ورجال بملابس غربية أنيقة، وسيارات فاخرة نادرة وعربات خيول وأحياء راقية. طهران التي أراد لها الشاه تطوراً يشبه المدن الأوروبية الحديثة، فتمادى في ضغوطه بهذا الاتجاه. فكي يفهم مسعود بخشي حاضر مدينته، كان عليه أن يفتح ملف ماضيها وحاضرها معاً، فكل الحقبات تفسر بعضها البعض. أما في الوقت الحاضر فيركز المخرج على مشاكل البيئة: التلوث، الصرف الصحي، والكوارث التي تنتج عن سوء “التخطيط” في المناطق الحضرية وفي المدينة الكبيرة. تزحف المدينة على الأطراف فتغيب البساتين وأشجار الرمان ويحل محلها الاسمنت، من شوارع وبنايات ضخمة تكللها ضبابية التلوث مثل أي مكان آخر في المدينة. هناك أيضاً الموسيقى التي تشكل حنيناً لزمن عاشه الشعب الإيراني، بعضها مستمد من أغان قديمة ومرحة. الإيقاع السريع المرح مستمر في الفيلم حتى بعد المشاهد الجادة مثل الزلازل والغارات والتظاهرات، إذ تتلوها موسيقى وتعليقات مرحة. ولكن بعضاً من رؤية الفيلم هو التعبير عن كل ذلك بطريقة مضحكة، ليواصل الجمهور الضحك حتى في خضم المأساة. “في هذا البلد، الحياة ليست سهلة. لديك النكتة لجعل الحياة مقبولة”، يقول بخشي. عرض الفيلم للجمهور الغربي في عدة مهرجانات، من بينها مهرجان الأفلام الوثائقية “هوت دوك” في تورنتو، كذلك عرض في الولايات لمتحدة وكندا وبريطانيا، وكان استقباله جيداً من قبل النقاد والمشاهدين على حد سواء. لكن في الفيلم بعض الإشارات من موسيقى وصور وتعليقات، تفاعل معها الجمهور في قاعة العرض من ذوي الاصول الإيرانية أكثر من البقية. وعندما سئل المخرج عن بعض الأفكار غير المفهومة لغير الإيراني، قال: “بصراحة، لم أفكر قط في المشاهد الغربي في بداية إنجازي لهذا المشروع. ولم يكن لدي سوى فكرة إنتاج فيلم عن طهران لشعب طهران، يكون مرآة ينظر فيها إلى نفسه وإلى العالم الذي يعيش فيه. ولكن عندما وصلت إلى مرحلة المونتاج، أدركت أن عليّ إنجازه بطريقة ما تكون مفهومة أكثر للجمهور الغربي”. سبع سنوات استغرق إنجاز هذا الفيلم، ولكي لا يضيع المخرج الكثير من الأشرطة المصورة استخدم في أكثر من مكان مونتاج تسريع الأشرطة، واكبتها كما قلنا التعليقات السريعة والموسيقى الحيوية، وكانت النتيجة فيلماً وثائقياً طويلاً، غريب الشكل والمضمون، فهو وثائقي كوميدي تجريبي، أنجز بحس تهكمي، ورغم ذلك حصل على الجائزة الأولى بمهرجان الفجر في طهران قبل سنتين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©