الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا قدمت أكثر من البطاطس!

29 نوفمبر 2009 01:27
والتر رودجرز باريس قد تتملك الدهشة أي أميركي لا يستسيغ أي شيء فرنسي ـ كأرث من عهد بوش ربما ـ عندما يعرف أن فرنسا تتفوق في الترتيب الآن على الولايات المتحدة كمكان مفضل للعيش. صحيح أن الولايات المتحدة وفرنسا بينهما تاريخ طويل من الخلافات، إلا أن الوقت قد حان للأميركيين كي يتجاوزوا ذلك كما فعل الفرنسيون. فالفرنسيون يتمتعون بالعديد من الأشياء التي يمكن للمرء أن يعجب بها غير المأكولات الشهية، وشواطئ" "كوت دا ازور"المشمسه المطلة على البحر الأبيض المتوسط؛ فتقرير الأمم المتحدة الذي يحتوي على ترتيب للدول من حيث نوعية الحياة فيها، يضع فرنسا قبل الولايات المتحدة في الترتيب بستة مراكز؛ ربما يمكن للأميركيين أن يتعلموا شيئا أو اثنين عن الفرنسيين، فنظام الرعاية الصحية الفرنسي الوطني يعتبر من البرامج التي تقدم خدمة صحية على مستوى عالمي راق لجميع المواطنين. وهناك أيضا المواصلات العامة العصرية والنظيفة، والمدن الفرنسية الصغيرة الفاتنة، التي لا يمكن مقارنة أي مدينة أميركية صغيرة بها، والتي يمكن أن تكون موضع حسد أي أميركي. هناك صديق لي يعيش في قرية صغيرة في وادي "اللوار" الفرنسي اشتكى لي مؤخرا من أن الأمر قد استغرق منه أسبوعا كاملا لتركيب تليفون في منزل يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر، ولقد آثرت ألا أقول له إنني أعيش على بعد16 ميلا من البيت الأبيض، ومع ذلك استغرق منى الأمر ما يزيد على ثلاثة أسابيع لجعل الشركة المزودة بخدمات الهاتف، تصلح عطلا في الخطوط حتى أتمكن من استخدام الهواتف العديدة الموجودة في منزلي بالشكل السليم. والحقيقة أن معظم الأشياء في فرنسا بما في ذلك المجالات العلمية المتخصصة مثل الهندسة تعمل بشكل أفضل مما تعمل به مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من كل تلك المزايا والإيجابيات، فإن الشيء الذي يؤسف له أنه كان من الصعب على الأميركيين أن يقولوا أي شيء إيجابي عن الفرنسيين؛ وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن الأميركيين قد وجدوا حرجا بالغا في الاعتراف بأن الرأي الفرنسي القائل بعدم وجود أي أسلحة للدمار الشامل في العراق ـ قبل أن تقدم أميركا على غزو هذا البلد ـ كان صحيحا. خلال زيارة إلى باريس مؤخرا، وأثناء تناولي للعشاء في مطعم فرنسي قام شخص بتقديمي أنا وزوجتي بطريقة غير لائقة بأن قال أقدم لك "الأميركيين الجالسين على المائدة الفرنسية" وهي عبارة تحمل في طياتها تلميحا الى أن الأميركيين لا يعرفون آداب واتيكيت المائدة، كما يعرفه الفرنسيون الأكثر رقيا. كانت تلك محاولة سافرة للتهكم أغضبتني كثيرا، على الرغم من محاولات مدير المطعم للتخفيف من وقع تلك الملاحظة اللاذعة؛ ولكن بعد أن استعدت هدوئي، تذكرت العديد من الصفات السيئة التي ظل الأميركيون يلصقونها بالفرنسيين لعشرات السنين؛ ففي الآونة الأخيرة على سبيل المثال رأينا عضو الكونجرس الأميركي الذي قدم اقتراحا للكونجرس بإطلاق اسم "بطاطس الحرية" بدلا من البطاطس الفرنسية وهو ما يعتبر في نظري دليلا على المدى الذي يمكن أن تصل إليها التفاهة الأميركية في النيل من الفرنسيين. ويرى البعض أن العداوة الثقافية بين الولايات المتحدة وفرنسا قد بدأت عندما انسحب الزعيم الفرنسي الشوفيني "شارل ديجول" من حلف الناتو في تسعينيات القرن الماضي، لاعتقاده أن ذلك سوف يكون في مصلحة فرنسا القومية، في ذلك الوقت شعر الأميركيون بالغضب عندما نجح ديجول في بناء قدرة بلاده النووية خارج نطاق الناتو. وفي الواقع إن أجيالا بعد أجيال من الأميركيين قد تماهت مع باريس، وأعجبت بها أيما إعجاب على الرغم من الشهرة التي اكتسبتها العاصمة الفرنسية بكونها مدينة لا ترحب بالمتحدثين بالإنجليزية؛ واليوم وبعد أن أصبحت العاصمة الفرنسية تعج من جديد بالسياح الأميركيين فإني أستطيع أن أرى العديد من النُدل الفرنسيين، وسائقي التاكسي، وموظفي الاستقبال في الفنادق وهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل تقديم المساعدة للأميركيين، والظهور بمظهر المرحب بهم، مستخدمين في ذلك ما يعرفونه من كلمات إنجليزية ..لا بل ذهبت الحكومة الفرنسية في مجال الترحيب بهم إلى حد كتابة التعليمات في مطاراتها باللغة الإنجليزية إلى جانب الفرنسية لتسهيل الأمر على السياح الأميركيين. وعلى الرغم من حقيقة أنه ليس كل الفرنسيين مغرمين بالأميركيين كما قد يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذا المقال للوهلة الأولى، إلا أن الشيء المؤكد هو أنهم قد نجحوا في تجاوز العداوة الثقافية التي قامت بين الدولتين، بشكل أسرع من الأميركيين. ويجب ألا ننسى في هذا السياق أن الفرنسيين وساهموا في الحفاظ على ثقافة أوروبا وتمكينها من تنمية حضارتها الخاصة. كما يجب كذلك ألا ننسى أنه بدون مساعدة الكاردينال الفرنسي"ريتشيليو" لما كان لحركة الإصلاح الديني المسيحي البروتستانتي أن تنجح، ولكانت المستعمرات الأميركية قد أصبحت مختلفة تماما بالتالي عما هي عليه. أما الدين الثقافي لحركة التنوير الفرنسية فلا يمكن حصره، ولكن يمكن القول بأنه ما من دولة دعمت قضية حرب الاستقلال الأميركية مثل فرنسا؛ فبدون الفرنسيين لربما ظل الأميركيون يدفعون ضرائب باهظة حتى اليوم للعائلة المالكة البريطانية. لقد لاحظ العديد من آبائنا المؤسسين بما في ذلك جيفرسون، وفرانكلين، ثراء كل ما هو فرنسي ولقد حان الوقت للجيل الحالي من الأميركيين كي يعيدوا اكتشاف متعة الحياة على الطريقة الفرنسية وأن يكونوا مثل ذلك الصديق الذي شاهدته مؤخرا يرتدي قميصا مكتوبا عليه: "البطاطس المقلية، والحب، وكل ما هو فرنسي جميل". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©