الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الغلو في فهم الدين (2)

الغلو في فهم الدين (2)
16 سبتمبر 2008 01:05
تناولت في المقال الماضي مظاهر الغلو وهنا أذكر بعض الأسباب التي أنتجت هذه الظاهرة الخطيرة التي كانت تظهر في فترات متباعدة في التاريخ الإسلامي ، عاودت الظهور في عصرنا· من أهم أسباب هذه الظاهرة في طرف التفريط والترك هو عدم معرفة الدين من مصادره الصحيحة معرفة وثيقة، والانبهار بالآخرين مع الأخذ بثقافة مشوشة ، و علاج هذا الأمر أن نأخذ المعرفة الإسلامية من منابعها الصافية وأن نكون قد وطنا أنفسنا وقررنا الرضوخ للحق إذ أظهر لنا أن تكون روح التواضع العلمي متوفرة فينا، فإذا لم يكن ذلك فلن يستفيد الإنسان من المعرفة والثقافة كيفما كانت ، فالهوى حاجز كبير بين الإنسان والحقيقة ولهذا حذر منه القرآن كثيرا · وأما أسباب التشدد والغلو في فهم النصوص فهي كثيرة ومن أبرزها : أخذ المعرفة الإسلامية أخذا مضطربا إما من مصادر غير معتمدة كمن يقرأ في كتب وضعت للتشويش ، أو أن أصحابها وكتابها ليسوا من أهل التخصص أو العلم بل ركبوا موجة ظهرت (فضلوا وأضلوا ) كما جاء ذلك في الحديث الشريف ، أو أنهم لم يأخذوا العلم بطريقة منهجية متتابعة وهؤلاء كمن يأخذ الدواء بغير وصفة الطبيب بالكمية التي يريد فسيعود عليه هذا الدواء ضررا محققا · من أسباب الاضطراب والغلو قراءة النصوص الشرعية دون النظر الشمولي وخاصة الفقه ، وهذا ينتج أفكاراً متضاربة بين شخص وآخر ، وعلاج هذا أن تدرس المعرفة الإسلامية دراسة متوازنة دون التركيز على جانب وإغفال الجوانب الأخرى ، فالمعرفة الإسلامية شبكة متكاملة لا يمكن الأخذ بطرف منها وترك غيره ، بل لابد من الأخذ بأساسياتها ثم التعمق والنبوغ في بعض جوانبها ، ونظرا للسرعة التي نحياها في عصرنا هذا عرض الناس عن الفقه وزهدوا فيه وأسرعوا للقرآن والحديث ولم يتمكن كثير منهم من ضوابط الفهم و الاستنباط فأعطوا فهما منحرفاً ورأيا غريبا ، كذلك التفرد في دراسة العلوم الشرعية وإغفال بقية العلوم الهامة في الحياة كالفلسفة واللغات الأخرى و الحاسوب وغير ذلك من العلوم · إن الفقه الإسلامي هو خلاصة ورؤية شارك فيهما الآلاف من الأئمة الربانيين الذين أخذوا للأمر عدته ونظروا في النصوص نظرة شمولية وفاحصة وكان هذا الفقه الناضج بتأصيله والتدليل عليه ثروة فريدة من تاريخ البشرية فتجاوزه من أكبر الأخطاء التي تورث الغلو وسوء الفهم · لقد أجمعت البشرية على أن المعرفة توخذ عن أهلها وأصحابها تلقيا و تدريبا وتفهيما و أولى المعارف بذلك علوم الشرع التي تلقاها أهلها من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تسلسلت إلينا جيلا بعد جيل في مناهج دقيقة وطرق محكمة حتى تصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينشأ الطلاب بفهم سديد وعلم مفيد و أدب رفيع لأنهم كانوا ينظرون إلى أدب العالم و أخلاقه قبل علمه وكانوا أبعد الناس عن الذين يأخذون العلم وحدهم من الكتب فيفسرونها حسب أمزجتهم وكما تسول لهم أنفسهم · إن الانحراف في فهم الدين إلى هنا أوإلى هناك كان نتيجة لمقدمات خاطئة فما أحوجنا اليوم إلى تقويمها وتسديدها · المدير العام للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©