الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا والاستراتيجية الذكية ضد الإرهاب

15 أغسطس 2016 21:52
تصدر مسؤول استخباراتي محلي من ولاية بفاريا الألمانية عنوان صحيفة شعبية بقوله إن هناك «فرق اغتيالات» و«خلايا نائمة» وسط اللاجئين الذين وصلوا في الآونة الأخيرة إلى ألمانيا، وهو شيء يزعمه الشعبويون من الجناح اليميني بشكل دائم. ولكن الواقع أن «الخلايا النائمة» موجودة هنا منذ عقود، وهذا يفسر تعزيز ألمانيا ودول أوروبية أخرى جهودها لمكافحة الإرهاب، ووجود مقاومة قوية للصرامة غير الضرورية. الخميس الماضي قدم وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير مقترحاته بشأن تعزيز الأمن في مواجهة التهديد الإرهابي المتزايد، وهو أمر طالب به الجمهور منذ وقوع سلسلة من الهجمات في الآونة الأخيرة ارتكب ثلاثاً منها لاجئون يلهمهم إرهاب «داعش». والإجراءات تتضمن نزع الجنسية الألمانية عن أصحاب الجنسيات المزدوجة إذا ذهبوا إلى القتال في سوريا، أو قاموا «بالترويج للإرهاب»، أو ارتكبوا جناية، والتعجيل بترحيل المهاجرين الذين يقدمون معلومات خاطئة عن هويتهم، وإضافة آلاف الأشخاص لقوات الاستخبارات والشرطة. ولا تتضمن الإجراءات فرض حظر على النقاب، وهو إجراء طالب به الجناح المحافظ في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إليه دي ميزير والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. ولم تمنع الإجراءات أيضاً ازدواج الجنسية كلية وهو شيء طالب به المحافظون كذلك. وأكد دي ميزير على الحاجة إلى التركيز على جهود تعليم الألمانية، وتقديم خدمات اجتماعية أفضل للاجئين. ومقترحات دي ميزير تتوافق مع ما تفعله الحكومات في دول أوروبية أخرى فيها جاليات كبيرة من المهاجرين. فقد سنت النمسا على سبيل المثال قوانين ضد «الترويج للإرهاب» العام الماضي. وبدأت بتجريد «المقاتلين الأجانب» من الجنسية في العام 2014. وبلجيكا والدانمرك وفرنسا وألمانيا رفضت إصدار جوازات سفر، وألغت الموجود منها لدى «مقاتلين أجانب» محتملين. وأضافت كل هذه الدول جرائم تتعلق بالإرهاب إلى قانون الجنايات فيها، وفي بعض الحالات عززت العقوبات. وتبحث فرنسا منع التمويل الأجنبي عن المساجد. ولكن لم تفرض أي دولة إجراءات أشد من هذه مثل حظر العبادات الإسلامية أو ترحيل المهاجرين لأبسط الانتهاكات أو حظر الجنسية المزدوجة! بل إن التجريد من الجنسية لمن يقاتلون مع «داعش» لم يتم تمريره في بعض الدول، ففي فرنسا على سبيل المثال لم تتم الموافقة على مشروع قانون بهذا المعنى. ولا توجد مقترحات لقيود أشد على الهجرة مثل مقترحات دونالد ترامب المناهضة للمسلمين. ولكن هناك في المقابل محاولات للتواصل مثل توفير خطوط هاتفية للآباء الذين تشدد أبناؤهم، هذا في النمسا وفرنسا وهولندا وقريباً في بلجيكا والدانمرك، أو برنامج هولندي لتأهيل الأئمة كي يبصّروا المسلمين من التشدد في خطبهم. وتفكر الحكومات الأوروبية عموماً بما يتوافق مع إعادة الاندماج وتقليص التشدد. والمتشددون والإرهابيون نشؤوا عادة في أحياء منعزلة وفقيرة وفي مدارس غير ملائمة ومناخ من اليأس. وكلما كانت الأحياء الفقيرة التي يستقر فيها المهاجرون عند وصولهم أكثر قتامة وخطراً كان المتشددون أقرب لارتكاب أعمال القتل. وهذا يفسر جزئياً معدل الضحايا المرتفع من الهجمات الإرهابية في فرنسا وبلجيكا عن مثيله في ألمانيا أو الدول الإسكندنافية، حيث المناطق السيئة هناك قد تكون كئيبة ولكنها أقل عنفاً بكثير من بعض أحياء في فرنسا سيئة السمعة. ولذا تركز حكومات أوروبا الغربية على الاستراتيجية الناعمة والتواصل والتركيز على وسائل الاندماج والحماية المجتمعية إضافة إلى الرد الأمني الصارم على الجرائم الفعلية بدلًا من جعل الحياة أصعب للأشخاص الذين يحتمل انضمامهم لصفوف المتشددين. والوافدون الجدد إلى الأحياء الكئيبة مهما يكن من أمر نواياهم الأصلية لا يمكنهم تحقيق الكثير ما لم يجدوا دعماً محلياً نشطاً يساندهم. وهذا شيء لا يمكن حسمه بإجراءات أمنية أشد وإجراءات مثل حظر النقاب لن تزيد الأمور إلا سوءاً. والسلطات الأوروبية تتعلم كيف تشاهد وتستمع وتتحدث إلى المتشددين المحتملين حتى لا يتحول المتشدد المحتمل إلى متشدد فعلي. وهي مهتمة أيضاً بتقليص التوترات في الأحياء المنعزلة، وهذا ليس ضعفاً بل هو ذكاء في مكافحة نزعات التطرف والإرهاب. * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©