الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب بين اعداء الحداثة واصدقاء الخرافة

26 يونيو 2010 14:22
ماجد الشيخ كاتب فلسطيني من الثمار المرّة التي طرحتها وتطرحها شجرة الحياة في بلادنا العربية، ذلك التأصيل العنفي/الإرهابي، والإصرار المميت على رعاية وسقاية التخلف المعرفي الشامل، عبر معاداة سلطة العقل والعقلانية، والعلم والعلمانية، وكأن هذه الأقانيم "من رجس الشيطان"، وبالتالي لا يصح للإنسان مقاربتها أو تأصيلها في حياته. ولهذا يطرح الانتقال من أرض المجتمعات التقليدية، إلى أرض مجتمعات الحداثة والدول/الأمم فيها، العديد من نقاط السلب والإيجاب. كما يجري استغلال وجود الحرية في الغرب من جانب المتشددين والمتطرفين، لصالح أهداف عقائدية ترمي لإعادة انتظام البشر وسلوكياتهم، في أنساق أو تجمعات أو تيارات أو أحزاب دينية ذات طابع سياسوي أكثر أدلجة، لا تراعي بل تعادي قيماً كونية أساسية عدة، في سياق استمالة أعضائها نحو تلك القيم الإخضاعية التي تُعدّ شرطاً لازماً من شروط "الإيمان الديني" حسب فهمها القاصر، كما أمسى يحددها البشر في سياق سلوكهم وممارساتهم الحياتية اليومية، بعيداً عن رعاية ورقابة النصوص المؤوَّلة التي تباعدت في سلوكها وممارستها العقدية، ولم تعد ملزمة، فما بالنا ونحن نتحدث ونعني أرض الحداثة. وفي هذا السياق المحدّد، تبدو الانتهازية واضحة وضوح الشمس، في سلوك أولئك الذين يعتبرون وجودهم في أرض مجتمعات الحداثة ودولها، ضريبة "الجزية الدينية" المفروضة على أهل البلاد، حيث يجري التعاطي معهم ك"ذميين". وهذه المفارقة التاريخية غير المسبوقة، لا تتم للأسف في سياق إعادة اعتبار للعقل، أو إعمالا لفكر نقدي، ولكنها للأسف تُعيد الاعتبار لإعمال بعض من النصوص، وإسقاطها إسقاطاً متعسفاً على واقع لا ينتمي إليه هؤلاء، قدر ما يريدون استعادة الهيمنة عليه "فقهيّاً"، بإدعاء "أحقيتهم اللاهوتية" لفرض جوهر أيديولوجي مضاد للعقل، ومعاد للفكر، ومغاير للنقد ومسؤولية الفرد عن ذاته، وما يصدر عن هذه الذات من تصرفات وأعمال. وهذا يضع "الإسلام" في الغرب على تماس مباشر مع الحداثة، تماس تناقضي يُباعد بين الفرد/الإنسان والمجتمع، وبين "المجتمعات الميكروية الصغيرة" المتديّنة.. والحرية، وبين الحرية والاستقلالية الفردية والمجتمعية، كما تمارسها المجتمعات الحداثية، وتلك التي تجور على أفرادها، فتبقيهم أسرى الأنساق الماضوية التي يُعاد تكرارها واجترارها، على رغم ما أسفرت عنه من براهين ودلالات حملت معاني الإخفاق والفشل، وما أقيم بموجبها من مبان متصدعة ومتداعية، هي إلى الانهيار أقرب، وهي تغرق في جمودها وتكلسها، ما قاد إلى خلق أبعاد تناقضية جديدة أو متجددة، بين القيم الدينية المعزولة أو ذات الطابع الانعزالي، وبين الحواضن المجتمعية الأصولية، كما عاشها "مسلمو الغرب" في بلدانهم الأصلية التي نشأوا وتربوا فيها، وتلك الحواضن الجديدة في بلاد الحداثة، حيث التناقض على أشدّه، مع ما يحمله هؤلاء من مخاطر إنشاء وإفشاء لمنطق صدامي، كنوع من أنواع الحروب الأهلية التي سبق للحداثة أن تجاوزتها وطوتها تاريخيّاً، وجعلت مجتمعاتها تتأقلم مع نسق من التعايش والاندماج في داخلها. وذلك حين جرى استبعاد كامل عناصر التفجير، عبر التأسيس لحياة ديمقراطية. وبين انفجار الهويات الدينية والقومية وفق أبرز تجلياتها الأيديولوجية الزائفة، وتصادمها ذاتيّاً وبينيّاً، وبين ادعاء الطهارة والقداسة الأيديولوجية للأصوليات الدينية، ومزايداتها كل في مواجهة الأخرى، تكمن مسيرة طويلة من سرديات لادعاء والتعالي الممزوجة بقدر عال من الفصام والأيديولوجيا المريضة، فأي ادعاء ل"المسلمين" في الغرب عن طبيعة مجتمعاتهم ودولهم، البعيدة عن شوائب المجتمعات الغربية، تفضحها تلك الممارسات والسلوكيات التصادمية والانتحارية للفرد وللجماعة الدينية في "الفضاء الإسلامي"، حيث تحولت المجتمعات والدول إلى أشتات متواجهة ومتناحرة، في خلاف يستعيد إرث الماضي كله، بسردياته كمرتع للخلاف والاختلاف. ولهذا.. قلنا ونقول إن الإنسان منذور للانتصار لقيم العقل والتنوير والاستنهاض، أي لقيم العقل والعلم التي لا يمكنها الوقوع في حبائل الأصوليات المتناحرة والمتقاتلة في داخلها وفيما بينها، لأن تلك القيم ليست قمينة بسلوك طرق الاستتباع للآخر، أو الخضوع لمنطق رفض العلمانية من قبل أعدائها المتسربلين بالدين وبأقنعة المقاومة، على ما صارت تجارة بعض متدينينا، وهم يلبسون ألبسة غير ألبستهم، فالمقاومة والإرهاب لا يمكن أن يلتقيا أو يتعايشا فوق سطح واحد، كما أن الحداثة بقيمها الكونية لا يمكن إخضاعها لإحالات ومجالات التفكير الخرافي أو الأسطوري، على أن المقاومة يتعين أن تكون وطنية بالضرورة، أما تحويلها إلى مرتع للفئوية والذهاب للأقاصي المذهبية، فلن يكرّس سوى الاحتلالات الأجنبية، مضافة إليها تلك الاحتلالات المكشوفة للفضاء العام، واستبعاد السياسة، وإقصاء المختلفين، واستبعاد الحوار، وإقصاء قيم التسامح، وجماع هذا كله تلك الوصفة المؤكدة لتخليق واقع تعصّبي تُدميه الحروب الأهلية، وتملأ فضاءه العام معطيات صراع الهويات القاتلة المتذابحة والمتحاربة، من أجل إحلال الرموز التقليدية، بديلا لقيم الحياة المتجددة الأكثر حداثة، في مواجهة "الموات العظيم"، ذاك الذي أفشته وأشاعته البنى الخرافية وأساطيرها المؤسسة، في بنية مجتمعاتنا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة « منبر الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©