الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القدس.. وجع الأماكن

القدس.. وجع الأماكن
19 ابريل 2012
يصف الشاعر عبدالله رضوان ديوانه “القدس” بأنه قصيدة درامية متعددة الأصوات قابلة أن تمسرح على الخشبة بإيقاع الأغنية الشعبية الفلسطينية بلحن رومانسي حزين: “يمّه مويل الهوى/ يمه مويليّه/ القدس تنده لكم يمه تعوا ليّه/ ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّه”. ووفق الديوان الشعري (92 صفحة) الصادر عن دار ورد بعمان، فالقدس ليست مدينة مقدسة فقط للمسلمين والمسيحيين بل هي مدينة تفتح أبوابها لعينين عاشقتين على أبوابها حين أشرقت وردة الأرض وكانت يبوس وظلت ووصفها بأنها طريق إلى الله في إشارة واضحة للإسراء والمعراج والربط المقدس مع المسجد الحرام في مكة المكرمة: “القدس طريق إلى الله/ بوابة العبور/ وحقل الروح ترنو إلى طيفها صلوات وأحلام/ مرج من الزعفران الإلهي كان تعتق/ من عهد سالم حتى تجلى على عين سلوان/ أو على ربوة شمال المدينة عند التلال العتيقة”. وعلى لسان العاشق وربما يكون هو نفسه يقول رضوان في ديوانه: “كلما زهّر الحب فينا/ يكرج القلب منتشيا بالوصال/ فهديل اليمامة بعث/ وترتيلة الدار متكأ/ شجر الحب أقمار عشق/ وموعدنا عند حد الهلال”. ولم يغب عن شاعرنا تراث القدس والزي المقدسي المميز بتطريزه وخيطه الحريري وتباهي المقدسيات بجمالهن وأناقتهن ودلعهن بمشيتهن: “ستسرقني المقدسية/ تطريزة الثوب/ براءة نظرتها/ ثم صدر تكور/ تمرد في حضرة الضارعين/ ترجرج نحوي قليلا/ وحين هممت به/ جفا لوعتي وتكبر”. أما العاشق فيرد بالقول: “طاب صباحك أيتها المقدسية/ طابت سلالك/ طابت عناقيد كرمك تزهو بندى الصبح في “بيت عنان”/ طابت شفاهك ناضجة مثل خوخ تعطر في “بيت سوريك”/ طاب زيتونك من بيت محسير/ يكاد يضيء نور على نور/ وأسمع صوت ملائكة في وشيش الضحى/ على غيمة تصعد بريّة القدس/ مثقلة بالشذى/ برائحة الميرمية و”الزعثمانة”. أما الغريب وهو واحد من شخصيات المهمة في القصيدة الدرامية فهو مشحون بإسقاطات سياسية وربما المقصود هؤلاء المهاجرين القادمين من هنا وهناك على اختلاف لغاتهم وعرقهم تحت مقولة توراتية صاغها حاخامات يحللون حتى قتل الأطفال وقطع الأشجار، ويفتون بأن جميع الشعوب في خدمة اليهود وغيرهم مجرد صراصير يجب حشرهم في قارورة زجاجية هذا الغريب ماذا يعرف عن الأرض وما هي علاقته بالمكان وهل يحتفظ بذكريات معينة تربطه به: “كأني أفتش عن وطن لليتامى”. ويستذكر الشاعر بأسلوب سلس وممتع وبسيط ذكرياته الجميلة في أزقة المدينة المقدسة ويبث وجد ووجع المحب في المنفى والعاشق لقدسه جراء انفصال الإنسان كرها عن ماضيه، وارتباط ذلك بالحاضر والمستقبل على اعتبار أن هوية الإنسان تتشكل عبر ارتباط الإنسان بالمكان والتجارب السيكولوجية الاجتماعية: “فهل أستريح من العشق والشعر/ هل أستريح من الميثولوجيا/ فماذا سيبقى إذن للحنين/ ألست ترى وجعتي في المنافي/ فهل أستريح من الشعر والعشق/ من وجع ناصب/ من حنين لطيب شوارعها/ لأزقتها المخملية/ هنا أرخت المجدلية أنوارها/ فاستقر انتماء المحبين/ قامت قيامة أفراحهم ورنين غناهم/ صباح مجيد على باب قدس الجديد/ ليكتب حلم المحب ودهشته عند سلاسك أيتها المقدسية”. ويستحضر الشاعر التاريخ ويبعث رسالة واضحة لمن يسعون لتغيير معالم المدينة وطمس هويتها العربية الإسلامية: “هنا ظللّ أبناء كنعان أحلامهم/ هنا تجلت قرابين “أيل”/ هنا أور سالم/ هنا أباطرة رسموا/ وهم حالمون مزاميرهم بالخرافة والموت/ هنا مر جلاوزة عبر باب أسباط/ هنا شاد نبوخذ نصر نصره/ وأعلن ملكه/ هنا عسكرت عربات كورش/ ليعود اليهود/ هنا حاولوا قتل عيسى/ هنا قهقهت سكرات هدريان/ هنا قصت سالومي/ وتعرت بفتنتها المهلكة/ هنا قتلوا المعمدان”. ويصف شاعرنا الوضع الحالي في القدس بأن الأرض مزروعة بالموت جراء ممارسات القادمين من بعيد مخدوعين بدعاية صهيونية توراتية: “موت تربع في أراضينا/ سرق الطفولة والغزالة والعسل/ جفّت ضروع الكرم/ لا لبن ولا قمح/ ولا فرح القبل/ هي دورة/ هي دورة تمضي/ وتخضّر الحقول”. ويبشر الديوان بالعودة والفجر القادم وفقا لحركة التاريخ ورغم الموت والواقع الذي تفرضه الدبابة والصاروخ وتجاهل حقوق الآخر وهو صاحب الأرض الأصلي: “على المفارق يركضون/ ويرجعون من الغياب/ صليل سنابل تهفو لموعدها/ لتعود للأقصى الحياة يا قدسنا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©