الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... وخطر انقسام المعارضة

الأزمة السورية... وخطر انقسام المعارضة
19 ابريل 2012
حسبما تدل كافة المعطيات، فإن فرص نجاح قرار مجلس الأمن الدولي الذي تمت الموافقة عليه منذ أيام، والذي يدعو إلى وضع نهاية للحرب الأهلية في سوريا "ضئيلة للغاية". ويرجع ذلك في المقام الأول لحقيقة أن نظام الأسد يعتقد جازماً أن الوقت في صالحه، وأنه سيكسب هذه الحرب في نهاية المطاف، وأن قواته المسلحة ما تزال متماسكة، وأن هناك دولًا مهمة تساعده وتقف لجانبه مثل الصين وروسيا وإيران، وإنه قادر في النهاية على قمع التمرد. وفي الوقت نفسه تعتقد المعارضة السورية أن مصير نظام الأسد قد بات"معلقاً بخيط رفيع"، بسبب تزايد حالات الانشقاق عن نظامه، والهروب بين قواته خصوصاً من قبل المسؤولين والجنود السنة، وأن المجتمع الدولي، ودول الخليج ودولاً أخرى أهمها تركيا تقف لجانبها في سعيها لإسقاط نظام الأسد. كما تدرك المعارضة أن الطائفة السُنية التي ينحدر معظم أفرادها منها تشكل 65 في المئة من سكان سوريا، وأنهم سينجحون في نهاية المطاف في إنهاء نظام الحكم العلوي الممقوت عالمياً. بيد أننا لو نظرنا لوضع المعارضة في الوقت الراهن، لوجدنا انقساماً آخذاً في الاتساع، ووجدنا أنها تعاني من "حالة من الفوضى الشاملة في الوقت الراهن". فالمجلس الوطني السوري الذي يقوده سوريون ذوو ميول غربية، والذي نجح في إقناع المجتمع الدولي في فرض العقوبات على نظام الأسد، قد فشل في إقناع الغرب بالتدخل العسكري في سوريا، وهو ما كان كفيلاً في حالة حدوثه بتتويج نجاحهم، وإسقاط النظام كما حدث في ليبيا القذافي خلال الصيف الماضي. ومن مظاهر هذا الانقسام أن المجلس لم يعد يثق بالمسلحين الإسلاميين الذين يخوضون القتال على الأرض بالفعل ضد قوات الأسد في سوريا بعد أن أيقنوا أن خيار المواجهة العسكرية هو الحل، ويرفض مدهم بالأموال والسلاح، وهو ما كان سبباً في تعرض تلك القوات لهزائم ساحقة من قوات الأسد الأكثر عدداً، والأقوى تنظيماً والأحدث عدة وعتاداً. ومما فاقم من حجم المشكلة التي تواجهها قوات المعارضة السورية التي تحارب على الأرض أن الجيش السوري النظامي، وبعد "الفيتو" الصيني والروسي في مجلس الأمن، قام بتنفيذ حملة عسكرية كلاسيكية تعتمد على استرداد المناطق التي استولت عليها المعارضة والتمسك بها(على غرار الحملة الأميركية في أفغانستان تماماً) مما عرض قوات المعارضة لخسائر كبيرة. وفي الواقع أن المعارضة السورية. قد ارتكبت خطأ فادحاً عندما دفعها الحماس الثوري الساذج للاعتقاد أن حملتها المضادة لنظام الأسد، ستشبه إلى حد كبير الحملتين المماثلتين في تونس ومصر، وهو ما جعلها لا تهتم الاهتمام الواجب بتنظيم صفوفها جيداً، ولم يجد أعضاؤها داعياً للسرية ولا لإخفاء وجوههم، فراحوا يصورون أفلام الفيديو التي تكشف نشاطهم، بل وعن أماكن وجودهم، باعتقاد أن نظام الأسد سيسقط خلال شهور على الأكثر، وهو ما سهل على النظام تعقبهم وقتل العديدين منهم. ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن المليشيات الصغيرة العدد المكونة من الفارين من الجيش السوري التي تكاثر عددها كالفطر، والتي يظهر أفرادها على "اليوتيوب" بالزي الرسمي، وهم يحملون أسلحتهم ويظهرون بطاقاتهم العسكرية، ويطلقون على وحداتهم التي يتراوح عددها ما بين 20 - 30 جنديًا أسماء المحاربين الإسلاميين العظام عبر التاريخ، ويدلون بتصريحات حماسية عن نقل القتال لمناطق النظام ذاتها، تحتاج بشكل ماس إلى دعم وإلى سلاح وأموال ومساعدات لوجستية، ولكن قيادة المجلس الوطني السوري الموجودة