أكد المفكر والفيلسوف المغربي الدكتور محمد عابد الجابري أن تدخل الدولة في الثقافة ساهم خلال الفترة الماضية في عرقلة النهضة الثقافية العربية بسبب فرض القيود والتدخل في الحريات، مؤكدا ضرورة أن يصبح الانفتاح على الآخر سياسة ثقافية للدول العربية·
ودعا أستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى ''التجديد'' في الثقافة العربية من خلال إعادة بنائه وتأصيل قيم الحداثة في الحياة المعاصرة بالإضافة إلى إعادة صياغة السياسة الثقافية والحد من تدخل الدولة في الثقافة السياسية·
وأوضح في محاضرته بعنوان ''من أجل تجديد العقل العربي'' في مجلس الفريق أول سمو الشيـخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والتي شهدها سموه، أنه لابد من نقد معرفي للعقل العربي من الداخل بحيث يتم كسر الثوابت للتجديد في البنية الثقافية العربية، معتبراً أن ''التجديد'' لا يعني التخلي عن الأصل أو أخذ كل مافيه، ''وإنما بإعادة بناء الواقع بناء على توجيهات الأصل''·
ويرى أنه لا يوجد مشروع عربي يجمع الأمة العربية، مطالباً بأن يتم العمل من خلال مبادرة واحدة ''لأن ما يجمعنا ليس العقل أو الجغرافيا وإنما الثقافة العربية التي أساسها الإسلام·''
وتحدت عن الفترات برز فيها الاهتمام بالفكر والثقافة في العالم العربي مثل تدريس الفلسفة في المدارس الثانوية بالمغرب خلال الفترة الماضية، والجدل النقدي بين طه حسين وعباس العقاد في مصر نفسها، مشيرا إلى أن دول الخليج تتولى المبادرة في النهوض بالثقافة والتواصل مع الآخر عبر مبادرات ثقافية حضارية متعددة كما يظهر في الامارات·
وأكد المحاضر أن ''التجديد'' لا يمكن بلوغه إلا من خلال إعادة بناء الثقافة وكتابة تاريخها بشكل كلي وليس تاريخ الفرق والمذاهب، وتأصيل قيم الحداثة المعاصرة كالديموقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان في ثقافتنا من خلال البحث عن أصول في التراث الإسلامي، وعدم الانقطاع عن الغرب الذي نتقاسم معه أصولا مشتركة·
كما شدد على ضرورة رسم سياسة حكومية ثقافية عبركتابة تاريخ الثقافة العربية الإسلامية ونسيان خلافات الماضي وإبراز الجوانب الإيجابية والعمل على تأصيل الثقافة الحديثة من خلال الأصول والمنابع في تراثنا الزاخر·
وأكد أن التجديد أصبح صعبا لأن العقل العربي يعيد إنتاح الثقافة العربية نفسها، معتبراً أنه من دون النقد الداخلي للثقافة العربية وليس للثقافة الخارجية، من أجل التجديد والتطوير فإن النقد سيظل أيديولوجيا·
وقال: ''هناك حاجة ماسة إلى عقول أخرى ليس من خلال الاغتراب وإنما من خلال التأسيس عبر العمل السياسي غير الفردي·''
وقال إن التجديد طُرح منتصف القرن التاسع على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشكيب أرسلان وغيرهم، الذين طرحوا سؤال ''لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم''، فيما برزت خلال القرن الماضي ثلاثة اتجاهات فكرية تبنت خطابا نهضويا آيديولوجيا يدعو الأول إلى العودة إلى التراث والتمسك به، والثاني إلى الأخذ من الغرب والسير على خطاه، والأخير هو تيار التوفيق الذي دعا إلى التوفيق بين الاتجاهين والأخذ من هنا وهناك·
وأضاف: ''ظل سؤال لماذا تأخر المسلمون قائماً ولم يتحقق التقدم في ظل الصراع الأيديولوجي المحتدم''·
وقال إنه لدى بحثه عن سر هذا الانقسام الفكري وجد أن سببه النقص المعرفي عن الآخر لدى كل طرف من هذه الاطراف الثلاثة رغم أن التراث الفكري الاسلامي يشير إلى ضرورة التعرف على الاخر من خلال رد ابن رشد على الغزالي بضرورة التعرف على توجهات وقناعات وأدلة المعتزلة ومقولة الامام الشافعي ''رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب''·
وأكد الجابري أن العقل العربي قائم على منهجية ''القياس'' بحيث يقيس الفرع على الأصل والجزء على الكل والخلف عى السلف، معتبرا أن هذه العقلية عملت على ''التحكم في الإنتاج المعرفي منذ نشأة علم الحديث وعلوم النحو والبلاغة·''
واعتبر أن أصعب الثقافات في العالم المتغير تلك التي تجر معها الماضي الذي ترى أنه جامع لكل شيء، مؤكداً أن المعركة حالياً هي معركة هوية في كل البلدان ولذلك فإن على العرب إيجاد ثقافة عربية واحدة متمـــاسكـــة للحفاظ على هويـــتــهم من هيمنة العولمة التي وصفها بأنها خيمة كبيرة بها جميع المتناقضات وتديرها من خارجها جهة لها مصالحها الخاصة·
الحضور
حضر المحاضرة التي تأتي ضمن الأمسيات الرمضانية لمجلس سمو ولي عهد أبوظبي، كل من سمو الشــيخ عبداللــــه بــــن راشــــــد المعـــلا نـــائــب حاكـــم أم القيوين وسمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقــة الشرقيـــة وسمو الشيخ حمدان بـــن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وسعادة عبدالعزيز عبدالله الغرير رئيس المجلس الوطني الاتحادي وسمو الشيخ سرور بن محمد آل نهيان والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية وسمو الشــيخ حامد بـــن زايــــد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي رئيس المؤسسة العليا للمناطق الاقتصادية والعميد الركن الدكتور الشيخ سعيد بن محمد آل نهيان نائــب المفتش الـعام بـــوزارة الداخليـــة ومعـالي الشيخ نهيـــان بن مبــــارك آل نهيـان وزيـــر التعليم العالي والبحث العلمي ومعالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان وزير الأشغال العامة والشيخ خالد بن محمد بن زايـــد·
كما حضر المحاضـــرة التي تعـد الرابـعـــة ضـمن الأمســيــات الـرمضـانـيـــة لهذا الـعـام عـــــدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين في الدولة
عدد اليوم
