الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المناخ الاقتصادي... هل يكبح الإبداع في روسيا؟

26 يونيو 2010 21:46
بعد نجاتها من انكماش بنسبة 8 في المئة لإجمالي ناتجها المحلي -وهو الأسوأ بين مجموعة الـG-20 فقد أصبحت آفاق روسيا الاقتصادية خلال السنوات القليلة المقبلة مشكوكاً فيها تحت أحسن الأحوال. فما لم تعود أسعار النفط لارتفاعها السابق، بحيث يصل سعر البرميل الواحد منه إلى ما يزيد عن 100 دولار، فلن يحقق الاقتصاد الروسي إلا نمواً ضعيفاً جداً أو يبقى كاسداً خلال السنوات القليلة المقبلة. استجابة منه لهذه الآلام الاقتصادية قرر الكريملن أن ما تحتاجه روسيا في الوقت الحالي، هو شيء أشبه بوادي السليكون الأميركي. وعليه بدأت الحكومة تشييد "مدينة للإبداع" في سكولكوفو التي تقع خارج العاصمة موسكو مباشرة. وقد نظر إلى هذا المشروع باعتباره منطقة للاستثمار الحر، تهدف إلى جذب أفضل المستثمرين من داخل روسيا وخارجها على حد سواء. وخصص الكريملن مبلغ 3.5 مليار دولار لبناء الـ Technopolis، وهو عبارة عن مدينة مسورة ومحاطة بالحراس. وبالكاد تكون هذه فكرة جديدة على أية حال، فقد ظل استيراد الأفكار والتكنولوجيا من الغرب عنصراً أساسياً في تحديث روسيا، منذ أيام القيصر بطرس العظيم في بدايات القرن الثامن عشر على أقل تقدير. وعلى امتداد عقدين من الزمان حذا القادة الروس حذو ذلك القيصر، بما في ذلك الخطة الخمسية التي طبقها الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين، بيد أن روسيا شددت دائماً سيطرتها على ما استوردته. صحيح أنها أعطت ضوءاً أخضر ومساحة واسعة لاستخدام التكنولوجيا والمهندسين، غير أنها لم تتح المساحة نفسها لحرية البحث العلمية، وللالتزام بالابتكار المتحرر من التوجيهات البيروقراطية، وفوق ذلك وقبله: تشجيع المستثمرين الشجعان المتحررين الواثقين من امتلاك زمام أمرهم واستثماراتهم. ذلك أن القيصر بطرس ومن خلفه سعوا دائماً إلى جني ثمار الحداثة والتنمية دون أن يكلفوا أنفسهم بغرس جذورها في تربة الاقتصاد الروسي. وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدا هذا النهج واضحاً في منطقة "نيمتسكايا سلوبودا" -المنطقة الألمانية- حيث كان في وسع الحرفيين الألمان العيش بأمان، في حين تعذر ذلك على المواطنين الروس، إلا تحت إمرة وسيطرة النفوذ الأجنبي. وحين يحدد أداء الاقتصادات الوطنية بما تنتجه من حديد وفحم وغيرهما، فإنه يكفي لضمان تحقيق ذلك الغرض وجود قن محروم من كافة الحقوق. وفي وسع هؤلاء الأقنان الانحناء وكسر ظهورهم خدمة للقيصر بطرس أو في بناء القلاع الإسمنتية التي تطلبتها حركة الصناعة التي بدأها الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين. ولكن وحده الفرد المتحرر من مشاعر الخوف وسطوة النفوذ الأجنبي هو الذي يستطيع بناء وادي السليكون. ومن أسف أن وجود هذا الفرد المتحرر كلياً يصعب العثور عليه في روسيا اليوم. فمن فرط استيائهم وخوفهم من ممارسات الفساد في بلادهم، يتفادى المستثمرون الروس التطلع إلى الخطط الكبيرة الطموحة، ويعمدون إلى تفادي المخاطرة بقدر ما يستطيعون. ولكي نكون عادلين، علينا القول إن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي يتوقع له أن يزور وادي السليكون في ولاية كاليفورنيا خلال الأسبوع الحالي، يدرك المشكلة التي تواجهها بلاده، ويقر بكل ما هو صحيح بشــأن حاجة روسيا إلى الحرية والملكية الخاصة وروح الابتكار والإبداع التي لا تهاب شيئاً. ويتحدث ميدفيديف كذلك عن أهمية سيادة القانون، غير أنه فقد مصداقيته الآن بعد قضائه عامين كاملين في منصبه الرئاسي، ولم تعد كلماته تعني شيئاً للكثير من مواطنيه بالداخل والمراقبين لأدائه من الخارج. وبسبب الشلل الذي أصاب المستثمرين الروس جراء الخوف وعدم استقرار الوضع الاقتصادي، فهم لا يستثمرون داخل بلادهم إلا ما يتجاوز قليلاً حدود حاجتهم الإنتاجية. وتعود نسبة تفوق الـ80 في المئة من الإنتاج الروسي اليوم إلى المؤسسات والشركات المملوكة للحكومة. وفي المقابل ينتشر تصدير رؤوس الأموال الروسية إلى الخارج، بل الأسوأ من ذلك كله، أن عدداً من خيرة وأنجح المستثمرين الروس، لم يكتف بمجرد إرسال أطفاله وعائلته إلى خارج روسيا فحسب، بل بدأ يفكر جدياً في بيع ممتلكاته واستثماراته المحلية والهجرة إلى خارج روسيا، حسب ما أشارت إليه آخر الدراسات التي أجريت عن بيئة الاستثمار الروسي. وتحت أحسن الفروض يكاد جميع المستثمرين الروس الناجحين اليوم يبنون حياتهم على أساس نموذج مزدوج أرغمتهم على تبنيه ظروف وسياسات حكومة بلادهم إزاء أصحاب رؤوس الأموال الخاصة والاستثمارات. والمقصود بهذا النموذج أن يكون لكل واحد من هؤلاء خيار إقامة في روسيا، وأخرى في إحدى الدول الغربية. وتشهد إحدى أكبر الشركات الروسية ورئيسها على حقيقة البيئة الاستثمارية السائدة هناك: شركة يوكوس ورئيسها ميخائيل خودوركوفسكي. فقد اختطفت هذه الشركة، ولم يعد لها وجود اليوم، بعد استحواذ الحكومة عليها بتهمة التهرب الضريبي. وبعد أن حوكم أمام محكمة صورية باتهامات تتعلق بالتزوير وصدر بحقه حكم بالسجن لثماني سنوات في عام 2005، يواجه خودوركوفسكي محاكمة صورية جديدة لها صلة باتهامه باختلاس 350 مليون طن من نفط إحدى الشركات التابعة لشركته السابقة "يوكوس". وعليه فإن الطريق إلى وادي السليكون الروسي، لا يبدأ هنا في كاليفورنيا يا سيادة الرئيس، إنما يبدأ بطرقكم على بوابة المستثمر السجين خودوركوفسكي. ليون آرون مدير الدراسات الروسية بمعهد «أميركان إنتربرايز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©