الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمة الخمير الحمر... ومخاطر التدخل السياسي

30 نوفمبر 2009 23:33
جاريد فيري جاريد فيري: بنوم بنه - كمبوديا شهدت الجلسة الأخيرة لمحاكمة أحد المتهمين الرئيسيين بارتكاب الجرائم المنسوبة لحركة الخمير الحمر، تطوراً مفاجئاً مع المتهم كينج جويك إياف -الذي اشتهر بلقب "دتش"، وكان مسؤولاً عن إدارة سجن S-21 حيث أشرف شخصياً على تعذيب وإعدام ما يقدر بنحو 15 ألفاً من الضحايا، حين تقدم بالتماس طالب فيه بإطلاق سراحه على زعم أنه لم يكن مسؤولاً رئيسياً في ذلك السجن. وكان محامو الادعاء قد طالبوا في عريضتهم بسجن "دتش" البالغ من العمر 67 عاماً مدة لا تقل عن 40 عاماً مدعين أنه كان من عناصر الاستخبارات الرئيسيين في تلك الأيام الدموية التي حكمت فيها الحركة. ولكن محامي الدفاع طالبوا بالرأفة بالمتهم لكونه مجرد كبش فداء لما حدث، فيما يقولون. كما أشار هؤلاء في عريضة دفاعهم إلى أن سجن S-21 كان واحداً بين سلسلة من السجون المشابهة في ذلك الوقت، مؤكدين أن "دتش" هو المتهم الوحيد بين أربعة آخرين، الذي يواجه اتهامات تطالبه بالاعتراف بدوره في تلك الفظائع التي ارتكبها نظام الخمير الحمر. هذا وقد اعتبر التماس "دتش" مفاجئاً بالنسبة للكمبوديين الذين ذاقوا الأمرَّين في عهد ذلك النظام الوحشي، الذي أزهق أرواح ما لا يقل عن مليوني إنسان من مواطنيه خلال الفترة الممتدة بين 1979-1975. ولكن هناك من يرى اليوم أن المحكمة الجنائية التي تدعمها الأمم المتحدة في "بنوم بنه" باتت تواجه خطر الانهيار بسبب التدخل السياسي من قبل مسؤولي حكومة كمبوديا. ويتخوف بعض هؤلاء المسؤولين من أن تطالهم تداعيات الاعترافات التي يدلي بها بقية المتهمين في تلك المحكمة، مع العلم أنهم جميعاً كانوا من المقربين إلى قيادات حركة الخمير الحمر. ويرى ديفيد تشاندلر أن هذه المحكمة المدعومة من قبل الأمم المتحدة هي الفرصة الوحيدة المتاحة للكمبوديين الذين يتطلعون إلى العدالة. يذكر أن تشاندلر كان قد عمل دبلوماسياً أميركياً سابقاً في كمبوديا عام 1960، وهو يعمل الآن أستاذاً بجامعة موناش الأسترالية. ويلاحظ أن الالتماس الذي تقدم به "دتش" في اللحظات الأخيرة السابقة لصدور الحكم عليه، يختلف اختلافاً كبيراً عن سلسلة الاعترافات التي أدلى بها طوال الشهور التسعة الماضية خلال محاكمته، حيث واصل تحمل مسؤوليته كاملة عن الجرائم التي ارتكبت بحق الضحايا في سجن S-21 الذي كان يتولى إدارته، مع استمراره في طلب الرحمة والمغفرة من ضحاياه. وحتى يوم الأربعاء الماضي كان "دتش" يكرر الحديث عن شعوره العميق بالذنب والندم على ما ارتكبه. غير أنه زعم في الوقت نفسه أنه كان سيلقى حتفه مع بقية أفراد عائلته، في حال عصيانه للأوامر الصادرة بتصفية الجواسيس والعملاء المشتبه بهم، الذين تؤخذ منهم الاعترافات الكاذبة تحت التعذيب والمعاملة القاسية، على رغم معرفته بالطبيعة الإجرامية لتلك الأوامر. وفي حديث له يوم الثلاثاء الماضي، رسم "هيم هوي" -المدير السابق لسجن S-21- صورة أشد سوءاً للمتهم "دتش" واصفاً إياه بالتفاني في خدمة أيديولوجية الخمير الحمر. وزعم "هوي" أن مديره السابق -المتهم دتش- كان يعتقد أن غالبية المواطنين الكمبوديين من أعداء الثورة، وأنه تجب تصفيتهم. وقال إن دتش كان يريد الإبقاء على حياة ثلاثة ملايين كمبودي فحسب، مع ضرورة قتل البقية الباقية عن آخرهم. وبالإضافة للمتهمين الأربعة الرئيسيين الذين ينتظرون محاكمات مشابهة، تتجه هيئة المحكمة إلى ملاحقة خمسة متهمين آخرين. غير أن رئيس الوزراء الكمبودي "هن سين" قال إنه يفضل فشل المحكمة وانهيارها على توسيع دائرة الاتهامات الموجهة لتشمل المزيد من الأفراد. وهدد رئيس الوزراء بإشعال حرب أهلية جديدة في حال إصدار المحكمة أوامر باعتقال المزيد من أفراد وقيادات حركة الخمير الحمر. وقد واجه معظم المحللين والمراقبين السياسيين ذلك التهديد بالكثير من الانتقاد والرفض. ويعتقد البروفيسور "تشاندلر" أن توسيع دائرة الاتهامات سيسيء إلى سمعة مسؤولي الحكومة الحالية الذين كانوا أعضاء في الحركة. ومنشأ خوف هؤلاء هو أن الاتهامات لو شملت خمسة أفراد آخرين، فما الذي يمنع المحكمة من أن تمد أصابع الاتهام نفسها إلى 10 آخرين؟ وفي ذلك ما يخيف مسؤولي حكومة "بنوم بنه" على حد قول البروفيسور، الذي أشار تحديداً إلى "تشي سيم" رئيس مجلس الشيوخ الحالي، وزميله "هنج سامرين" رئيس الجمعية الوطنية التشريعية، وقد كان كلاهما قائداً لوحدة عسكرية إبان حكومة حركة الخمير الحمر. فلهذين سجل إجرامي سيئ وموثق، بما فيه الهجمات على المواطنين المدنيين المهاجرين إلى فيتنام. وقد كان كلاهما بين حفنة من المسؤولين الحكوميين الذين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم واعترافاتهم ضد المتهمين الأربعة الذين يواجهون المحكمة حالياً، على حد قول "باناهافوث لونج" الأستاذ في معهد عدالة المجتمع المفتوح Open Society J stice Instit te. وقد أعرب المعهد في بيان أصدره يوم الخميس الماضي، عن قلقه إزاء رفض قاضي التحقيقات الكمبودي المشاركة في استدعاء عدد من الشهود من بين كبار مسؤولي الحكومة الحالية. ومن الجانب الآخر قال كبار المسؤولين إنه ليس من واجبهم الاستجابة لتلك الاستدعاءات. كما أعرب المعهد عن مخاوفه من انهيار المحاكمة كلها في حال استمرار تدخلات المسؤولين النافذين في إجراءاتها، وهو ما يحبط، بطبيعة الحال، أهالي الضحايا الكمبوديين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©