الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عباس العقاد سليط اللسان والقلم في الصحافة

عباس العقاد سليط اللسان والقلم في الصحافة
29 يناير 2009 03:27
اتجه عدد من الدارسين والباحثين إلى تناول حياة المفكر الراحل عباس محمود العقاد وأفكاره، وكان معظم هؤلاء من المتخصصين في مجالات النقد والأدب أو الفكر الاسلامي، ومعظمهم من المعجبين بالعقاد أو المبهورين به وهو ما خرج عليه الباحث د· راسم الجمال في كتابه الجديد ''عباس العقاد في تاريخ الصحافة المصرية'' الذي صدر مؤخرا بالقاهرة· عباس العقاد ظاهرة فريدة في الصحافة المصرية وفي الثقافة العربية وهو كاتب علّم نفسه بنفسه، فلم ينل من التعليم غير الشهادة الابتدائية، واتجه بعدها الى العمل وهناك بعض الروايات عن أنه التحق بمدرسة فنية للتعليم الصناعي كي يتعلم حرفة، لكنه لم يواصل وانقطع مباشرة، حدث ذلك حين إلتحق بمصلحة البرق وتلقى دورة لمدة ستة شهور في تلك المدرسة· المدرس عمل العقاد مدرسا بمدرسة ابتدائية في أسوان ثم في الزقازيق، وعمل فترة مقاولا للانفار في بناء خزان أسوان، واتجه للكتابة في الصحف منذ عام 1906 وتفرغ تماما للصحافة في العام التالي وظل يكتب حتى عام ،1964 تاريخ وفاته، وربما تكون أطول مدة لكاتب بين أبناء جيله يظل يكتب بانتظام للصحف، بمختلف اتجاهاتها وافكارها على أن أغزر كتاباته كانت بعد ثورة 1919 وانخراطه في المعارك الحزبية وكان حاد الفكر واللسان، مخيفا لخصومه، فقد كان عنيفا للغاية في انتقاداته· ويجمل الباحث حياة العقاد الصحفية بالقول: ''شخصية تتسم بالاتساع والشمول ويجمع في داخله عناصر متناقضة، بين القوة والعنف من جانب، والسخرية والفكاهة من جانب آخر، وبين التفكير العميق في احيان كثيرة والسطحية في بعض الاحيان، وبين الديمقراطية والاستبداد بالرأي وبين الوقار والتهييج والمهاترات وهو شخصية شديدة الحساسية لذاتها وكرامتها، كل هذا فضلا عن غزارة انتاجه الصحفي''· من مكونات العقاد العقلية والثقافية ميله إلى الاستقلال في الرأي والفكر وايمانه المطلق بالحرية· الحرية الفكرية والسياسية، ويبدو ذلك واضحا في معظم كتاباته، لكن الأمر وفق د· الجمال مختلف في الجانب الصحفي، حيث لا يظهر ذلك الاستقلال إلا في مواقف معينة، ورغم انها كثيرة نسبيا فانه يصعب تعميمها ليقال: إن العقاد كان كاتبا مستقلا، لان تلك المواقف ـ على كثرتها ـ تعتبر قليلة بالنسبة لحياة صحفية دامت نحو ستة عقود ولأن رأيه في الغالب كان تابعا لرأي الحزب السياسي الذي يؤيده أو يتعاطف معه· الحزبي ويصعب قبول رأي الباحث بسرعة لأن هناك مواقف التزام حزبي لدى العقاد، خاصة تجاه حزب ''الوفد'' في فترات معينة، لكنه في مراحل حاسمة، كان يعبر عن موقف مستقل تماما وينتصر للحرية، واهم نموذج موقف العقاد عام 1925 من قضية الشيخ علي عبدالرازق وكتابه ''الإسلام وأصول الحكم''· لقد وقف حزب ''الوفد'' وسعد زغلول نفسه ضد الكتاب وصاحبه· كان علي عبدالرازق عضوا بارزا في حزب ''الأحرار الدستوريين'' وكانت القضية في شقها السياسي قضية ''الأحرار الدستوريين'' ضد القصر والملك فؤاد وكان العقاد العدو اللدود للأحرار وصوت حزب ''الوفد'' الأعلى والأقوى وقد نجح سعد زغلول في استقطاب العقاد الى جانبه وجانب ''الوفد'' وكان العقاد ذاتيا الى أقصى حد ويبدو أن سعد زغلول فهم ذلك جيدا فقال للعقاد: ''انت جبار المنطق، جبار العقل'' فطار العقاد إلى السماء السابعة بهذا الوصف· وفي معركة ''الإسلام وأصول الحكم'' اعلن سعد زغلول صراحة انه ضد علي عبدالرازق وسخر من حملة الكتّاب لمساندته، وقال بالحرف الواحد: إن ما يقوم به هؤلاء مظاهرة مفتعلة يراد بها تضليل الجمهور في حق تملكه الجامعة الازهرية وتقرها عليه جميع الهيئات· لكن العقاد رأى رأيا مغايرا تماما حيث قال: إن الشيخ علي عبدالرازق صاحب رأي يباح له ان يعلنه كما يباح لغيره أن يرد عليه ويفنده، اما أن يحاكم أو يجبر