الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المساعدة المشؤومة..

المساعدة المشؤومة..
26 نوفمبر 2009 00:18
المؤلّفة دامبيزا مويو Dambisa Moyo هي من زامبيا ومتخصّصة في الشّؤون الاقتصاديّة، تمّ اختيارها من طرف مجلّة “تايم” ضمن الـ100 شخصيّة الأكثر تأثيرا في العالم، وهي تحلّل في كتابها “المساعدة المشؤومة” L,aide Fatale الصادر باللغة الفرنسية الأسباب الّتي جعلت من القارّة الأفريقيّة أكثر فقرا من ذي قبل رغم حصولها على مساعدة اقتصاديّة تقدّر بـ300 مليار دولار من قبل المجموعة الدّوليّة على امتداد الأربعين عاما الماضية. والحقيقة ان دامبيزا مويو ليست أول من ينقد البرامج الغربية لمساعدة الدول الافريقية، ولكن لا أحد قبلها طرح المسألة بهذه الدرجة من الوضوح والدقة والاقناع، فهي تتساءل في ألم وحرقة: لماذا جل بلدان افريقيا السوداء تتخبط اليوم في الفساد والأمراض والفقر رغم انها تحصلت على 300 مليار دولار من المساعدات الغربية منذ 1970؟ وهي تجيب على هذا السؤال لتجزم بان الأفارقة هم اليوم فقراء بسبب هذه المساعدة المشؤومة. وهي ترى أنّ أسباب تخلّف أفريقيا وفقرها يعود إلى عدة أسباب من أهمّها الأسلوب المعتمد لمساعدة أفريقيا، اذ تؤكّد بأنّ المساعدة الاقتصاديّة الّتي تقدّمها الدّول الغنيّة لافريقيا كلّ عام والّتي تقدّر بمليارات الدّولارات تزيد أفريقيا فقرا، ففي الفترة الممتدّة بين 1910 و1987 وهي الفترة الّتي بلغت فيها المساعدات لافريقيا ذروتها، فإنّه ـ في نفس الفترة ـ ارتفع معدّل الفقر من 10 إلى 66%. الحقيقة المخفية والمؤلّفة تؤكد أنّ المساعدة الماليّة لافريقيا قد زادت من الفساد وشجّعت عليه، وأنّها ساهمت في ازدياد نسبة التّضخّم المالي وفي مديونيّة القارّة السمراء وتسبّبت في تأخير نموّها، بل وأكثر من ذلك، فالمساعدة الّتي تقدّمها المجموعة الدّوليّة لافريقيا زادت أيضا من عدم الاستقرار السّياسيّ في البلدان الّتي تتصارع فيها المجموعات والاثنيات والقبائل. وتجزم المؤلّفة بأنّه لا وجود لأيّ بلد في العالم نجح في القضاء على الفقر وحقّق تنميته بالاعتماد فقط على المساعدة الخارجيّة. إنّ ذلك لم يحصل أبدا في أيّ بقعة من الأرض، وهذه حقيقة يعلمها الجميع بمن في ذلك خبراء صندوق النّقد الدّوليّ وكلّ الهيئات الماليّة والاقتصاديّة العالميّة مؤكدة: “أن الأرقام الّتي أستدلّ بها على آرائي في هذا الكتاب هم الّذين أمدّوني بها، ولكن لا أحد منهم له الشّجاعة ليقول علنا بأنّ يجب وضع حدّ لهذه القضيّة الّتي تهزّ افريقيا”. أمثلة على الفساد وتضيف المؤلّفة أنّ المساعدة الأجنبيّة لافريقيا هي مخدّر وشؤم، وإذا كانت أوروبا وأميركا الشّماليّة تواصل تقديم المساعدة لأفريقيا فإنّ تلك المساعدة تكلّفهم أقلّ ممّا لو سمحوا بفتح أسواقهم لسلع العالم الثّالث، ثمّ أنّ هذه المساعدات الّتي تقدّمها الدّول المصنّعة للقارة السّمراء تشجّع بعض حكومات تلك الدّول على الفساد والسّرقة، ومن بين الأمثلة التي تستشهد بها المؤلفة على ذلك الرّئيس