الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بترايوس وسر استراتيجية الأناكوندا

بترايوس وسر استراتيجية الأناكوندا
16 سبتمبر 2008 02:15
مازال العراق يقسم الديمقراطيين والجمهوريين أكثر من أي موضوع آخر، مثلما يوضح ذلك جيدا خطابُ حملتي الحزبين؛ فإذا كان الليبراليون والمحافظون يستطيعون اليوم الاتفاق تقريبا على أن العراق بات أكثر أمنا مقارنة مع فترة ما قبل 18 شهرا، إلا أن كل جانب يروج لقصته الخاصة حول التحول الاستثنائي في العراق ، وكلاهما على خطأ· يعتقد العديد من المحافظين أن ''الزيادة'' في عديد الجنود عام 2007 أدت مباشرة إلى تراجع العنف العراقي؛ وفي هذه الأثناء، يجادل الليبراليون بأن السنة والشيعة المتناحرين في العراق قـــرروا بشكــــل تلقائـــي -لأسباب داخلية خاصة بهم غير مرتبطة بالزيادة- وقف القتال؛ ولكن هذه الحجج، ومثلما هو الحال في أحيان كثيرة في نقاشات واشنطن، ليست لها علاقة قوية بكيفية خروج العراق فعلا من دوامة الموت؛ لم يكن ثمة حل بسيط واحد، وإنما استراتيجية متعددة الأوجه صاغها ونفذها الأشخاص في بغداد، وليس البيروقراطيون في واشنطن، رغم الادعاءات الأخيرة· توصلتُ إلى هذا الاستنتاج بعد عملي كمراسلة صحفية في العراق لما مجموعه 10 أشهر منذ ،2003 وبعد مقابلات مطولة مع الزعماء العراقيين والأميركيين، وكذلك مع الجنود في أكثر أحياء بغداد عنفا؛ ولكن سؤالي الأكبر والأبسط كان: كيف نجح الجنرال ''ديفيد بترايوس''؟ الجواب، لأول مرة منذ أن بدأت الحرب، قرر قائد أميركي معالجة المحفزات السياسية للمقاتلين العراقيين؛ حيث قام ''بترايوس'' بتشكيل مجموعة دراسة قامت بتحليل النزاع الطائفي المستعر، ثم قدمت ما سماها ''استراتيجية الأناكوندا''· أدرك ''بترايوس'' وشريكه الدبلوماسي، السفير ''ريان كروكر''، أن الخطوات الكارثية الأولى التي اتخذتها سلطة الاحتلال الأميركي بقيادة ''بول بريمر''؟تفكيك حزب البعث والأجهزة الأمنية للنظام القديم- ساعدت على خلق كتلة مهمة من الرجال الغاضبين القلقين، فانتهى المطاف بالسنة الذين أداروا شؤون العراق القديم إلى الحضيض في العراق الجديد؛ تم إدراك هذه المخاوف بسرعة، حيث ضغطت حكومة الاحتلال التي يقودها بريمر في اتجاه سلسلة من الانتخابات التي لم يخطَّط لها بشكل جيد، انتهت بتكريس سلطة ائتلاف يهيمن عليه الشيعة، بدأ حملة ''تطهير طائفي'' ضد الأقلية السنية العراقية، ودفع البلاد إلى حرب أهلية شاملة· وبينما استمر الساسة في واشنطن في الانخداع بالساسة الشيعة الذين تحركهم الطائفية، شرع ''بترايوس'' و''كروكر'' في استعمال كل الوسائل المتاحة -ومن ذلك التفكير في السياسة العراقية- بغية تصحيح الأخطاء الكارثية الأولى التي ارتكبتها الولايات المتحدة؛ ومما لا شك فيه أن استقدام كتائب إضافية من الجنود ساهم في النتيجة الحالية، غير أن عدد الجنود الأميركيين كان أقل أهمية بكثير، مقارنة مع الطرق الجديدة التي استُعمل بها؛ ولعل أهم خطوة تكتيكية جديدة مازالت لم تحظ بانتباه كاف في واشنطن، هي مبادرة ''بترايوس'' للتقرب من التمرد العراقي وقاعدته، وهو القائل: ''لا يمكننا أن نقضي على طريقنا إلى الانتصار''· ففي 2 يونيو ،2007 استدعى ''بترايوس'' قادته وأمرهم بالتقرب من السنة والمتمردين المتنفذين، وإقناعهم بوقف القتال قائلا: ''إن إشراك القبائل والمصالحة المحلية ينجحان··· ''شجعوا عليهما!''