الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شحّاذ القرّاء

شحّاذ القرّاء
22 ابريل 2011 19:55
كل الرسائل الإلكترونية التي أرسلها إلى قرّاء يتواصلون معي بشأن كتاباتي، أختم فيها كلامي بــ«أرجو أن تبقى قارئاً دائماً»، وإذا أرسل إليَّ أحدهم يقول إنه قرأ كتاباً من كتبي، فإنني أشكره على القراءة وأقعد أشيد به طوال الوقت، سواء كان القارئ يطبّل لي في رسالته أو يكسر الطبل على رأسي، وهذا يشبه الدعوة التي يطلقها الشحّاذ في كل مرة يدسّ فيها أحد المحسنين درهماً في يده، ويدعو كذلك لمن يمر أمامه مرور البخلاء. إذا كان للشركات أصول (asset) كما يقولون، فإن القارئ الدائم لأي كاتب هو من أصوله، وقيمة الكاتب تتحدد بعدد قرّائه، كما تتحدد قيمة تاجر العقارات بعدد بناياته. لذلك، فأنا بصراحة أشحذ القرّاء لأبني بهم ثروة. أفعل ذلك لشعوري بأنني فقير إليهم وهم في غنى عن كتاباتي، وأعرف أن القارئ يمكن أن يعيش مليون سنة من دون أن يقرأ لي سطراً واحداً، لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً ككاتب إلا بوجود من يقرأ سطراً واحداً من سطوري على الأقل. قبل ظهور الإنترنت، كانت الكتابة الإبداعية حكراً على فئة من الناس التي تعبت على نفسها طويلاً، إلى أن وجدت الراحة على صفحات الجرائد، هي التي تكتب وليس أمام بقية الناس إلا أن يقرؤوا، سواء كانوا يفعلون ذلك لأن المادة تستحق، أو لقلة وسائل الترفيه ومنافذ التلقي. تغيّرت المعادلة اليوم وأصبحت الكتابة، أياً كان مستواها، في متناول الجميع، ويفضّل أغلب الناس التفاعل مع الآخرين من خلال الكتابة، وولّى الزمن الذي كانوا فيه صما بكما وهم يقرؤون، فهم إما أعضاء في منتديات يكتبون فيها، أو لديهم مدونات إلكترونية مشغولون بها، أو صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرهم يرفع شعار: اقرأ لي لأقرأ لك، أضفني إلى قائمة المتتبعين لكتاباتي لأضيفك إلى قائمة الذين سأضيع وقتي لقراءة ما يكتبون. بالطبع، هذا لا ينطبق على الكتّاب الكبار والمعروفين الذين استطاعوا تكوين ثروة قرّاء، كأن يكون لأحدهم مليون قارئ لا يعود معهم في حاجة إلى استجداء أحد، ومهما خسر من قرّاء غضبوا منه لأنه لا يبادلهم التواصل، فإنه سيحصل على غيرهم في اليوم التالي، و»اللي مش عاجبه يضرب راسه في شاشة الكمبيوتر». لكن الكتّاب الصغار والمغمورين، لا يمكنهم جمع ثروة معقولة من القرّاء إلا بنشاط دائم على كل المستويات، نشاط في ساحة القراءة لتثقيف أنفسهم، ونشاط في ساحة الكتابة لتجويد أقلامهم، ونشاط في التواصل مع القرّاء وتوفير كل الوقت الذي كان من المفترض أن يخصصه لأهله وعمله ومسؤولياته الاجتماعية، في السلام على القرّاء، والردّ عليهم، واستظراف الدم معهم. كان من عادة شباب عائلتي أن يقطعوا الوعود مع أمهاتهم وأخواتهم قبل حصولهم على رخصة القيادة بأنهم سيكونون عند الطلب في أي مشوار بعد الحصول على رخصة وامتلاك سيارة، لكنهم كانوا يتبرؤون من ذلك الوعد بعد ذلك، فلا يركب في سياراتهم إلا أصدقاؤهم، وكنت الوحيد الذي أقول لأهلي بشكل لا لبس فيه: آسف، عند حصولي على رخصة قيادة لن أعمل سائقاً لديكم. وأرى أنه من الواجب عليّ أن أوضّح للنفر من القرّاء الذين يتواصلون معي هذه الأيام، بأنه إذا وفّقني الله لتكوين ثروة قرّاء، فإنني سأتوقف عن الشحاذة ولن أرد على أحد. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©