الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قصائد ترسم الصورة وتستعيد الغياب

قصائد ترسم الصورة وتستعيد الغياب
26 نوفمبر 2009 00:10
للشاعر الراحل محمود درويش في معرض الشارقة للكتاب حضور متعدد الأبعاد، فهو يحضر بشعره ونثره حينا، ويحضر عبر الدراسات النقدية عن شعره وتجربته عموما في حين آخر، وفي حين ثالث وهذا هو الجديد يحضر في تجربة شعرية مميزة للشاعر السوري المعروف إبراهيم الجرادي في مجموعته الشعرية بعنوان “محمود درويش ينهض” الصادرة مؤخرا في دار كنعان في دمشق. يحضر درويش هنا بروحه وبشعره أكثر مما يحضر بشخصه، فالجرادي يستلهم روح صديقه وتاريخ علاقته به، ويطلق عليه ما شاء من الأسماء، ومن خلاله يستوحي فلسطين والكون كله، ففي قصيدة “وحط الفجر مذعورا بفتنته” التي يهديها (إلى اسكندر حبش، صديقي في “أحمد الزعتر”) ويفتتحها بقول درويش “فالأحياء/ أبناء عم الموت/ والموتى نيام هادئون وهادئون وهادئون)، يطلق الجرادي العنان لغنائية عذبة تستعيد الفلسطيني في صور عدة: مر الفلسطيني من تعب على ميراثه مر القساةْ مرت نقائضهم ومرت غبطة المهزومْ مر الرصاص على منازلهم ومرت حيرتي والناسْ مرت أناة الظبي في شهواتها فمررت أنتْ: نايا يعد الأرض قاموسا من الأعراس وفي هذه القصيدة يرسم الجرادي صورة درويش الشاعر الكبير حامل القضية “مر الرنين ومرت الأشعار طيرا ذاهلا/ فبنيت من طين الكتابة موطنا للأهل”. وهنا يبدو درويش الشاعر الذي أعطى القصيدة الفلسطينية/ العربية بعدها الكوني. وفي “نار الفراشة (إلى محمود درويش وعنه) يبدأ الجرادي من قول يوسف في قصيدة درويش “يحبونني ميتا ليقولوا: لقد كان منا وكان لنا)، يبدو الشاعر الراحل وقد غدا ملحا لخبز القصيدة لا خبز من دونه، ويسود المناخ الرثائي منذ بداية القصيدة “الليل أعمى والصباح جنازة/ والموت معتدل هنا كالطقس/ والأرض تحتمل احتلالا ثانيا. وهذا المناخ الجنائزي يطغى على قصائد المجموعة كلها، لكنه يتخذ صورا متعددة بحسب الحالة التي ينظر فيها الشاعر والزاوية التي ينظر منها. في “نجمة الإسفلت” التي يستهلها بقول درويش (وأقول للتاريخ زين شاحناتك بالعبيد وبالملوك الصاغرين ومر/ لا أحد يقول الآن: لا) نقرأ الصمت يلطخ الصمت، والطين يلطخ الطين، والدم يلطخ الدم. ومثلما تتعدد صور الموت والرثاء والسواد في المجموعة، ينوع الشاعر في جملته، فيكتب الجملة القصية جدا “السلام هو الموت يقظان يسهر عند منازلنا”، وقد تستمر سطورا على طريقة القصيدة المدورة كما في أحد المقاطع الذي بلغ أحد عشر سطرا متصلة. وتتعدد أشكال المقطع الشعري فيطول حينا حتى يبدو قصيدة مستقلة، ويقصر حينا حتى يغدو كلمات قليلة. ففي أحد المقاطع نقرأ: لماذا: تمر القصيدة كالعربات محملة بالجثث؟ وفي مقطع آخر: لماذا يخون القصيدةَ شاعرُها. إذن يكتب الجرادي شعرا بأسلوبه المتعدد، بالأسئلة والتأملات والغناء، فيعطينا تجربة ناضجة في رثاء شاعر كبير، وكما تحضر هنا صور الشعراء بأنماطهم مثل “شاعر/ هائم مرتخٍ مثل أعضائه”، تحضر صورة الناقد “ناقد فاسد من مكيدة إصراره”. وفي باب التعدد تحضر بلدان ودول وحضارات وشعوب تذكر بقصيدة درويش التي كانت تحفل بها. يحضر بعض الشعراء مثل “من قصائد لوركا/ ومن نكهة الشاي فيها”. قصائد هذه المجموعة تنتمي إلى مراحل ومحطات وظروف مختلفة، وليس بالضرورة أنها كتبت عن درويش تحديدا، أو في رثائه، بل ثمة قصائد يقول الجرادي سعت إلى درويش “حاورته، تناقضت معه، واستظلت أشجاره العالية، شجنه وأساه، ورَثت نفسها لغيابه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©