الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المُعلَّقة.. أسطورةٌ أم قصيدة؟!

المُعلَّقة.. أسطورةٌ أم قصيدة؟!
1 مايو 2014 23:15
ساسي جبيل (أبوظبي) هل كانت المعلقة قصيدة أم أسطورة؟ سؤال مركزي أجاب عنه الباحث محمد سعد شحاتة من خلال محاضرة احتضنها مجلس الحوار بمعرض أبوظبي للكتاب في اليوم الأول منه وحضرها جمهور كبير من المهتمين بالشأن الشعري وقدمها خالد بن ققة. وأكد شحاتة أن الباحثُ يجد لزامًا عليه أن يُوضِّح التباسًا أثاره عنوان المحاضرة، وذلك عندما فسّر نفرٌ من المتلقين العنوان بأن المحاضرة حول الإجابة عن تساؤل قديم، أثاره باحثون في الأدب الجاهلي، حول حقيقة وجود قصائد المعلقات، وهل كان شعراؤها حقًّا موجودين في الواقع العربي القديم أم لا؟ وينسحب السؤال حول الوجود الفعلي لقصائد المعلقات ذاتها، ومدى نسبتها لشعراء محددين. وأشار شحاتة إلى أن لبس المعنى كان مؤديًّا للإجابة حول الوجود الفعلي للمعلقات في تاريخ الأدبي العربي، وأوضح نقطة الالتباس التي أثارها العنوان، حيث قصد إلى البحث في الوجود التاريخي للأسطورة -بالمعنى الأنثروبولوجي المعاصر- في الأدب العربي، خلافا لما يثار، بل إن فرضية البحث الأساسية، ونتيجته التي أثبتها، تقول بكل حسم بأن الأسطورة وُجدت في التراث العربي، وتمثلها المعلقات، أو القصائد الطوال التي أجمعت عليها كتب الرواة؛ وهو ما يسمح لنا إذا قفزنا قليلا إلى من العنوان إلى النتائج، بأن نسأل السؤال الوارد في عنوان المحاضرة، وهو ما يعني بصياغة أخرى: هل يتحتم علينا أن نتعامل مع المعلقات بوصفها قصائد؟ أم بوصفها ممثلة للأساطير والملاحم العربية القديمة، مثلها في ذلك مثل أساطير الشعوب الأخرى وملاحمها؛ كالإلياذة والأوديسة والشاهنامة، وغيرها. وهو السؤال الذي يسمح لنا بأن نعيد النظر في مقولات صارت تجري في تاريخ البحث العلمي مجرى الحقائق التي لا تقبل النقاش أو الجدل حولها، كما أنها لا تتطلب الإثبات على مدى دقتها العلمية وصوابها التاريخي. من هذه المقولات مثلا، أن التراث العربي لم يعرف الأسطورة بالمعنى المعاصر لها، عبر تاريخه الطويل، بل التمس تطبيقات جزئية لها فيما وصل إلينا من أدب منسوب للعصور الأدبية القديمة؛ خصوصا الأدب الجاهلي، ومقولة أن التراث البلاغي العربي لم يعرف الخيال المركب والنظرة الكلية للنصوص؛ فغدت التطبيقات البلاغية العربية المتنوعة تطبيقات جزئية لا تقوى على النظر الكلي للنص وتحليله. وأكد الباحث أن حقل دراسات الأسطورة، والبلاغة، في تجليهما المعرفي الحالي يتعاملان مع مادة إنسانية واحدة، هي اللغة، بتجليات مختلفة لها؛ “ولنتفق، أيضا، على المستقر في عرف الدرس اللغوي والبلاغي العربي من أن المنشأ الأصلي لعلوم البلاغة العربية كان هو القرآن الكريم وخدمته، وبيان إعجازه؛ الأمر الذي استدعى تقعيد القواعد البلاغية، واستقرائها من الشواهد اللغوية المختلفة، وأن هذه الشواهد التي استدعيت في معظمها للتدليل على الإعجاز القرآني كانت في معظمها وفقا للمعطى التاريخي مستقاة من المادة اللغوية المتاحة في العصر الجاهلي وفقا لما عرفته العرب في كلامها قبل نزول القرآن، مثلما فعل ابن عباس في تفسيره القرآن الكريم، وهو يجيب على سؤالات نافع بن الأزرق”. ويتابع شحاتة: “ورغم أن القرآن الكريم كان دافعا لنشأة العلوم العربية المتنوعة، لخدمته وفهمه؛ فقد تسبب بشكل آخر، في أن تكتسب الكلمة، “الأسطورة”، في التراث العربي، ما يمكن اعتباره سمعة سيئة كانت كفيلة بأن ترتبط بها على مدار البحث اللغوي والبلاغي والنقدي الذي تفرع من تلك الفترة؛ فلا يأتي ذكر للكلمة في القرآن الكريم إلا في سياق الحكاية على لسان المشركين والكفار وكيف أنهم وصموا ما نزل منه على الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- بأنه “أساطير الأولين” التي اكتتبها فهي تملى عليه، وهي السمعة التي كان على المؤمنين المخلصين تجنبها”. ويقول: “وإذا كان سعي الهم البحثي الأول، لدى منظري اللغة ومقعدوها، هو خدمة القرآن الكريم وفهمه، فقد كان لزاما عليهم أن يتجنبوا البحث في تاريخ هذه الكلمة سيئة السمعة إثباتا لإيمانهم به، وحتى لا يلتبس إيمانهم بشبهة في زمن كانت الدنيا تغلي فيه بالفرق والتيارات المختلفة التي قد تشتط في فهم الآيات الكريمة كما كانت تستخدم فهمها الخاص للآيات الكريمة، والحديث الشريف -أيضا- في التغطية على منازعهم العقدية التي يعتورها سقم ولا يتقبلها الفهم الثابت للدين؛ فكان لزاما عليهم -إن أرادوا أن يخلصوا لدينهم وعقيدتهم- أن ينفوا عن أنفسهم وعن بحثهم لخدمته الاهتمام بما نفاه الكتاب الكريم عن نفسه”. كما تعرض شحاتة إلى البنية الأسطورية في الخيال العربي متسائلا عن الحديث عن وجود (بنية أسطورية) للخيال العربي، أو فيه، من باب التزيد والافتعال؟! وهو السؤال الذي كان لا بد من أن يفرض نفسه على الباحث وهو ينظر في العلاقة بين النظم والتأويل في الفكر البلاغي العربي، خصوصًا مع وجود آراء لبعض المستشرقين تذهب إلى أن “العقلية العربية قاصرة بفطرتها عن إبداع الملحمة وذلك لنزوعها إلى التجريد وانصرافها عن التجسيم والتشخيص وأن المرحلة الأولى في التاريخ العربي كانت تقوم على الظعن والرحلة ولا تتحول إلى الاستقرار”، وهو الرأي الذي تسرب إلى غير واحد من الباحثين والكتاب وترتب عليه أن يجري مجرى الحقيقة أن التاريخ العربي لا يعرف الأسطورة أو الملحمة إلا في استثناءات متأخرة جدًا ظهرت في السير الشعبية المختلفة. وعرف شحاتة الأسطورة والعلاقة بين اللغة العربية وسمات الأسطورة والموقف البلاغي وحكايات الجن والشفاهية والشعر بأسلوب ممتع وقراءة علمية فاحصة نالت استحسان الحضور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©