على ترك رأيه لانه خالف به بعض العلماء أو غير العلماء فهذا ليس من روح الحرية التي تحمينا جميعا، ويجب علينا أن نحميها جميعا، وليس من روح الدين الذي يغارون عليه ويشنون هذه الغارة باسمه· وحين تقررت محاكمة علي عبدالرازق اجتمع الكتّاب في مكتب صالح جودت المحامي وكتبوا عريضة ضد المحاكمة وطالبوا بعدم محاكمته وكان العقاد من أبرز الموقعين عليها، ورفعت العريضة الى الملك فؤاد شخصيا، وجاء في العريضة: ان محاكمة مؤلف عالم وهو فوق ذلك قاض، لنشره بحثا علميا حوى أراءه الخاصة، لهي مصادرة لحرية الفكر المكفولة بدستورنا المصري والمقدس لدى جميع الامم المتمدينة ورجوع بمصر الى عهد الظلمة وهي في عصر العلم والنور، ثم ان محاكمته تأديبا أمام لجنة تصطبغ بالصبغة الدينية أمر مناف للمبادئ الدستورية· وكان سعد زغلول مع محاكمة علي عبدالرازق وكان العقاد ضد المحاكمة وندد بها وهنا يبرز التساؤل: كيف استقامت ودامت العلاقة بين الاثنين وظل العقاد كاتب حزب ''الوفد'' الأهم؟· السياسي الواقع أن ذلك يعود إلى شخصية سعد ذاته والعقاد كذلك، كان سعد زغلول يدري أن الكاتب له رأيه وموقعه الفكري، ولم يكن متزمتا في مسألة الالتزام الحزبي، ولذا فانه لم يتوقف عند موقف العقاد المخالف للحزب ولا توقف عند أحمد حافظ عوض صاحب ''كوكب الشرق'' الذي كان كاتبا وفديا ومقربا من سعد زغلول ربما أكثر من العقاد ومع ذلك وقف الى جوار علي عبدالرازق ودافع عنه· العقاد من جانبه تفهم موقف سعد زغلول والمناورات السياسية ووصف العقاد فيما بعد موقف سعد زغلول بأنه جاء من زاوية سياسية وان سعد كان يرمي من ورائه الى إحداث شقاق بين حزب ''الاتحاد'' وحزب ''الأحرار الدستوريين'' القائمين بالوزارة· ثم سقوط الوزارة بعد ذلك والعودة الى الدستور والحياة النيابية وفي انتظار هذه النتيجة كان رجاؤه في تحقيقها أغلب على نفسه· الواقع أن تفهم سعد زغلول لهذا البعد لدى الكتاب هو ما افتقده مصطفى النحاس فخسر ''الوفد'' العقاد نهائيا، فقد بدأ الخلاف عام 1934 وتواصل حتى بلغ ذروته في يناير 1935 فقد كان العقاد ضد تأييد ''الوفد'' والنحاس لوزارة محمد توفيق نسيم، وهاجم تلك الوزارة بضراوة ولم يكن رأيه في ذلك متفردا، كان عدد من الوفديين الكبار ضد تلك الخطوة، وكان هناك جناح كامل، من المتطرفين في تمسكهم بدستور 1923 ومن جانبه أصر النحاس على ضرورة ان يلتزم العقاد بخط الحزب، فكان الصدام وامتنعت صحف ''الوفد'' عن ان تنشر للعقاد حتى حينما كتب في ''روز اليوسف'' تدخل ''الوفد'' لمنعه، ولم يجد العقاد مكانا وصارت عملية تجويع مباشرة له فقد كان يتعيش من كتاباته، ولم تكن لديه وظيفة اخرى، ولم يكن من الأعيان ولا أصحاب الاملاك، فانقلب على ''الوفد'' بضراوة وهذاما يأخذه عليه عدد من الباحثين، باعتبار انه لم يكن صاحب موقف فكري وكان متقلبا في أرائه وأهوائه· الشتّام والواقع أن من يعيد قراءة شتائم العقاد لخصومه يهون عليه كل ما تمتليء به الصحافة السياسية والحزبية هذه الايام· ففي عام 1930 شتم رموز ''الأحرار الدستوريين'' وكان الاحرار قد طالبوا ''الوفد'' بأن يعلن برنامج مفاوضاته مع الانجليز فيرد النحاس على محمد محمود باشا رئيس الحزب بالقول: ''الحقيقة أن مصر مسكينة ولو لم تكن مسكينة ما قامت فيها هذه الضجة حول مخلوق كمحمد محمود لو بيع في السوق كما يباع الذين شفاههم مثل شفتيه وأنوفهم مثل انفه وجباههم مثل جبهته ورؤوسهم مثل رأسه ما زاد في السعر عن خمسة ريالات''· ويكتب عن محمد علي علوبة: الحق عليّ في الرد عليك يا ميمون أو الحق علينا لو ناقشناك وناقشنا أمثالك كما يناقش الآدميون، فارقص يا محبوب الشبان الاحرار ولتكن محبوبا لهم ابدا الآبدين، خيبة الله عليك وعليهم اجمعين! ويقول عن استاذ الجيل أحمد لطفي السيد: أحمد لطفي السيد المعتوه بشهادة الطب والاطباء الذي دب السوس في دماغه فاستأصلوه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©