الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصف المجتمع

نصف المجتمع
22 ابريل 2011 19:55
مشكلتي مع عفاف زميلتي في الشركة هي خشونتها الشديدة، باختصار شديد كانت أقرب إلى صديق لي، صديق ظريف لا بأس به، لكنه خشن لا يهتم بمظهره ويستعرض قوته بلا داع طيلة الوقت. ومع الوقت تعلمت أنها أقوى مني بمراحل، لذا كنت أحاول فتح علبة أو زجاجة، فإذا عجزت ناولتها إياها بلا لحظة تردد واحدة، كما أنني كنت أستعين بها في فتح الأبواب الموصدة بعنف، وذات مرة عجزت عن حمل حقيبة فطلبت منها مساعدتي، هكذا حملتها هي وحدها.. هكذا كانت الأمور، حتى تذكرت هي أنها أنثى، فقالت لي ذات يوم: ـ «أنت عاجز عن فهم مشاعر المرأة في كتاباتك» هززت رأسي شاعرًا بالخجل، من العار ألا يفهم المرء مشاعر المرأة جيدًا، لكن من قال إن (عفاف) تفهمها؟.. قالت وهي تجرب قبضتها في تهشيم علبة مياه غازية فارغة: ـ «هذه هي المشكلة، الرجال يتصورون أنهم أذكياء وأن بوسعهم تقمص مشاعر المرأة، بينما المرأة غابة متشابكة يصعب السير فيها». قلت لها في صبر إنني سأحاول، سوف أجعل فتاة تقرأ قصصي قبل النشر لتتأكد من أنني لم أتجاوز. قالت ضاحكة: ـ «تقصد أن أقرأها أنا، هه ؟» ـ «بالتأكيد، بالتأكيد !» بعد فترة أخرى قالت لي لائمة: ـ «كعادة الرجال تنسى الفالنتين !» قلت لها إنني نسيت الفالنتين ونسيت ما هو الفالنتين، فقالت لي إن العادة جرت على أن يبتاع الرجال دباديب من الفراء للفتيات في هذا اليوم. لا أعرف علاقة دباديب الفراء بالحب، لو كان الأمر بيدي لأقنعت الأخوة الصينيين بعمل نماذج مصغرة لكيوبيد أو فينوس. السؤال هو: لماذا تهتم هي بالفالنتين ؟ هل تصنع حساء من الدببة أم هي تستعملها كمرتبة رخيصة الثمن؟ تجاهلت هذا الموضوع، إلى أن قام مديرنا في الدائرة بإعداد جدول السهر الجديد للموظفين. هنا وجدنا أنه قد قام بتوزيع عفاف معي في معظم النوبتجيات. بصراحة راق لي هذا لأنها ستقوم بحمايتي لو فكر بعض السفاحين في اقتحام الشركة ليذبحوا من فيها. كما أنها تملك الكثير من الطاقة مما يسمح لي ببعض الراحة، لكن كان لها رأي آخر. لقد ملأتْ الدنيا صراخًا وشكت لكل شخص في العالم: ـ «أنا وحدي مع رجل في النوبتجيات ! رجل ! يا لها من كارثة !» لم يبد لي الأمر سيئًا، لكنها ذهبت إلى المدير وبكت أمامه حتى وافق في النهاية على أن يضع معي زميلاً ويوزعها مع زميلة. لا بأس برغم أن الزميل ضعيف ولن يستطيع ضرب السفاحي. في الحقيقة لست من الطراز الذي يسخر من التكوين الفيزيائي لشخص، أو يسخر من رجل لأنه طويل ومن أنثى لأنها بدينة، لكنني أمقت بشدة السيدة التي تعتبرني ذئبًا أو خطرًا داهمًا عليها، بينما أنا لا أرى فيها أية علامة على الأنوثة، ثم تدور على الشركة كلها تخبرها بمصيبتها عندما ترغم على أخذ نوبتجية معي !.. أي أنني أتلقى إهانة لا داعي لها بينما تستمتع هي بلعب دور الرافض لا المرفوض!. بعد أيام كنا جالسين، فراحت تراقب شاشة التلفزيون لدقائق ثم قالت: ـ «هؤلاء القوم لا يصنعون برامج كافية للمرأة هذه الأيام !» نظرت لها مفكرًا ثم سألتها السؤال الذي يطبق على روحي: ـ «وماذا يضيرك في هذا ؟» قالت في برود: ـ «من المصادفات الغريبة أنني أنا نفسي امرأة !» نظرت لها في دهشة وقد بدا أنني فطنت لنقطة لم أفطن لها من قبل.. مشكلة عفاف أنها تتشبث بالأنوثة بقوة وبشكل غير مسبوق، ومشكلتي أنني أنسى هذا، وعلي إما أن أتعلم أو أطلب نقلي من هذه الشركة ! د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©