الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيال فسيح وجرأة واثقة

خيال فسيح وجرأة واثقة
26 نوفمبر 2009 00:19
ما زالت رسوم الأطفال تثير الكثير من الأسئلة حول كيفية فهمها وأسلوب التعامل معها في البيت والمدرسة، ومدى أهمية الرسم في تربية الذوق الجمالي للأطفال. في كتاب “فنون الأطفال” للكاتب اليمني فاروق الجفري، الصادر عن مركز عبادي في صنعاء، نقرأ محاولة مكثفة للإجابة عن هذه الأسئلة، من خلال تناول الجوانب الفنية والنفسية والتربوية لدى الطفل. يرى الكاتب، وهو مختص في هذا المجال، أن “الرسم بالنسبة للطفل لغة أو أحد أشكال التعبير، أكثر من كونه وسيلة لإبداع الجمال”. ولاحظ، قبل أن يتجه الباحثون في علم النفس والتربية والفن إلى الاهتمام بفنون الأطفال وجود نظرة تحتقر هذا الفن ولا تعترف به “وما أكثر رسوم الأطفال التي قوبلت بالإنكار والرفض كلما ظهرت لها آثار صريحة ساطعة على مسرح الحقيقة، وكأن الطفل أتى أمراً منكراً، أو تجاوز حدوده وتخطى واجباتها، ذلك لأن نظرة الكبار في ذلك الوقت، كانت نظرة ملتزمة تنحصر في دائرة المطابقة البحتة لعناصر الطبيعة ومحاكاتها محاكاة تامة لكل ملمح من ملامحها وأوصافها، ونسبها التي لم تكن تلتقي تماماً مع سمات رسوم الأطفال المشبعة بالخيال الفسيح والجرأة الواثقة، والتي يرونها معروضة في كثير من الأحيان في المداس والمعارض العامة دون مبالاة بها أو تقدير لها”. وإذا كان الاهتمام بفنون الأطفال قد لقي اهتماماً في الكثير من البلدان، فإن مادة التربية الفنية في الكثير من الدول العربية ما زالت غير أساسية فتُقرّ حيناً وتلغى أحياناً كثيرة، إضافة إلى عدم وجود المنهج المدرسي الملائم، والمدرسين المتخصصين في الفن والتربية وعلم النفس. حيث ما يسود هو تكريس أسلوب التلقين وفرض النماذج الجاهزة، وصار من الواضح أن “تلقين قواعد الرسم الفنية وأصولها للأطفال الصغار ينطوي على خطأ جسيم له أضراره البالغة في تكوينهم النفسي والتربوي، فالقواعد الصارمة المفروضة لا يأبه لها الطفل، وقد تكون من زاوية أخرى عاملاً معطلاً لحيويته ونموه ودعم شخصيته”. وتقييم الرسوم يعطي الطفل انطباعاً أن ما عمله محل اهتمام وتقدير، ولكن من المهم أن يبتعد التقييم عن المعايير المسبقة، إذْ “علينا احترام رسوم الأطفال، مهما كانت ولا نقارنها برسوم الكبار” فالطفل له عالمه وفنه الخاص. وقد كشفت البحوث “أن للطفل فنّاً مميزاً لا يجوز تجاهله أو إنكاره، وإن لكل طفل روحه ونمطه الذاتي في التعبير عن نفسه”. والطفل في رسومه “لا يعبأ بدقة النسب ولا بالمقاييس الحسابية الدقيقة، لأنّه بدوره لا يعي هذه النظم ولا يهتم بها، وهذا يساعده كثيراً في تحقيق النتائج الحيّة والخبرات الجديدة المؤكدة لنزعاته الأصلية، وفطرته الخاصة”. و”قد يركز الطفل على أجزاء عضوية بعينها أو على زوايا، خاصة في جسم الإنسان، أو في مواضع تثيره في النبات أو الطير أو الحيوان أو في أي كائن آخر، فيبرزها ويجسمها ولا يلتفت إلى سواها”. ويتجلى نزوع الطفل في بداية سنه المبكرة إلى التعبير المسطح دون نظر إلى مواضع الأجزاء الصحيحة المصطلح عليها، أو كيفية ارتباطها بغيرها، ثم يتدرج في اقتحام التعبيرات المجسمة ذات الأبعاد الثلاثية، وعمل الأشكال البنائية كلّما تقدم في عمره”، وأشارت بعض التجارب إلى أّنه “يمكن أن يتعاون الأطفال في سن الثامنة والتاسعة، مثلاً في عمل جماعي له طبيعة موحدة من ناحية نوعيات الرموز وطرق تركيب الصور باعتبار أن رموزهم لغة تشكيلية تحل سمات مشتركة”. وفي الفترة من التاسعة إلى الحادية عشرة من عمره يبدأ الطفل محاولة التعبير الواقعي، حيث يتطور “في طريقة تعبيره، ويهمل تلك الخطوط والأشكال التي كان يستخدمها في المراحل السابقة، ويبدأ في التعبير بطريقة أكثر قرباً من الواقع” من خلال “محاولة تمثيل الحقيقة عن طريق الإدراك البصري، دون تقيد بالنقل الحرفي للأشياء”. وبعد هذه المرحلة تجيء مرحلة التعبير الواقعي، فيبدو الطفل شديد الميل للحركة والحيوية والنشاط، قادراً على تحمل أعباء الأعمال لمدة طويلة”. ودور المعلم يكون بإطلاع الطفل “بالنسبة لاستعمال الأدوات لا بالنسبة للعمل الفني نفسه”. والنشاط الفني ينمي الخبرة الجمالية للطفل، لعلاقة هذا النشاط بالكثير من المهن، وأثره في كثير من السلوك اليومي للفرد،” كاختيار الأثاث والملابس والسلع”، و”تشير بعض الكتب بأن رسوم الأطفال لها أهمية كوسيلة للتشخيص والعلاج النفسي، في الحالات التي تعاني من الأمراض النفسية”، إلى جانب مساعدة الطفل على التوازن من خلال تفريغ انفعالاته بالرسم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©