الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عنصرية مختزنة في وجه عنصرية مزعومة

عنصرية مختزنة في وجه عنصرية مزعومة
29 يناير 2009 03:28
هذا كتاب عجيب وغريب وعنوانه: ''50 سببا نبيلا لكره اليابان''، وقد أعيد طبعه عن دار البان ميشال الباريسية، والمؤلف هو ستيفان بن عمّو، وهو كما يبدو من اسمه يهودي فرنسيّ، وربّما تكون له أسباب خفيّة شخصية او اديولوجية أو سياسية لكل هذه الكراهية التي كشف عنها في كتابه ضدّ اليابان واليابانيين·· وربما يعود أحد أسباب دعوة المؤلف لكره اليابان الى ما أشار إليه في كتابه، وهو اليهودي، إلى الحذر الشديد الذي يشعر به اليابانيون تجاه كلّ ما هو يهودي، بل ان الكاتب، الذي ينطلق من خلفية عنصرية واضحة، يذهب الى حد اتهام اليابانيين بمعاداة السامية، ويفسر ذلك بعدم وجود أية جالية يهودية في اليابان، ويستدلّ لتدعيم رأيه بتاريخ اليابان القديم والحديث، مستشهدا بكتب ومجلات ودراسات نشرت باليابان وتتسم ـ حسب زعمه ـ بمعاداة السامية، ويأتي المؤلف على ذكر الأكاديمي الياباني أونو ماسومي Uno Massami، وهو جامعي متخصص في العالم العربي، ويشيرالمؤلف إلى أن هذا الأكاديمي نشر كتابا مسيئا لليهود لاقى نجاحا واسعا، ويورد مقتطفات انتقاها منه تؤكد هيمنة اليهود على وسائل الإعلام، وورد فيها وصف لجان ماري لو بان (زعيم حزب يميني فرنسي متطرف لا يكن ودا لليهود) بأنه رجل ثاقب النظر· اليابان الآخر والمؤلف يظهر كرها واضحا لليابان واليابانيين، ويكيل لهم تهما كثيرة، ويصفهم بأقذع النعوت، وهو لا يخفي ضجره لتواجدهم وزحفهم على فرنسا، وهو يكاد يجزم بأنّهم احتلوا فرنسا، فهم ''متواجدون في كل مكان وفي مختلف المواقع التجارية''· والمؤلف يستعرض 50 سببا تدعو ـ من وجهة نظره ـ الى كره اليابان، وهو يحطّم الصورة المرسومة في المخيال الجماعي الفرنسي عن اليابانيّين، وهي صورة شعب موحّد، ومحبّ للعمل ومهذّب، فالمؤلف يقدّم في كتابه صورة مخالفة تماما ويقدّم اليابان كدولة مهيمنة، وعنصريّة، ويصفها بأنها دولة تخفي ما ارتكبته في التاريخ من فظائع وهو يقول إنه يقدم ما يسميه (اليابان الآخر)· ويتساءل الكاتب في المقدّمة: هل مسموح بأن نكره بلدا يظهر للعالم في صورة بلد مشرّف ومحترم؟ مضيفا: ''أليس مدعاة للشك والريبة أن يدعو كاتب لكره بلد، فاليابان دولة ديمقراطية ومزدهرة اقتصاديا، وتعدّ نموذجا لنجاح السياسة الرأسمالية، ويجيب المؤلف بأنه يرى أن من واجبه كشف حقيقة الشعوب والافراد، خاصة اذا تم تقديم هذه الشعوب كنموذج، ويؤكد انه يريد باصداره لهذا الكتاب هدم ''الاسطورة'' التي يريد الياباني أن ينحتها عن نفسه· ويقول إن اليابانيين يرون في كل نقد لهم استفزازا وتدخلا في الشأن الداخلي، وغالبا ما يلازمون الصمت، وإن ردّوا فإنهم يكتفون بالقول بأنّ الغرب ليس له