السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن إغراءات السلطة ومفاسدها

19 ابريل 2012
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، هكذا تقول خبرة الشعوب والإنسان في العالم كله وعبر مراحل التاريخ المختلفة، ومن هذه النقطة بدأت د. بسمة عبدالعزيز دراستها التي انتهت منها في عام 2009، وتحمل عنوان “إغراء السلطة المطلقة.. مسار العنف في علاقة الشرطة بالمواطن عبر التاريخ” والمقصود هنا المواطن المصري في المقام الأول والتاريخ المصري كذلك. والحق ان التاريخ شهد فترات كانت فيها العلاقة بين الشرطة والمواطنين طبيعية بمعنى انها ليست محكومة بالعنف الشديد من جانب الشرطة والرفض والكراهية الأشد لدى المواطنين.. وقد يكون مفهوما ان تكون العلاقة محكومة بالتوتر بين قوي أو جماعات سياسية معارضة وجهاز الشرطة، باعتبار ان ذلك الجهاز يقوم على تنفيذ القانون وقد يكون مطالبا بمراقبة أو منع أنشطة لتلك الجماعات، لكن ما ليس مفهوما هو ان يقع العنف الشديد تجاه المواطنين المسالمين، اي ذلك المواطن البسيط والعادي الذي لا يمارس عملا سياسيا أو حزبيا، فضلا عن ان يكون منتميا لإحدى الجماعات التي تمارس العنف. زمن العسس ولكل دولة جهازها الأمني، الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ظهر في عهده “العسس” وكانوا يقومون بتتبع المفسدين وما يقومون به في المدينة، ثم ظهرت الشرطة بعد ذلك، وعرفت مصر الشرطة في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وعرف العصر العثماني ظاهرة “البصاصين” الذين يقومون بدور المخبرين السريين، وكان الناس يشكون ويعانون منهم، وتختزن الذاكرة الجمعية الى اليوم الكثير من الخبرة السيئة عنهم، لكن الشرطة في العصر الحديث ظهرت في عهد محمد علي وكانوا يتبعون ديوان الوالي، ومهمتهم حفظ الأمن بالعاصمة، اما الأمن خارج العاصمة فلم يكن يتبع جهاز الدولة، بل كان كبار الملاك يستأجرون بعض الأفراد لحماية ممتلكاتهم وابتداء من عصر الخديو اسماعيل ظهر جهاز الشرطة بأفراد لهم زي موحد ويتقاضون رواتب من ميزانية الدولة. وكانت الداخلية تحمل مسمى “نظارة” ثم صارت وزارة مع فرض الحماية البريطانية على مصر أثناء الحرب العالمية الاولى، وكان حسين رشدي باشا اول وزير داخلية.. وحتى اعداد الكتاب كان اللواء احمد رشدي اقل وزير أو اقصر وزير داخلية في الوزارة عمرا حوالي 14 شهرا، بينما اللواء حبيب العادلي اطول الوزراء عمرا في الوزارة. وفي العام الاخير تراجع اللواء احمد رشدي عن مكانته فقد قضي اللواء محمود وجدي عدة شهور فقط في الوزارة وكذلك اللواء منصور العيسوي. منصب وزير الداخلية من اهم المناصب الوزارية في مصر لما يملكه من صلاحيات وما يتمتع به من هيبة، لذا كان رؤساء الوزراء خاصة قبل ثورة 1952 يحرصون على الجمع بين المنصبين، وهناك حوالي خمسين رئيس وزراء في مصر جمعوا بين المنصبين، ومن أبرز هؤلاء الزعيم سعد زغلول ومحمود فهمي النقراشي ومن الذين شغلوا هذا المنصب الرئيس جمال عبدالناصر وزكريا محيي الدين والمستشار سليمان حافظ واللواء محمد نجيب وكان ممدوح سالم رئيسا للوزراء ووزيرا للداخلية في عهد الرئيس السادات. تحسنت العلاقة بين جهاز الشرطة والمواطنين بعد ثورة 1952 مباشرة، فقد تم إلغاء البوليس السياسي، في اغسطس واختفت طرق القهر والامتهان