الزّائيري سابقا “موبوتو” الّذي اختلس طيلة فترة حكمه 5 مليارات دولار، أيّ ما يعادل قيمة ديون بلاده الخارجيّة كلّها! وتقول المؤلّفة إنّه في بلادها زامبيا فإنّ الرّئيس كان متورطا في فضيحة ماليّة، وفي المالاوي فانّ الرّئيس تورّطاً هو أيضا في اختلاس أموال هي في الأصل مساعدة لمقاومة مرض “الإيدز” والأمثلة كثيرة ولا تحصى. ولتّدليل على أنّ المساعدة الخارجيّة لأفريقيا هي مساعدة “مشؤومة”، فإنّ المؤلّفة تقارن بين بلد أفريقي هو غانا وبلد آخر هو كوريا الجنوبيّة، ففي 1960 قبلت غانا الحصول على مساعدات خارجيّة، في حين أنّ كوريا الجنوبيّة رفضت ذلك واليوم وبعد نصف قرن فان كوريا نهضت وحققت نموها وازدهارها ورفاهية شعبها باعتمادها على نفسها، في حين ان غانا بقيت غارقة في الفقر والتخلف وتعيش على ما تجود به عليها المساعدات الاجنبية، ويمكن كذلك مقارنة بعض الدول الاخرى في القارة الأفريقيّة بدول في القارة لآسيوية فمنذ ثلاثين عاما فقط فإنّ المالاوي وبورندي وبركينافاسو كانت تفوق الصّين في ما يخصّ الدّخل الفردي لكلّ ساكن، واليوم فان المقارنة لا تستقيم اصلا، فالدّول الّتي تقبل المساعدة الخارجيّة تجد نفسها دائما في ذيل الدّول المتخلّفة، فالمال المتدفّق من المساعدات الخارجيّة لم يذهب لفائدة التّربية ولتحسين قطاع الصّحّة والبنية التّحتيّة بل نهبه المسؤولون الفاسدون الذيم هم المستفيدون الحقيقيون من المساعدات الخارجية، ولذلك فان الرّؤساء الأفارقة غالبا ما يطبّقون السّياسات الاقتصادية التي تملى عليهم من الخارج وهم طبعا يفضّلون إرضاء “أسيادهم” على إرضاء مواطنيهم، ثمّ انه تأكد انّ جانبا من هذه المساعدة الّتي يستولي عليها القادة الأفارقة يتمّ إيداعها في البنوك الغربيّة. الأصبع على الجرح وفي سياق حديثها عن المساعدات الاجنبيّة فإنّ المؤلّفة تستثني مخطّط مارشال الّذي تمّ بواسطته وعلى امتداد 5 خمسة أعوام ضخّ ملايين الدّولارات لتحسين البنية التّحتيّة في اوروبا، ثمّ توقّف الامر عند ذلك الحدّ، في حين ان الإشكال بالنّسبة لأفريقيا أنّه لا أحد يعلم متى ستنتهي برامج المساعدة لها، ولذلك فإنّ المؤلفة تدعو في كتابها إلى ضرورة إيجاد استراتيجيّات للخروج من وضعيّة تلقّي ما تسميه بالمساعدة الدّائمة، فهي لا تكتفي في كتابها بالنقد بل تقدم حلولا ومقترحات عملية وتدعو إلى تشجيع السّياسات المشابهة لسياسة الصّين، والمهم أنّ هذه المساعدة الاجنبيّة لأفريقيا يجب وضع حدّ لها ذات يوم... وتقول المؤلفة: “لو تم اعلام الدول الافريقية، ولو عبر الهاتف، ان الدول المانحة للمساعدات قررت انهاء المساعدات وقطعها في ظرف خمسة أعوام، فإنه من الأرجح ان الوضع الاقتصادي والاجتماعي في افريقيا سيكون أحسن حالا مما هو عليه اليوم”. درست الكاتبة في جامعة “هارفارد” بالولايات المتحدة الاميركية وعملت سنوات في البنك الدولي، وهي تعلن بصوت عال ما يتهامس به الكثير سرا، ووضعت في كتابها الذي أثار ضجة الأصبع على موضع الجرح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©