الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

لميس المرزوقي تعلي من المشاعر الإنسانية العادية

لميس المرزوقي تعلي من المشاعر الإنسانية العادية
26 يونيو 2010 21:48
في مجموعتها الشعرية الصادرة حديثاً عن مشروع قلم التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، تشتغل الشاعرة لميس المرزوقي على القصيدة بالتدرج من البنية المعقدة في بداية القصيدة إلى بنية قائمة على البساطة والإعلاء من شأن المشاعر الإنسانية العادية التي يمكن فهمها مباشرة ولا تحتاج إلى إفراط في التأويل وتنطوي على التماعات شعرية تثير إحساس القارئ ومخيلته معاً. وبدا أن كل مقطع في «النقطة السوداء في جيبي» يعبّر عن تجربة شخصية ما فرضت طابعها الخاص على هذا المقطع أو ذاك، حتى أن الكثير من المقاطع هي قصائد ضمن قصيدة طويلة لا رابط بينها سوى الوحدة الموضوعية للقصيدة بالدرجة الأولى ثم الكتاب نفسه بالدرجة الثانية. في تلك المقاطع ذات البنية التركيبية المعقدة لجهة بناء الصورة، تجمع لميس فارس المرزوقي ما هو حسي إلى ما هو مجرد، ضمن منطق الشعر السوريالي، بالفعل، في بناء الصورة الشعرية، فلا يدرك القارئ منها، حتى تخيّلها، إلا دلالتها الكبرى أو الواسعة: «ما زلت أعود حيث الشارع مخبوء تحت ضفيرة؛ عينان بلا رأس تمشيان حيث وجوه الناس بعيدة وقباب الأرواح لا تغفو وكأول خيط للعمر أتلحّف بالجدران بخيط الشمس الهارب عنها وككل العمّال؛ إلى الأبد فوق رصيف أنتظر». كأنما الشخص السارد في القصيدة قد أدرك بعين المخيلة ما لا يدركه الآخرون، معبّراً من خلال هذا القَدْر الكبير من الانطواء على الذات عن تجربة شخصية بأبعاد إنسانية. في حين أن الشخص السارد هنا، هو أقرب إلى الصمت، بل إلى الغياب، حتى كأنه طيف، ولا ندري، ربما هو الأرجاء الآن وربما لا. إن مصدر القول الشعري هنا هو «شيء ما» يمور في الداخل؛ في أعماق النفس الإنسانية، أو هي «ذات» أخرى تمور في أعماق تلك النفس فتحفزها على ممارسة عزلتها الخاصة عن الآخرين، حيث من الممكن كتابة الشعر، وحيث هذه الكتابة هي المعادل الموضوعي لاحتمال العيش. هنا فإن القول أكثر من ذلك قد يقود إلى إفراط في التأويل: «ينام كما الأريكة تحت عمره الهارب مني كجدار منهك قبل اليقين يقف لا تنتمي ساعته إلى تجربة ولا تنطلي عليه احتيالات الكون السريع». لكن الاغتراب ذاته يبدو مختلفاً تماماً في مقاطع أخرى من القصيدة. إذ أن البنية البسيطة للصورة الشعرية تمتلك عمقها الخاص والمعبّر أيضاً: «صامت أنت منذ الأزل جامد محجرك كثيرة هي الرمال في فمك وكؤوسك الكثيرة تلك التي لا تسكرك بالأمس كنت أقلّب الهواء وأرصد السنين كيف تنهمر كالنجوم حين لا تكون في السماء». مع ذلك تبقى الذات الساردة في القصيدة غائمة أو طيفية، وأقرب إلى الصمت، لكن الشعر هيّن بالنسبة لمخيلة قارئ، ربما لأن التشبيهات تقوم بدور ما يجمع ما بين مخيلة النص ومخيلة القراءة في أفق قرائي تأويلي واحد: «أنظر إلى الحياة وأنا جبل يحيط بممرات يعبر منها البدو منهكين من كثرة الأنبياء ما زال لون الستائر في منزلك يذكّرني بكل قطرة دم في المحبرة». لكن، وفقاً للبيتين اللذين تبني بهما الشاعرة لميس المرزوقي قصيدتها، يشعر المرء بأن الجذر الكامن في هذا الشعر هو الرعب؛ إنما هو رعب من نوع آخر.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©