بالخارج، ترفض تقديم تلك المساعدات لهم وهو ما أثار موجة واسعة من المساجلات داخل المجلس كانت سبباً في انشقاق بعض من كبار القيادات عنه. من تلك القيادات هيثم المالح على سبيل المثال المناضل السوري الذي قضى فترات طويلة من حياته في سجون النظام والذي يرى أن ذلك النظام ليس من السهل كسره، وإن المعارضة وعلى رأسها المجلس الوطني السوري يجب أن تتبنى خيار المواجهة العسكرية كخيار أساسي حتى تتمكن من إسقاطه. ورفض المجلس الوطني السوري تبني هذا الخيار حتى الآن، دفع الرئيس المفترض للجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد الذي يتخذ أنصاره من تركيا قاعدة لهم، إلى انتقاد المجلس الذي يرأسه المعارض المعروف برهان غليون، لرفضه مد "الجيش الحر" بالأموال والسلاح. سبب تردد المجلس الوطني السوري يرجع إلى خشيته من سيطرة التوجهات الإسلامية المتطرفة وتنظيم "القاعدة" على هؤلاء المقاتلين مما يجعل من السيطرة عليها مسألة بالغة الصعوبة، علاوة على أنهم سينقسمون، بسبب عدم وجود قيادة مركزية واحدة لهم، لعدد كبير من المليشيات الصغيرة المتفرقة مما يخلق حالة عامة من الارتباك والفوضى. ونظراً لاحتفاظ قيادات هذا المجلس بعلاقات جيدة مع العديد من الدول والجهات الغربية ذات النفوذ، فإنهم نجحوا في نقل وجهة نظرهم هذه ومخاوفهم من "أسلمة" المعارضة السورية لها، وهو ما كان له تأثير واضح يتبدى في حقيقة أن العديد من تلك الدول والجهات راحت تراجع نفسها، لأنها لا ترغب في حدوث ذلك، وإن كانت تدرك في ذات الوقت أنه لا بديل لها عن ذلك، لأن السوريين مسلمون، وعقيدة التمرد في سوريا هي الإسلام، الذي يؤمن أتباعه أنك إذا ما أردت أن تقاوم جيش احتلال أو جيشاً أقوى عدداً وعدة كما في الحالة السورية، فإنه لا بديل عن اتباع تكتيك العمليات الفدائية وتكتيكات الكر والفر لحرب العصابات. كما يؤمنون أنه لنجاح تلك العمليات، فإن القائمين بها يجب أن يتميزوا بقدر كبير من الدافعية والاستعداد للتضحية بالنفس، وأن لا شيء يقدم هذا سوى الإسلام الذي يمنحهم إلى جانب ذلك إحساساً بأن الله يقف إلى جانبهم وأن النصر سيكون من نصيبهم في نهاية المطاف. على ضوء ذلك قد نجد هناك من يسأل: طالما أن الأمور على هذا القدر من التعقيد فلماذا لم يُقترح على "الأسد" التوصل لصفقة؟ لأنه يدرك أن نظامه "البعثي" الذي يقوم على أساس الولاء للعائلة الحاكمة وفي نهاية المطاف الولاء لرجل واحد، هو نظام سهل الإنكسار، على الرغم من صلابته الظاهرة. وإنه إذا تم البدء في العبث بهذا النظام فسيسقط. ويتذكر الرئيس السوري أنه قد فعل شيئاً مثل ذلك عندما جاء إلى السلطة عقب وفاة والده عام 2000 وشهدت سوريا ما أطلق عليه في ذلك الحين "ربيع دمشق" عندما خاطب هو السوريين كقائد جديد شاب متفتح وطالبهم بأن ينتقدوا من يشاءون ويتكلمون مثلما يريدون. وخلال ثلاثة أسابيع فقط، طالبت كل جماعة سورية نجحت في تنظيم نفسها بإنهاء احتكار الطائفة العلوية للسلطة وللمجال السياسي، وبدأت في المطالبة بالحرية، وبإنهاء الديكتاتورية، وهو ما لم يكن النظام الطائفي القائم على الولاء مستعداً للاستجابة له، فانتهى "ربيع دمشق" خلال شهر واحد فقط من بدايته، بعدما اتضح للجميع أن النظام شديد الفساد وشديد القمعية، وأنه ويقوم على الوصاية والولاء للعائلة وللفرد، وأن القائمين عليه يفهمون جيداً أن أي عبث بهذا الترتيب سيجعله يتهاوى، وهو ما بات الأسد يعرفه جيداً، ولا يشجعه بالتالي على قبول الدخول في صفقات. جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وأستاذ مساعد بجامعة أوكلاهوما ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©