الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التأويل

التأويل
26 يونيو 2017 21:04
إن مفهوم التأويل interprétation شديد الارتباط بالتصور الذي نملكه عن الدلالة وعن شروط وجودها وأشكال تحققها. فالمعطيات الأولية، تشير إلى أن الكلمة لا يمكن أن تقف عند حدود التعيين المحايد لمرجع موضوعي مستقل. فإضافة إلى حالة التعيين هاته، تشتمل على مجموعة من السياقات المحتملة القابلة للتحيين مع أبسط تنشيط لذاكرتها. فالمعاني (الوحدات الدلالية الصغرى) تنقسم إلى: ما يحيل على جوهر الظاهرة وأصلها، وما يحيل على سياقات ضمنية أي ليست أصلية.
وإذا كان من الممكن الحديث عن وجود ثابت لكل ظاهرة، فإن الوجود الأصلي «المحايد» في كل عملية تدليل يتشكل من العناصر المحددة للماهية الوجودية للظاهرة في ذاتها، وهي العناصر التي لا يمكن التصرف فيها دون أن يؤدي ذلك إلى المساس بالجوهر المحدد لهذه الظاهرة.
إن هذا المبدأ المحدد لوجود الظواهر قابل للتعميم على كل الأشكال التعبيرية والوظيفية التي يتوسل بها الإنسان من أجل التواصل وإنتاج الدلالات: هناك لحظة أولى للتعيين المرجعي «المحايد»، وهناك لحظة ثانية خاصة بإنتاج الدلالات المرتبطة بخصوصية الفعل المندرج ضمن وضع ثقافي خاص. إن الوجود الأول يشير إلى المعنى المباشر الذي يمكن اعتباره قاسماً مشتركاً لكل الدلالات التي تتبناها مجموعة لغوية ما، في حين يمكن التعامل مع المعاني الثانية باعتبارها قيماً مضافة تعد نتاجاً للوضع الخاص للإبلاغ.
ولقد طور التقليد اللاهوتي الغربي تصورات غنية للتأويل (الذي يطلق عليه عادة الهرمنطيقا). فلقد انبنى التأويل داخل هذا التقليد على وجود استقطاب ثنائي يجمع بين معنى خفي وآخر مباشر. فشراح الكتاب المقدس كانوا يتصورون أن الحدود اللغوية التي صيغ فيها هذا الكتاب تحتوي على معنى ظاهر، هو المعنى الحرفي، ومعنى خفي، هو سر الكلمات وجوهرها، ودور المؤوّل يكمن في الكشف عن المعنى الثاني، لأنه هو الذي يحتوي على القصدية الحقيقية للذات الإلهة. ومن هنا كانت نظرية المعاني الأربعة (المعنى الحرفي والمعنى الروحي والمعنى المجازي والمعنى الأخلاقي). فكلمات الله تحتاج إلى تدبر لكي تسلّم بعض أسرارها.
وهذا المعنى قريب جداً من السياق الذي يشير إليه صاحب لسان العرب (مادة أول)، حيث ارتبط التأويل عنده بالتفقه وتدبر نصوص القرآن فـ «المراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ».
إلا أن التأويل كنشاط معرفي لم يعد محصوراً ضمن هذا الاستقطاب الثنائي، كما لم يعد يبحث في النصوص الدينية عن سر أو أسرار تختفي في تلابيب المعنى الحرفي، لقد أصبح التأويل نشاطاً معرفياً تستند إليه كل العلوم الإنسانية من أجل فهم أفضل للتراث الإنساني قديمه وحديثه.
بتصرف عن معجم السيميائيات

تأليف: سعيد بنكراد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©