الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الارتحال.. قدر الجغرافيا

الارتحال.. قدر الجغرافيا
17 أغسطس 2016 20:37
راشد شرار إن المدقق لتاريخ الإمارات وطبيعتها الجغرافية، يلاحظ التمسك بما حباها الله من طبيعة بكر متباينة، وإصرار شعبها على الحفاظ على العادات والتراث، الأمر الذي يؤكد وعيه ووعي قادته وحكومته، ومن مظاهر هذا الإصرار الحفاظ على «السنيار»، هذا المصطلح الذي يحمل العديد من المعاني والقيّم العميقة المتأصّلة لدى مجتمع الإمارات. ولقد أدرك أبناء الإمارات الوظيفة الجمالية والإبداعية للسنيار، الذي يعد تراثاً إماراتياً عريقاً، فالسنيار كلمة صغيرة بحجمها كبيرة بمعناها، وكان هذا المصطلح يستخدم قديماً، وما زال على السفينتين اللتين تتفقان على قطع المحيط معاً، لا تفارق إحداهما الأخرى، ويجوز أن يكون ذلك بين أكثر من سفينتين، للاطمئنان على سلامتها، فيما لو أصاب إحداهما حادث ما. أما اليوم فنقول، إن الهدف يتمثل في أنه لا يمكن للمرء أن يعيش من دون بيئة صالحة نقية، وهذا يتطلب أن نكون «سنيار» مع البيئة، نحميها لتوفر لنا العيش المناسب، ونوفر لها الفرصة، حتى تجدد نفسها، وتوفر لنا الحياة السليمة. ويعتبر مصطلح السنيار شعاراً ثقافياً لما يحمله من قيم سلوكية تمثل حال الثقافة في البيئات الإماراتية (البحرية، البرية، الصحراوية، الجبلية)، ويجسد مظاهر الحياة اليومية للإنسان الإماراتي، كما أن له وظيفة جمالية إبداعية تستمد حضورها من ثيمة العبور، سواء عبور البحر أو البر، بما يعنيه ذلك من بحث واكتشاف للمناطق والأماكن، وما ينطوي عليه مفهوم الرحيل والانتقال من ثراء رومانسي وخيالي وإبداعي، وكل هذا يسير مع ضرورات المعاش بحثاً عن سبل الحياة. ولا شك أن للسنيار أثرا واضحا في المجتمع الإمارات، حيث يؤصل هذا المصطلح العريق لثقافة الترحال والخروج من الحياة المألوفة إلى رحلات تحمل مدلولات المغامرة والمغايرة، فضلاً عن الفوائد العديدة للرحيل في جماعات، وأهمها التعاون والترابط بين مجموعات الرحلة. وقد حافظ المجتمع الإماراتي على الرحلات المختلفة والخروج لصفاء الطبيعة والتأمل، حيث تعد الرحلة أداة من أدوات الإفلات من قبضة المركز ومدرسة للتأمّل وطريقة جيّدة للتعلّم. و في كثير من الأحيان يشبه السفر لعبة الأدوار: إنه يوفّر للمسافر القدرة على بداية حياة جديدة مع مطلع كل يوم، حياة أكثر ثراءً وتنوعاً، تتخلّلها الهزات بين الفينة والأخرى، وبه تصبح الذات غير الذات. وقد ساهمت الطبيعة البشرية المولعة بالاكتشاف والارتحال في تأصيل أهمية الترحال لدى الإماراتي خاصة وأن الإمارات تتمتع بطبيعة ساحرة متنوعة بين البحر والصحراء والجبال. وفي علاقة العرب بالترحال جاء في (مروج الذهب) أن أحد الخطباء العرب قال لكسرى أنو شروان: إن العرب ملكوا الأرض ولم تملكهم، ويضيف المسعودي: «رأت العرب أن جولان الأرض وتخير بقاعها على الأيام أشبه بأولي العز وأليق بذوي الأنفة، وقالوا: لنكون محكمين في الأرض، ونسكن حيث نشاء..». لكأنما هؤلاء البشر تجاوزوا نواميس الطبيعة الأرضية.. فملكوها ولم تملكهم.. إنها فوضاهم.. (حريتي فوضاي/‏ محمود درويش). وفي ظني أن العرب لم يختاروا الترحال بل شاءت جغرافيا المكان أن يكون الترحال السمة الناجزة لحياة بدْوِهم.. وللترحال خصائص مرتبطة جدلياً أو عضوياً بالترحال كنمط معيشة وسلوك اجتماعي، وهي خصائص عامة مطروقة في غير موضع، منها الارتجال وارتباطه بضروريات الترحال، والبساطة، وعدم الاستقرار، والحذر، والتجمع، والاستجابة البطيئة للتغٌيرات الحضارية. لكن للترحال فوائد عديدة حيث يكسب الإنسان تجربة وخبرة، علاوة عن كونها من أهم وسائل الترفيه عن النفس، والإعداد الذهني والجسمي. وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب إدخال السرور على صحابته، وعلى الشباب والفتيان منهم، بالممازحة والترويح وغير ذلك مما كان متاحاً لهم في وقتهم. وقال الإمام الشافعي: تغرّب عن الأوطان في طلب العلى /‏ وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ تفريجُ همٍّ واكتساب معيشة /‏ وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ ويعد الترحال والتنقل من مكان إلى آخر، بين الحين والآخر، هو قمة الحرية، وأحياناً يسمى بالهروب في العديد من الحالات، مثل هجرة الأنبياء والرسل والعلماء والمجددين... ويكون ذا قيمة عظيمة إذا ما توافرت الظروف والإمكانيات، حيث إن أهم ما يميز الهجرة أو الترحال أو التنقل أو السفر أو الهروب هو تعلم الاعتماد على النفس، فزيادة الخبرات والمهارات تأتي بأفضل النتائج، إذا كان بوعي وإدراك وفهم، والأصل في الهجرة والتنقل والارتحال أو السفر أو الهروب هو التعمير والاستنباط، لأنه ما دام هناك انتقال فسيتواجد التفكير والمعرفة والاستنباط، والهمَّة والدوافع للبناء وإقامة العمران وتحصيل الرزق، يقول الله تعالى: «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه». وقد أدرك المجتمع الإماراتي أهمية الترحال وأصالته والقيمة الاجتماعية المتحققة من خلاله، وأهمية الحفاظ على مصطلح السنيار، فظلوا متمسكين بهذه القيمة يرثها جيل بعد جيل، فأكثروا الترحال للتأمل والسباق والمسابقات، واكتشاف الإبداع التلقائي وليد الموقف. وأطلقوا مصطلح السنيار على العديد من مسابقاتهم المختلفة وبرامجهم التلفزيونية، لتعميمه في المجتمع الإماراتي، وتعريف الأجيال المختلفة به، مع التجديد المناسب لروح العصر والحضارة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©