؛ كان ''بترايوس'' محقا في اللجوء إلى قادة كتائبه؛ فقد كانت بغداد غارقة في فوضى متزايدة، سيارات مفخخة، عبوات ناسفة قاتلة، متفجرات تقليدية الصنع تزرع في أنابيب الصرف الصحي تحرق الجنود الأميركيين وهم أحياء، ولكن القوات الأميركية استمرت في مسعاها؛ وفي صيف ،2007 استجاب السنة بأعداد كبيرة للمقاربة الجديدة، فبحلول سبتمبر، حسب مسؤولين أميركيين وما كنت أنا نفسي شاهدة عليه كمراسلة، سجل 15000 سني أنفسهم ليصبحوا حراسا في نقاط تفتيش وفي الأحياء، تراقبهم وتدفع لهم أجورهم الكتائب الأميركية التي كان يشرف عليها ''بترايوس''؛ لم يرُق ذلك الحكومة الشيعية، فآخر ما كانت تريده هو عودة أعدائها السنة السابقين؛ غير أن 70000 سني -من بينهم الأغلبية الساحقة من المتمردين وقاعدة دعمهم- كانوا قد انضموا بنهاية العام إلى الجهد الجديد الذي تدعمه الولايات المتحدة؛ وغيَّرت هذه السياسة -التي قاومها البيروقراطيون في بغداد وواشنطن- مجرى الحرب· لماذا كان الكثير من السنة ؟متمردين ومدنيين على حد سواء- مستعدين للاستجابة للانفتاح الأميركي؟ لأنهم كانوا قد بدأوا ييأسون ورأوا في يد ''بترايوس'' الممدودة فرصتهم للبقاء في وقت كانت فيه حملة العنف الطائفي والتطهير العرقي مستعرة يقودها الشيعة وتغذيها إيران المجاورة؛ فقد كان تحالف السنة العلمانيين مع المتمردين الجهاديين بمثابة زواج مصلحة صعب، ولكنه سرعان ما انهار حين قدم ''بترايوس'' عرضا أفضل؛ أما التغيير الكبير الثاني الذي حدث خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، فهو قرار جيش المهدي، الميليشيا الشيعية المتشــددة التي يقودها مقتدى الصدر، وقف القتال؛ تم تفسير هذه الخطوة بشكل خاطئ أيضا، حيث قُدمت على أنها خطوة تلقائية وأحادية الجانب، والواقع أنها أتت بعد أشهر من الضغوط العسكرية والسياسية؛ حيث شنت قوات العمليات الخاصة العراقية، مدعومة من قبل المستشارين العسكريين الأميركيين، غارات ليلية على العناصر الأكثر تشددا من جيش المهدي· ومن جهة أخرى، أحدثت رغبة ''بترايوس'' في التعاطي مع السياسة العراقية فرقا كبيرا في مجريات الأمور؛ ويمكن القول إن مهام من سيخلفه، ستكون سياسية أكثر من أي وقت مضى، وليس عسكرية؛ غير أن التمرد السني السابق لم يُدمج بعد بالكامل في الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية للبلاد؛ وقد ينتكس النجاح الاستثنائي الذي حُقق خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، إذا لم ينهِ من سيخلف ''بترايوس'' و''كروكر'' -إضافة إلى الرئيــس الأميركــي المقبــل- هــذه المهمــة المهمـة والأساسية· ليندا روبينسون كاتبة وصحفية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©