الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صالحة عبيد: المخيلة تتألق ما دامت تحتفظ بالجزء اليافع منها

صالحة عبيد: المخيلة تتألق ما دامت تحتفظ بالجزء اليافع منها
19 ابريل 2013 23:43
مريم جمعة فرج (دبي) ـ «إنها محاولة أخرى للوقوف باستقامة.. مازلت أتهجأ ربع الأبجدية»، بهذه الكلمات تتحدث القاصة صالحة عبيد حسن عن آخر إنتاجها الإبداعي، والذي يصدر في الدورة المقبلة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ويحمل عنوان «آيباد.. الحياة على طريقة زوربا». وكذلك تشارك هذه القاصة التي تتقدم بعض الشيء بتجربة خاصة بها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي ينطلق في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، عبر مبادرة «ضاد» التي ينظمها المعرض وتعتني بتقديم ثلاثة كتب من الإمارات والخليج والعالم العربي، إلى جموع القراء ومختلف وسائل الإعلام بغرض تسويق وعرض نتاجاتهم الأدبية وتجربتهم. «الاتحاد» التقت القاصة صالحة عبيد لتحاورها حول تجربتها في الكتابة وكذلك مجموعتها القصصية الجديدة، حيث تقول «أظنني أفاجئ نفسي بالإصدار الجديد، الذي أفلت من بين أصابعي بعد أن أخذتني فكرة التهادن مع الكتابة سابقا.. لم أتصور أن القلق سيتمكن مني بعمل جديد أو بتعبير أدق «تجربة أخرى» ستأتي بالتزامن مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب.. على هيئة رسائل سردية تمازج ما بين التقرير والسرد لحالات وتأملات إنسانية مختلفة بين الحب والفقد والحياة، بين مدن متنوعة تحتل القاهرة الجزء الأكبر منها.. هذا العمل هو مشاركتي هذا العام.. هو هاجس السنة». الواقع لكن عند قراءة أعمالها بدءاً بمجموعة «زهايمر» 2010 الصادرة عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ثم «ساعي السعادة» 2012 من منشورات دار كتاب للنشر والتوزيع، نجدها تتعامل مع أزمة اسمها الواقع، تسخر من غرائبيته أحيانا وما يطرأ على الذكاء الإنساني من ارتباك في مواجهته، فيغيب أمام أشياء كثيرة منها الغيبيات وظواهر الحياة والموت والتغيرات المتسارعة، وربما وجد القارئ المتعة في تعبير المؤلفة عن هذه الأشياء بصيغة المضحك المبكي، مثلما يحدث في قصة «قارئة العينين»، التي تنتهي بهذه اللهجة الساخرة «ذات ضوء استيقظ أهل المدينة على خبر معتم، عابر ليل انسل هاربا بثروة «السيدة» وروحها وترك خلفه حقيقة متهكمة تفقأ الأعين.. سيدتكم المعجزة كانت عمياء..!» (وربما وجدها نفس المتعة) في اكتشافه الوعي المتأخر بالواقع الذي يفتقد المنطق أحيانا. وهناك استرجاع ومحاولة لاستعادة التوازن كما في قصة «حكاية الجميلة» وقصة «سقف أول»، عندما يدور الحوار بين بطلها وصديقته «أخبرني عن ماذا تبحث؟! – عن سقفي – من أنت؟ - أنا إنسانة! مضت بي إنسانيتي تلك بعيدا... أضحيت أكثر تسامحا وأكثر انفتاحا... لقد نجحت في أن تفتح كل النوافذ المغلقة في روحي، وعلمتني أن الحياة هناك في الأعلى حيث السماء، سقفنا الكبير الذي نتساوى تحته». الشخصيات وعند سؤالها عن تنقل شخصيات أعمالها القصصية من غيبوبة الزهايمر إلى سعادة الوعي، ودور المرأة فيها؟ تجيب صالحة «زهايمر، مجموعتي البسيطة الأولى- التي كتبت فيها أول قصص في حياتي كلها، وبتصور فتاة كثيرة التعثر جربت أن تحاول الوقوف باستقامة لأول مرة من خلال الكتابة. ربما كنت أود من خلالها وعلى بساطتها كما ذكرت، أن أقول إن كل امرأة ذكرت قصتها كشخصية محورية أو أخرى ظهرت بومضات، هي مرتبطة بالذاكرة ومنها ربما أردت أن أقول إن الأنثى هي الكائن الحي في الذاكرة الجمعية غالبا، أما «ساعي السعادة»، فقد حاولت أن أعبر من خلالها عن تلك الهواجس التي يتشارك فيها الجميع بطريقة مواربة، ولربما عبارة منيف التي جاءت كافتتاحية للعمل الصغير قد عبرت عما أريد قوله بوضوح « لاتظن الهدوء الذي تراه في الوجوه يدل على الرضا، لكل إنسان شيء في داخله يهزه ويعذبه». وردا على سؤال عن أن شخصيات أعمالها، سواء تحدثت بضمير المتكلم أو الغائب هي صريحة تحب الاعتراف بخيبة أملها، ولو كان ذلك بمفردات قليلة تعبر عن ميلها إلى السخرية من واقعها؟ تقول صالحة «لقد حاولت من خلال «زهايمر» و«ساعي السعادة»، أن أعبر عن هاجسين مختلفين، مع الأول يخشى أن يضمحل آخر ما تبقى له من ذاكرة، والآخر يخشى أن يقطع تدفق الرسائل ذات الأخبار السيئة مصدر رزقه الوحيد، هو القلق الذي قد يلامس مع اختلاف المناخات عدداً من الشخصيات الموجودة على أرض الواقع. أما في «سقف أول» و«حكاية الجميلة»، فإن الشخوص تحاول مجابهة تمزقها وضياعها برمز يبقيها على قيد الاستمرارية على بساطة ما تتشبث به، والذي تخرج منه إلى تحررها الأكبر بعد لحظة تجل معينة»، وتضيف «وبالعودة إلى نقطة الصراحة فإنني كلما سئلت عن الكتابة والشخوص، أحب أن أقتبس من الروائي الجزائري «واسيني الأعرج» قوله «نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظل حيا ومفتوحا.. نكتب لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنا نشتهي قوله.. نكتب لأننا لانعرف كيف نكره الآخرين، ولربما لأننا لانعرف أن نقول شيئا آخر». القصة القصيدة ومن خلال أعمالها يتراءى للقارئ حجم المساحة التي يحتلها هذا النوع من الصراحة، الذي لا يحتاج إلا إلى عبارات بسيطة وفقرات قصيرة موجزة قابلة للتأويل، وربما أعجبتك بعض قصص صالحة عبيد القصيرة التي يمكنك أن تطلق عليها اسم «القصة القصيدة»، مثل قصة «قهوة من دون كافيين» و«وطن يحتمل التأويل». ومن «ساعي السعادة» إلى «ملك الجدران» إلى «وطن يحتمل التأويل». هناك اهتمام باللغة وبإيحاءاتها. كما أن هناك ارتكازاً على الذاكرة يوظف لخدمة هذا الإيجاز، ربما لاحظه القارئ في الجزئيات التي تتعاطى مع الطفولة وتخيلاتها على وجه الخصوص. وعلى هذه الجزئية تعلق صالحة بقولها «أنا أكتب لكي لايموت «جان فالجان».. هكذا قالت تلك الطفلة لنفسها وهي تحاول أن تحاكي بخيالها في قصاصة صغيرة امتدادا لحياة بطل البؤساء. كان الأمر يشبه اللعبة التي ظننتني قد أتوقف عنها لاحقا، لكن تلك المساحة الطفولية من المخيلة امتدت للمزيد من القصاصات التي خرجت من مرحلة المحاكاة إلى الشخوص المنفصلة.. لدي إيمان دائم مرتبط بفكرة أن المخيلة تتألق ما دامت تحتفظ بالجزء اليافع منها، ذلك الذي يكفل لها السعة والقدرة على ابتداع المختلف». وهذه حقيقة، فمنذ أن كتبت مجموعتها، «زهايمر» وما يليها من أعمال هناك ذاكرة خصبة ووعي فني وجمالي متجدد، نتمنى أن يغرسه المبدعون من كتابنا الشباب في ذائقتنا، ولربما نجحوا في النهاية في تقديم ذائقة جديدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©