الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الإسلامي يحول أواني النحاس إلى قطع فنية

الفن الإسلامي يحول أواني النحاس إلى قطع فنية
14 سبتمبر 2008 02:05
ورث المسلمون عن جدارة كل ما يتصل بفن صياغة المعادن في الأقاليم الشاسعة التي امتد إليها نفوذهم السياسي والحضاري، غير ان الفنان المسلم أضاف بصمته الخاصة ليحول الأواني النحاسية الممتهنة إلى قطع فنية جديرة بالاقتناء· فقد أخذ الصناع المسلمون من الهند صناعة السيوف والخناجر، ومن بلاد الشام ومصر استوحى المسلمون تقاليد صياغة الحلي، اما صناعة الأواني المعدنية ولاسيما من الفضة والنحاس فقد اقتبسها الصناع المسلمون في أول الأمر من اساليب الفرس الساسانيين الصناعية أو الزخرفية· وقد احدث هذا التداخل نوعا من الاختلاف حول نسبة قطع بعينها الى العصر الساساني المتأخر أو بداية العصر الإسلامي مثلما هو الحال في ابريق من البرونز عثر عليه في مصر على مقربة من قبر مروان بن محمد، آخر خلفاء الامويين، وكان قد قتل قرب قرية ابي صير الملق ببني سويف اثناء فراره من خصومه العباسيين ويتميز هذا الإبريق المعروف لدي دارسي تاريخ الفنون باسم ابريق مروان بن محمد بأنه من البرونز المتميز بدقة في الصنع ورشاقة في الشكل وتناسب في اجزائه المختلفة، وهو يتألف من بدن منتفخ متكور يرتكز في اسفله على قاعدة متسعة نسبيا ويزدان البدن بزخرفة محفورة على هيئة صف من العقود الشبيهة بالأهلة وبداخلها زخارف نباتية وهندسية ورسوم طيور وحيوانات· أما رقبة الإبريق فأسطوانية الشكل جزؤها العلوي مزدان بزخارف نباتية مخرمة ويخرج المقبض من منتصف البدن ويرتفع موازيا للرقبة ثم يلتوي في اعلاه وينتهي بزخرفة على هيئة ورقة نباتية ويعد صنبور هذا الابريق من تحف الفن الجميل فهو على هيئة ديك كبير ناشر جناحيه وقد شد جسمه استعدادا للصياح· ومع الطابع الزخرفي الذي صور به الديك فإنه يتسم بقوة التعبير· ويرجح بعض مؤرخي الفنون ان الابريق صنع في فارس ربما قبل الإسلام نظرا لأن صياح الديكة امر يتصل بالديانة الزرادشتية وتقديسها للنور أو النار فيما يرى آخرون انه إشارة موحية لصلاة الفجر ويعتقد ان هذا الإبريق كان يستخدمه مروان بن محمد في الوضوء وسار صناع المعادن في ديار الاسلام بخطى متسارعة في سبيل التميز الفني وأصبحت لمنتجاتهم شخصيتها الخاصة منذ بداية القرن الثاني للهجرة وتتميز الأواني المعدنية الإسلامية بندرة الذهب فيها نظرا لكراهية الإسلام لمظاهر الترف والإسراف وإن كان ذلك لا ينفي وجود بعض نماذجها ومن ذلك أناء من الذهب الخالص يرجع الى ايران في القرن الرابع الهجري ''10م'' وهو ذو بدن كروي ومقبض رشيق وازدان بدنة بزخارف التوريق العربية ''الارابيسك'' المنفذة بأسلوب الحفر ويتجسد إنجاز الفن الإسلامي الأكبر في تحويل أدوات النحاس إلى قطع فنية متميزة ومع رخص مادة النحاس لم يقدر لأمة ان تسبغ عليه هذا القدر الهائل من التكريم الفني الذي لقيه في ديار الإسلام قاطبة، اذ يندر ان تخلو واحدة من مدن الشرق الإسلامي العريقة من حي خاص تصنع وتباع فيه الأواني النحاسية سواء عرف هذا المكان باسم حي النحاسين أو الصفارين وغالبا ما لجأ صناع المعادن الى استعمال خامتين من النحاس لصناعة الأواني وهما تختلفان من حيث المظهر واللون ، وهما: النحاس الأحمر ويستخدم عادة في صناعة الأواني الضخمة المخصصة للطهو أو حفظ الماء·و النحاس الأصفر الذي يكتسب لونه المميز من سبكه مع الزنك واذا كانت الزخرفة بالحفر أو الحز شائعة في اواني النحاس الاحمر فإن منتجات النحاس الأصفر غالبا ما تزخرف بطريقتي النيلو والتكفيت والنيلو الذي يستخدم الى اليوم في الصناعات التقليدية عبارة عن مادة سوداء اللون تتكون من صهر نسب معينة من النحاس والرصاص والكبريت وملح النشادر وتملأ بها الزخارف في بدن الآنية بطريقة الحز لتبدو مغايرة بلونها الأسود القاتم للون الآنية النحاسية الاصفر الساطع اما التكفيت الذي يعد ابتكارا إسلاميا أصيلا فيقصد به إضافة معدن ثمين كالفضة أو الذهب الى بدن الآنية النحاسية ويتم ذلك بحفر الزخارف على سطح الآنية الخارجي حفرا عميقا ثم ملء الأجزاء المحفورة بأسلاك رفيعة من الذهب أو الفضة بطريقة الطرق حتى يستوي سطح هذه الاسلاك مع سطح الآنية و يكسب استخدام المعادن الثمينة في التكفيت أواني النحاس جمالا فنيا لاسبيل لإنكاره ودون ان يستثير غضبة الفقهاء ورجال الدين· ويبدو ان صناع المعادن بالموصل كانوا الأكثر براعة والأبعد شهرة في مجال الزخرفة بالتكفيت ان لم يكونوا هم الذين ابتدعوا هذا الأسلوب الصناعي والزخرفي إذ لم يعرف هذا الأسلوب في مصر إلا بعد انتقال عدد كبير من صناع المعادن الموصليين الى القاهرة فرارا من وحشية المغول بعد ان اجتاحوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية في سنة 656هـ ''1258م'' وقد استخدمت الزخرفة بالتكفيت في العديد من الأدوات المعدنية النحاسية بإضافة الذهب أو الفضة ومنها عدد من ''الطسوت'' التي حملت أسماء أمراء وسلاطين وملوكا صنعت برسم قصورهم، وهناك ايضا المباخر التي كان اقتناؤها احد مظاهر الترف في البيوت الاسلامية وهناك أعداد لا بأس بها من اباريق النحاس المكفتة التي انتجت بشكل خاص في سوق الكفتيين بالقاهرة خلال العصر المملوكي وفي مدن اليمن خلال حكم بني رسول في ذات الفترة وكذلك في المدن الإيرانية وهي جميعا تزدان بأنواع الزخارف النباتية والكتابات النسخية التي نفذت باستخدام التكفيت بالفضة في اغلب التحف ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©