الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مراوغة كمين الماء

مراوغة كمين الماء
26 نوفمبر 2009 00:18
أسئلة الوجود والتكوين والحياة عبر مايشبه الرحلة طويلة المدى.. الرحلة المتشابكة في رؤاها والتي تحمل معها توازنها وجنونها وحرية الإنسان/ الشاعر في العبور نحو إعادة قراءة الأشياء من حوله.. لايطرح اقتراحات للخلاص ولا حكما وأمثالا ووصايات جاهزة بل هو شاعر يحّدث مساحات مغيبة ويخلق ويتبادل مع الحياة اللغة وسحر العبارة الجديدة.. تلك هي أجواء المجموعة الشعرية لزياد السالم “حصة آدم من النار”، ومنذ العنوان الذي يحيلنا إلى قصة الخلق الأولى ويجدد أسئلة الزمن والمصير والبدء والنهايات إلى أجواء المجموعة وعناوينها الأخرى مثل “وادي القديسين” و”رحلة آدم” وغيرها نعثر على تلك الأسئلة وعلى الشعر في طريقته لفتح نوافذ متسعة ليس فقط مع الرؤى الخاصة بالشاعر بل وبلغة إبداعية تحملك مفرداتها إلى تأمل علاقاتها الجديدة تارة وإلى الغوص بنا في تعريف أبجديات الحياة تارة أخرى، عبر شذرات قصيرة يكتبها الشاعر بلغة مقتصدة وخالية من الزيادات التي يعي أنها ستكون بعيدة عن عالمه الشعري وحشوا لو حدث العكس: “المنشق الحقيقي يبدأ بالانشقاق عن نفسه أولا” وفي مقطع آخر يقول: “وحدهم المرضى ينتظرون البراكين بحثا عن تسوية ما”.. إنها عبارات وامضة وخاطفة ربما لاتشير في مجملها إلى وحدة متكاملة مع بعضها، بل كتبت بعناية اللحظة الشعرية بعيدا عن فكرة محددة وقريبا من شعرنة الأشياء والمضي بها نحو ملامح جديدة وآفاق أوسع للتأمل: “الطبيعة علقة ماثلة للعدم” و”حارس الحديقة يدنس الياسمين بدم بارد”. الشاعر إذاً يقتنص اللحظة العصية على الإمساك، لحظته الخاصة التي ينتخب لها خيالا يحرسها تاركا التأمل والتفسير مشرعا لما توحيه العبارة وتشير له، وهذا قد يلحظ في نصوصه الطويلة نسبيا أيضا ـ وأقول نسبية لأن المجموعة تعتبر مع أطول نصوصها قصيرة إذا قيست بتجارب أو معايير أدبية أخرى. نجد في قصيدة “هو” استنفاد هذا الضمير الذي يعكس الأنا أحيانا أو الغائب حسب طريقة القاعدة في اللغة العربية: “هو: أول الدم وآخر الحلم.. هو: حديقة الماء الأسود” النص يشير ويلمح فقط دون أن نصل معه إلى فكرة محددة بل إلى شعور وحالة من اللغة الجمالية يرسمها الشاعر ويضعها بين أيدينا لتلامسنا بإيحائها وحتى آخر مقطع من النص حيث عبارة: “هو: هو” نستطيع قراءة الأسطر الشعرية بمعزل عن بعضها وكشذرات أخرى تجعل من الإيحاء مستقرها ومرماها. وهذا ما لا يحدث مع قصائد أخرى حملت لنا جسدا شعريا واحدا وبراعة الشاعر في ابتكار مفرداته بل وإحياء عبارات ومفردات ربما تجاهلها الشعر الحديث ولم يعد يكترث لها. نقرأ ذلك في قصائد المجموعة الأولى: “المحجل بالأرواح” و”رحلة آدم” و”الشعراء” و”أين رحلوا” والتي يقول الشاعر فيها: “هؤلاء الذين كانوا بيننا، يدربون نمورهم على عبور النهر مرتين” أو غيرها من النصوص التي يتضح فيها تماسك النص وفنيتها العالية، وقدرة الشاعر للمضي بنا إلى قراءة النص كي نحقق لذة ما، متعة ما في أن نختبر حصتنا ونقترح تأويلا يفتح يديه إلى آخر طاقتها. زياد السالم يقدم في مجموعته ثلاثة مستويات متباينة مع بعضها ولكن تقاطعها يأتي من اقتراب لغتها ونسجيها الواحد، والذي ربما كان من توحد حالته الشعورية ومن ثم انتخاب هذه القصائد لمجموعته، القصائد الطويلة نسبيا مثلما أشرنا وهي الأكثر تماسكا حيث ثراء اللغة يمتد ويغري الشاعر بالتداعي ونقش اللغة أكثر على ساعد النص، والقصائد الأقل طولا مثل: “اللعبة الأخيرة” و”يوم كنا” و”لمعة العدم” والشذرات التي أخذت النصف الآخر من المجموعة. طبعا طول القصائد من عدمه لم يعد قيمة يشار لها من عدمها ولكن لدى زياد دوما مايمكن أن نلتقطه ونشير له من خلال هذه المستويات والمعايير، خصوصا وأن المجموعة برمتها تنتمي الى عائلة النص القصير وهي لعبة النص الحديث الرؤيوي والذي ينطلق مع زياد ليس من ذاتيته فقط بل من انعكاسها على العالم من حوله إنه يسأل ويحاور ويفلسف الأشياء من حوله. وهنا قد نقبض حتى على أفكاره حول الشعر والكتابة نفسها من خلال شذرة هناك أو مقطع في إحدى قصائده. هاهو يقول: “بحوزة الإنسان جملة واحدة: هذا ليس أنا”إنه يكتب أشباهه من الشعراء ويرسمهم وينبت معهم في كل الفصول وعلى كل الجهات: “الشعراء يشعلون أرواحهم ويخلعون عنهم كمين الماء” هذه العبارة من نص الشعراء وعبارات أخرى من نفس القصيدة تشعل الفتيل الأبرز في اكتشاف كنه الشاعر وعالمه وأسرار ماقد نعثر عليه من حصة وسؤال إضافي..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©