الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بشأن مفوضية الإعلام العربي

26 يونيو 2010 21:35
أكثر ما يستدعي الحيرة في مداولات مشروع إنشاء مفوضية الإعلام العربي ليس الخلاف المسبق بين أعضاء جامعة الدول العربية ولا اعتراف بعض المسؤولين في الجامعة بأن ردود بعض الدول “غير مشجعة”، ولا العجز عن التمويل، ولا الشكوك حول طرح المشروع في توقيت متزامن مع المواقف الغربية الضاغطة ضد القنوات المتهمة “بالإرهاب والحض على العنف والكراهية” وغياب الرد العربي المشترك في الوقت الذي يحلم فيه بعض المسؤولين بما يسمى”خطة إعلامية عربية لمواجهة الخارج”. ما يستدعي الحيرة هو المفارقات “المعلنة والمستترة” في تصريحات مسؤولي الجامعة أنفسهم والتي تدل على تناقض أو محاولة تعمية أو عجز في فهم وظائف الإعلام ومسارات العمل العربي المشترك. ويذكر أحدهم بأنه تم “تكليف” الأمين العام للجامعة بإجراء دراسة لإمكانية إنشاء مفوضية “لتنظيم حرية التعبير” وأن أغراضها ستكون “إحداث طفرة وتطور في منظومة العمل الإعلامي العربي، وتحديث منطلقات الخطاب الإعلامي العربي، وتعزيز واحترام ...الحق في التعبير عن الرأي”. وبينما يشدد مسؤول آخر على رفض “كل ما من شأنه أن يقوِّض حرية الرأي والتعبير” يدعو ثالث إلى مواكبة العصر ويؤكد “إننا مع حرية التعبير لكننا في الوقت نفسه حريصون على أن نلتزم بالعادات والقيم للمجتمعات العربية وألا ندخل إلى البيوت دون استئذان...كما نريد أن نكون ذوي رؤى واحدة وأن يكون إعلامنا متطوراً”. عدا عن أن جامعة الدول العربية غير مؤهلة لمناصرة أي قضية حريات في أي بلد عربي (فذلك شأن “داخلي”)، وعدا التساؤل هنا عن كيفية الربط بين العادات والتقاليد وضمان حرية التعبير و”تنظيمها” (والاستئذان بدخول البيوت) وغيرها من نقاط لا يمكن للمسؤولين العرب ولا لغيرهم الاتفاق عليها ولو بعد قرن، عدا عن كل ذلك ، فإن الحيرة الكبرى تكمن أولاً في أن “نكون ذوي رؤى واحدة وأن يكون إعلامنا متطوراً” بينما تطور الإعلام العربي في العقد الأخير ونجاحه النسبي في كسر احتكار الغرب للتدفق العالمي للمعلومات لم يتحققا إلا لأنه تفلت من قيود “الرؤى الواحدة” وتقاليد وعادات العمل العربي المشترك وتجنب مصير اتفاقيات السوق والدفاع المشتركة وغيرها مما لا يسر الخاطر. أما الطامة الكبرى فتكمن في أن كل النقاشات الدائرة “تستهدف” تحديداً الإعلام الفضائي وهو الأكثر تطوراً وعبوراً للحدود العربية في الوقت الذي تتجاهل وبشكل مريب أزمة وسائل الإعلام الأخرى التي تحتاج بشدة لأي عمل عربي يحاكي على سبيل المثال ما قامت به الدول العريقة بإعلامها عندما خصصت مئات ملايين الدولارات لإنقاذ ودعم مؤسساتها الصحفية دون أن تتدخل بنهجها و”خطابها” وتفرض عليها رؤى واحدة. إن الأجواء والأطروحات المحيطة بمشروع إنشاء المفوضية تُضاعف فعلاً من المخاوف (وبعضهم قال إنها تستهدف تأخير الإعلام العربي 30 عاماً إلى الوراء). والنوايا الحسنة لا تكفي للاطمئنان لهذا المشروع إلا بعد أن يعي المسؤولون عنه أن الإعلام يختلف جذرياًً عن القطاعات السيادية والمؤسسات الرسمية أو أن أفضل ما يمكن أن تقوم به الجامعة وأعضاؤها هو فقط السعي لتوفير بنى تقنية وبرامج دعم مالي وتسهيل “تدفق المعلومات” أمام المكونات المختلفة للإعلام العربي، وهكذا يمكنه مواكبة هذا العصر”ومواجهة الخارج”. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©