في التعامل مع المواطنين عند تحصيل العوائد والضرائب أو الإيجارات وحلت مفردات العزة والكرامة في التعامل بين الطرفين ولا يعني ذلك ان الصورة كانت وردية تماما، فقد استمر العنف ولكن مع الخصوم السياسيين وأعداء الثورة الذين اطلق عليهم “أعداء الشعب” هؤلاء تعرضوا للعنف وللتعذيب الشديد وفي عام 1968 بعد هزيمة يونيه تأسس جهاز مباحث أمن الدولة الذي كان يقوم بمهام الأمن السياسي أو البوليس والقلم السياسي في العهد الملكي. مرحلة جديدة في زمن الرئيس السادات توقف التعذيب في السجون للخصوم السياسيين وكان السادات صادقا في هذا الاتجاه الذي أعلنه في 15 مايو 1971 وشهدت السجون حالات فردية للتعذيب، لكن لم يكن منهجا ولا خطة ثابتة تعمل بها الوزارة. حتى الذين قبض عليهم بعد 18 و19 يناير 1977 من خصوم الرئيس السادات لم يتم التعامل معهم بعنف ولا جرى لهم تعذيب. وكانت سنوات السبعينيات فترة من العلاقة الطيبة بين الشرطة والمواطنين العاديين لكن تغير الامر بعد اغتيال السادات في 6 اكتوبر 1981 ودخول البلاد مرحلة جديدة مع صعود الرئيس مبارك الى السلطة. كان ضباط الشرطة قد تعرضوا في عملية اسيوط يوم 17 أكتوبر 1981 الي عمليات عنف من الجماعة الإسلامية، وهذا اشعر هؤلاء الضباط انهم مستهدفون بشكل شخصي، لذا امعنوا في العنف والانتقام من خصومهم، وأصابهم ذلك بالتوتر في التعامل مع المواطنين، خاصة مع بروز عمليات العنف والإرهاب في سنوات التسعينيات من القرن الماضي ثم مع ظاهرة الإرهاب العالمي بعد 11 سبتمبر 2001 حيث أصبح العنف الأمني سمة عالمية، ترسم خططه وأساليبه في العواصم العالمية الكبرى وسقطت روح القانون ونصوصه واختفت مفاهيم الحق وكرامة الإنسان وقيم العدالة والإنصاف. في مطلع التسعينيات استشعر عدد من الكتاب والصحفيين في مصر خطورة الأمر فوجهوا في عام 1991 ومع عيد الشرطة نداء الى رجال الشرطة بضرورة الرحمة والاحترام في التعامل مع المواطن، لكن لم تتم الاستجابة.. وبعدها ازداد الأمر وصار العنف تجاه المواطن “عنفا ممنهجا” وبات سياسة ثابتة للداخلية في تعاملها مع المواطنين. بعد عام 2000 ترصد د. بسمة ظهور أمرين، الأول هو ما تسميه العنف العشوائي الذي تقوم به الشرطة تجاه المواطنين البسطاء حيث يتم عقاب قرى بأكملها، كأن تحاصر قرية كي تسلم مجرما أو مشتبها به، ويمكن ان نذكر هنا ما تعرض له بدو سيناء في الجنوب تحديدا بعد عملية طابا الإرهابية إذ فرض العقاب الجماعي من الأمن على قبائل بأكملها. الثاني: هو استعانة جهاز الشرطة بالبلطجية كي يقوموا نيابة عنهم ببعض المهام القذرة أو عمليات العنف، وهكذا حدث تبادل للأدوار صار البلطجي الذي يجب أن تلاحقه الشرطة وتطارده هو الذي ينفذ مهامها وصار من رجالها وأعوانها، ولعل هذا ما أفرز ظاهرة البلطجية التي استفحلت في مصر خلال السنوات الأخيرة ومن الثابت ان بعض هؤلاء البلطجية هم من قاموا بإحراق المجمع العلمي المصري وعمليات عنف أخرى. أهمية هذا الكتاب انه صدر قبل انهيار جهاز الشرطة في مصر يوم 28 يناير 2011 يوم جمعة الغضب وكأنه يقدم لنا نبوءة أو محاولة تفسير مبكرة لما حدث في ذلك اليوم وبعده حيث تكشف حجم الكراهية لدى المواطن المصري تجاه جهاز الشرطة ووزارة الداخلية ومدى توتر العلاقة بين الطرفين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©