الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معروف الكرخي إمام مدرسة في الزهد

14 سبتمبر 2008 23:32
شهدت المئوية الثانية والثالثة شيوع ظاهرة التصوف والزهد في متاع الدنيا، والتي أتت كما يقول عبد المتعال الصعيدي في ''المجددين في الإسلام'' كرد فعل طبيعي على فساد أمور المسلمين حكاماً ورعية، وتعلقهم بالدنيا بشكل مبالغ فيه· وهو الفساد الذي أرجعه عبد المتعال إلى ثلاث نكسات شهدتها تلك الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام: الأولى سياسية تتمثل في نزوع نظام الحكم للطابع الاستبدادي والبعد عن الشورى، والثانية رجعية اجتماعية بدت في انقلاب وحدتهم الاجتماعية إلى عصبيات عرقية ودينية، والثالثة نكسة دينية وهي تداعي وحدتهم الدينية وتحولهم إلى فرق وطوائف تعادي بعضها بعضاً· وقد أضاعوا في النكسة الأخيرة تحديداً أحد أهم سمات الإسلام وهو التسامح في الرأي وعدم اتخاذه سبباً في العداوة عند الاختلاف مع الآخر، لكون الرأي هو إقناع واقتناع، والعداوة تثير فيه التعصب فلا يكون فيه إقناع ، وإنما يكون فيه التعنت والجمود، وفي ذلك تضيع الحقيقة ولا يصل المختلفون إلى الصواب· ولذا يعتبر عبد المتعال، معروف الكرخي بمثابة المجدد في تلك الناحية· إذ كان المسلمون في عهده في حاجة لمجدد يصلح لهم تلك النكسات الرجعية التي حدثت فيهم، بحيث يزيل ما بين الرعية وحكامها من نفور سياسي، وما بين الشعوب والدولة الإسلامية من نفور اجتماعي، ويزيل ما بين الفرق والطوائف الدينية من نفور ديني، و ما بين طبقاتها من نفور دنيوي ، كما عمل على معالجة إحدى تلك النكسات· فكان تجديد الكرخي في مجال التسامح الديني مع الآخر المختلف، وهو تجديد من دون شك كانت له أثاره الممتدة على بقية النواحي الأخرى السياسية، والاجتماعية· ويوضح محمد صديق المنشاوي في كتابه '' الزهاد مائة أعظمهم محمد رسول الله '' هوية الكرخي ونسبه، فيقول هو أبو محفوظ معروف بن فيروز، لقب بالكرخي نسبة إلى بلدة كرخ ناحية بغداد، وعي علماً كثيراً فشغلته العبادة وإعادة الناس للطريق القويم عن رواية الحديث أو الفقه، وقال عنه سفيان بن عيينة: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي أبو محفوظ فيهم· ويشير عبد المتعال إلى أن معروف الكرخي لزم علي بن موسى الرضا فترة طويلة، وكان إماماً في الزهد والورع، فأخذ عنه الكرخي الزهد والورع، كما تأثر بابن السماك وغيره من زهاد عصره، ولكنه بالغ فيه حتى صار إماماً للزهاد في عصره وكل العصور التالية· ويذكر عبد المتعال أن معروف الكرخي شأن معظم زهاد عصره رأوا الإسلام، وقد أدركه الخطر الأكبر بتنازع المسلمين وتكالبهم على أمور الدنيا، فأرادوا أن يجددوه بإعراضهم عنها، وإيثارهم الفقر على الغني، حتى يعود للمسلمين صفاء الدين، ويكونوا قبساً من الثلة الأولى من المسلمين في العهد النبوي· وكانوا نموذجاً لأولئك المتنازعين على الدنيا، ومحاولين إصلاح ما أفسد على المسلمين في أمور دينهم ودنياهم· بخلاف العديد من الزهاد قبله وبعده، كان الكرخي صاحب ومؤسس مدرسة في هذا السياق· إذ كان مع مبالغته في العبادة والزهد في الدنيا، لا يرى غنى عن العلم والعمل الميداني أو المدني بالتوصيف الحديث، فهو بخلاف الآخرين لم يعتزل الناس ومشاكلهم، وإنما عاش بينهم يبتغي إصلاح النفوس وتجديد الإيمان داخلهم، لكي يعودوا لصفائه ونقائه مما يّحد من مقومات الفرقة والصراع التي تزايدت بينهم بشكل كبير وغير مسبوق· فهو كان لا يرى أن مجرد العبادة والزهد يكفي لنيل رضا الله عز وجل، بل لابد معهما من العلم ليقوم العمل به على أساس صحيح، وينال بالعلم والعمل رضا الله كاملاً غير منقوص· ويؤكد عبد المتعال، أن معروف الكرخي في هذه الناحية كان يستحق أن يكون مجدد القرن الثاني الهجري في التصوف، لكونه قدم نوعاً من أنوع التصوف هو زهد وورع، لا تصوف فلسفة ونظر· فحركة الزهد في عهده كانت قد انتشرت في جميع أنحاء الدولة الإسلامية، وفر إليها آلاف من رجال ونساء اعتزلوا الناس إلى الحياة الهادئة ، وبالغوا في الشعور بالمعصية، وكفروا عن كل مخالفة للشرع والدين مهما صغرت بمختلف أساليب التوبة والندم، كما اصطنعوا أساليب الذكر والتوكل· غير أن الكرخي -كما يذكر عبد المتعال - سلك مسلكاً جديداً في التصوف، وعرفه بأنه ''الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق''، إذ يقول الكرخي: إن محبة الله لا تكتسب بالتعليم، وإنما هي هبة من الله وفضل، ثم يعرف أولياء الله بأمور ثلاثة: أن يكون فكرهم في الله، وأن يقوموا بالله، أو يكون شغلهم بالله· وبخلاف مدلول ظاهرة التصوف الذي ساد في عهده الذي يدعو للنجاة بالنفس من عذاب القبر والآخرة، فإن تصوفه اتجه نحو غاية عملية محددة وهي وسيلة للمعرفة الألهية، بمعنى قصد الوصول إلى الذات العلية، لكون العارف عنده هو الواصل، بهذا وضع الكرخي بهذا الأسس أصول علم التصوف النظرية التي اهتدى بها كل من أتى بعده· ينشر بالترتيب خاص مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©