الوسائل والحق لإصدار أحكاما عليهم، ويختفون دائما وراء الحجة القائلة بانّ لغتهم وثقافتهم المختلفة تمثل حاجزا أمام الآخر لفهمهم· ولكنّ المؤلف له رأي مختلف، فهو يؤكد بأن المسؤولين السياسيين وأرباب المؤسسات الاقتصادية يخافون النقد لإحساسهم بأنّ نزع وهدم حجرة واحدة تجر إلى انهيار الصرح بأكمله·· ولا يخفي الكاتب ضجره للتواجد الاقتصادي الكبير لليابانيين في فرنسا واقتحامهم مجال تجارة السيارات والموضة، والفن المعاصر، وغيرها من مختلف قطاعات التجارة والاقتصاد، ويتبنى ـ متهكما ـ وصفهم بالنمل · ويعدّد في فصل آخر ما يراه سببا لنقد اليابان كالفساد، وعدم احترام العقود والمعاهدات الدولية، والإدارة التي يصفها بأنّها بقيت وجها للماضي، كما يدين ما يسميه بسوق الجنس ومرابحه الكثيرة، ويشير إلى وجود آلاف الحانات في طوكيو التي تشغل آلاف المضيفات· إخراج مسرحي؟ وخصص ستيفان بن عمّو فصلا كاملا لتحليل ظاهرة الانحناء عند اداء اليابانيين التحية، ووصف هذا الأسلوب التقليدي بأنه تمرين غير تلقائي مستشهدا بعالم الاجتماع الاميركي إيرفين غوفمان الذي نعت تلك العادة لدى اليابانيين بأنها ''إخراج مسرحي للحياة اليومية، لان الياباني يريد أن تتحدد شخصيته من خلال نظرة الآخر إليه، ومن ذلك حرص الياباني بان يقدم لكل من يتعرف عليه، ومنذ أول لقاء معه، بطاقة الزيارة''· وفي فصل آخر حلل المؤلف من وجهة نظره حب اليابانيين لمؤسساتهم الاقتصادية التي يعملون بها· وذكر ساخرا بأن العمال يرددون كل صباح نشيدا خاصا بكل مصنع تعبيرا عن ولائهم وحبهم لمؤسستهم منتقدا الربط بين ازدهار المؤسسة الاقتصادية في اليابان وسعادة العاملين بها إلى درجة أن بعض المؤسسات تتكفل حتى بدفن العامل عند موته في أرض ملك للمؤسسة! وجاء في الكتاب أن اليابان يتظاهر بالدفاع عن البيئة والطبيعة، لكن ''المعجزة الاقتصادية'' كان ثمنها تلوّثا كبيرا للبيئة وتحطيما للطبيعة، كما يتهم الكاتب اليابانيين بسوء معاملة المرضى النفسانيين في المستشفيات مستشهدا بما أشارت إليه عديد التقارير الدولية الصادرة عن الجمعيات والمنظمات المهتمّة بحقوق الإنسان، ويجزم أنّ الشعب الياباني لا يبدي تعاطفا مع المرضى النفسانيين، بل يظهر إزاءهم لامبالاة كبيرة ويبرز الكتاب عدم اكتراث اليابانيين بالمسنين، فاليابانيون يمجّدون أجدادهم في الكتب المدرسية والخطب الرسمية وزيارة المعابد· ولكن الحقيقة ''أن المجتمع الياباني لا يتقبل المسنين إلاّ عند موتهم، فالمساكن الضيقة عندهم شتّتت الخلية التقليدية للأسرة والتي كانت تعطي مكانة محترمة للمسنّين، فبعد الخامسة والخمسين في العمر يجد الياباني نفسه مهمّشا وغير مرغوب فيه، وهو ما يفّسر العدد الكبير للمنتحرين ضمن هذه الشريحة العمرية من السكان''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©