السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الديمقراطيا إلى التكنوقراطيا

من الديمقراطيا إلى التكنوقراطيا
17 أغسطس 2016 20:44
لا أتحدث هنا عن الديمقراطية بمعنى نظام الحكم القائم على الشرعية الزمنية والتمثيلية، بل عن الديمقراطيا بمعنى نظام حكم البشر (الديموس اليوناني أو الشعب). فمفهوم الحكم هنا أعم وأشمل، بحيث يشتمل على إرادة التحكم. ولذلك إذا كانت الديمقراطية تعني نظام الحكم السياسي للبشر بوساطة البشر، فإن الديمقراطيا تعني نظام التحكم في البشر وتسييرهم من خلال البشر أو النخبة السياسية، وهو ما يجعله في تقابل وتماثل مع مفهوم التكنوقراطيا، أي نظام الحكم القائم على تحكم الأشياء (التقنية) في البشر. ويبدو أن الأفق المنتظر للبشرية في القرون المقبلة هو الانتقال من حكم أو تحكم الناس في الناس أو البشر في البشر إلى نظام حكم الأشياء (التقنية) في البشر، أي من الديمقراطيا إلى التكنوقراطيا، أو بالتعبير اليوناني من الديموس إلى التكنوس. كان المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه قد ميز في تاريخ التعبير والتواصل البشري بين ثلاثة مراحل أو فضاءات: اللوغوسفير أو فضاء الحديث الشفوي، ثم الكرافوسفير أو فضاء الكتابة المرتبط باختراع المطبعة (غوتنبرغ)، وأخيراً الفيديوسفير أو فضاء الصورة الإليكترونية المتحركة. أما مؤرخو الصناعة فيميزون بين عدة مراحل يسمونها ثورات: الثورة الصناعية الأولى وقوامها الفحم، والثورة الصناعية الثانية نحو سنة 1900 وعمودها الفقري الكهرباء، الذي أصبح أب كل الثورات التقنية الحديثة، وقد تلاها اكتشاف وصناعة الطيران ثم الذرة ثم غزو الفضاء، وأخيراً الثورة المعلوماتية والإعلامية نحو سنة 1970، والتي شكلت أساس العولمة الكونية بفعل النقل والتواصل والإعلام والمعلوماتية. والحق أن كل تطور تكنولوجي (الفحم- الكهرباء- الإليكترون) يشكل ثورة تستدمج وتجبُّ ما قبلها، وهذا هو الشأن بالنسبة للثورة الإليكترونية، وخاصة اختراع الشبكة العنكبوتية الكونية التي تدخل اليوم في المرحلة الثانية من عمرها، والتي يطلق عليها اليوم «إنترنيت الأشياء» (Internet things). فالإنتاج الصناعي والتقني لم يعد مستقلاً عن العوامل الإنتاجية الأخرى المتمثلة في المال، سواء كان مصدره الدولة أي القطاع العام، أو القطاع المالي والاقتصادي الخاص، بحيث يصبح تزاوج الصناعة والمال عضوياً، وتصبح استراتيجيته الأساسية هي التمدد والتوسع محلياً ودولياً. فالعولمة في العمق هي ذلك التزاوج الرفيع بين الجهاز المالي العالمي والجهاز التقني العالمي (القشتال)، مزيناً بتوابل القانون الدولي والشرعية الدولية، كل ذلك في إطار خطة تحويل الأشياء الكمالية إلى أشياء ضرورية بشكل لا حدود له بما يسهل «طوفان الأشياء». تتمثل إنترنيت الأشياء مثلما، ورد في التقرير الضميمة الذي صدر عن مركز المستقبل بالإمارات (مايو 2015)، في توسيع الخدمات عبر الانتقال النوعي نحو تقديم إنتاجات وخدمات عينية ملموسة أهمها مجال الطباعة العينية ثلاثية الأبعاد المتمثل في: طباعة منازل كاملة، طباعة الأسلحة، طباعة السيارات، وطباعة الطعام. المجال الثاني هو توسيع وتعميم استخدام البِدُون (طائرات من دون طيار) (الدرونز Drones) في مجالات غير عسكرية مثل الخدمات الأمنية المتمثلة في قمع أشكال الاحتجاج والتمرد، والخدمات البيئية المتمثلة في مكافحة تلوث الهواء برش مواد كيميائية مطهرة، والخدمات المطعمية في توصيل المأكول إلى الزبناء المحليين والإقليميين، وفي توفير أوسع لخدمات صحفية أنجع عبر المساهمة في نقل المباريات الرياضية المختلفة والمؤتمرات الدولية، والكوارث الطبيعية، والخدمات السياحية والزراعية والحكومية والطرقية والإنقاذية والتدخل في الكوارث الطبيعية والاجتماعية. ولعل التطور المذهل في صناعة الإنسان الآلي أو الروبوتات (Robots) سيغير بشكل نوعي حياة البشرية تدريجياً وبقوة نحو نظام تدفق وتحكم الأشياء في البشر. أهم استعمالات الإنسان الآلي كما جاءت في تقرير المستقبل المرافق لدورية «اتجاهات الأحداث» الصادرة عن مركز المستقبل في الإمارات 2015)، هي: ارتياد المناطق العسيرة عبر استخدام روبوتات هي بمثابة بغال تقنية قوية قادرة على حمل أثقال كبيرة في المرتفعات والجبال الصعبة. في التجارة ونقل البضائع. قيادة السيارات ذاتية القيادة. استكشاف الفضاء والبحار والمحيطات. إجراء العمليات الطبية الدقيقة. خدمة الزبائن في كل المجالات، هذا إضافة إلى الاستعمالات العسكرية الميدانية. والخلاصة أن هذه التحولات التقنية النوعية في تاريخ البشرية والتي تقودها البشرية المتقدمة (أميركا-اليابان-الصين-أوروبا) هي في صدد إكمال المعجزة بإنجاز الثورة التقنية التي ستنقل البشرية كلها من نظام الديمقراطيا إلى نظام التكنوقراطيا الذي سيتم فيه استكمال الانتقال من سيطرة الإنسان على الإنسان والأشياء إلى نظام سيطرة الأشياء على الإنسان، وهي الثورة التي ستكمل المعجزة الإنسانية المتمثلة في تحويل السحر (Magie) إلى علم وتقنية، في الوقت الذي ما نزال - نحن العرب- نجتر أحلامنا عن أنفسنا وعن ذاتنا الجماعية، ونغذي السير فكرياً وثقافياً في عكس اتجاهات الزمن العالمي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©