الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاهي دمشق تتخلى عن دورها الاجتماعي وتتحول إلى أماكن للتسلية والترفيه

مقاهي دمشق تتخلى عن دورها الاجتماعي وتتحول إلى أماكن للتسلية والترفيه
23 ابريل 2011 20:39
هل لا يزال للمقهى في دمشق ذلك الحضور المميز على المستوى الشعبي؟ وهل لا تزال المقاهي مراكز لمنتديات أدبية وفنية واجتماعية كما كانت في الماضي؟ أم أن رياح العولمة والحياة الاستهلاكية الجديدة عصفت بالمقهى الشامي القديم، وأحلت مكانه مقاهي النجوم الخمس الاستعراضية؟ أيام زمان يقول المتقاعد حسن أحمد (80 سنة) إن المقاهي كانت متنفساً للناس، فيها يجتمعون ويتلاقون، ويتداولون شؤونهم وأحوالهم، وعلى مستوى الحارات كان مقهى الحي ملتقى رجاله يجتمعون فيه ويتسامرون ويناقشون ما يدور فيه، وكثيراً ما كان محلاً لحل المشكلات أو الخلافات، وكان مثل مجلس محلي عرفي للحارة. ويضيف «كانت هناك مقاه خاصة بأصحاب المهن والحرف، مثل «مقهى النجارين» في حي الشاغور، و»مقهى الحمام» لبائعي الطيور في سوق السنانية، و»مقهى البخاري» في سوق التبن للخبازين، ومقهى خاص بالعمال في السوق العتيق، يناقشون فيه أمور مهنهم وحياتهم». ويذكر الحاج أبو كاسم محروقة أن بعض أبناء المحافظات والمناطق السورية كانوا يقصدون مقاهي بعينها، فعرفت بأسمائهم، مثل «مقهى الديرية» في منطقة البحصة قرب ساحة الشهداء، ومقهى «القلمون» في حي العمارة، وكان ابن المحافظة إذا حضر إلى دمشق يقصد مقهى أبناء منطقته، فيجد فيه معارفه، ويمكنه أن يستفسر عن أي واحد منهم من الحاضرين في المقهى، ويضيف أبو كاسم «لا تستغرب إذا قلت لك إنه كان في دمشق مقهى للصم والبكم، وقد عرف باسم «مقهى الخرسان»، وكان اسمه المعلن «مقهى العون بالله»، وقد اتخذ من زاوية من مبنى العابد الشهير مقراً له، ومن هذا المقهى انطلقت جمعيات رعاية الصم والبكم الأولى». ويستدرك «لكن معظم هذه المقاهي أصبحت الآن في خبر كان، ويرجع سبب هذا الانحسار للمقاهي إلى ظهور التلفزيون في سوريا عام 1960، إذ تحول كل بيت إلى مقهى صغير للعائلة وحدها، ولأن فترة البث التلفزيوني كانت في البدايات مسائية، فقد استمرت هذه المقاهي بالمقاومة، وكان يقصدها عدد من الناس في فترات ما قبل الظهر وبعده». ثلاثة مقاه الشاعر صالح هواري يقصد مقهى «الروضة» في شارع العابد مرة واحدة في الأسبوع، وذلك يوم الجمعة، حيث يلتقي بأصدقائه ومعارفه، ويدردشون في شؤون الأدب والشعر والحياة، وقد يرتبون لسهرات في أماكن أخرى. وعن الدور الثقافي والاجتماعي والسياسي للمقهى في دمشق، يقول هواري «هذا الأمر كان صحيحاً في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حيث كان مقهى «البرازيل» في شارع بورسعيد يستقطب الشعراء والأدباء كنزار قباني ومحمد الحريري والمفكر زكي الأرسوزي والدكتور عبد السلام العجيلي والدكتور سامي الدروبي، وكان يشهد نقاشات أدبية وسياسية واجتماعية»، ويتابع «علمت من أدباء سبقوني أنه كان من رواد مقهى البرازيل الحبيب بورقيبة أول رئيس لجمهورية تونس بعد الاستقلال، وكذلك الشاعر بيرم التونسي. ومقابل هذا المقهى الشهير كان هناك مقهى آخر لا يزال قائماً هو مقهى «الهافانا»، وكان من رواده الشعراء محمد الحريري وأدونيس ومحمد الماغوط وأحمد الجندي ونديم محمد، والروائي صدقي إسماعيل الذي كان يحرر صحيفته الساخرة (الكلب) بخط يده، ويستعرض فيها أحوال البلاد والعباد، ثم يقوم أصدقاؤه ومحبوه بنسخ هذه الصحيفة بخط اليد أيضاً، وهكذا تصبح النسخة الواحدة عشرات، ويعم بين المثقفين ما كتبه صدقي إسماعيل». أما مقهى الروضة الذي ما يزال قائماً في شارع العابد، فقد كان في أواخر الخمسينيات مقصداً لرجال السياسة ونواب البرلمان السوري، لكونه لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مبنى البرلمان، وكان أنصار هؤلاء النواب يقصدونه للقائهم، وعرض ما يحتاجونه من أمور أو مشكلات عليهم. لذا اشتهر هذا المقهى بأنه مقهى النواب والسياسيين، ومن الطبيعي أن يدور فيه الحديث في السياسة وشؤون البلد والناس. أما الآن فقد اختلفت صورته. وعن الجمعيات الأدبية التي تشكلت ومارست نشاطاتها في مقهى الهافانا، يقول هواري إن المقهى كان مقراً لكثير من النشاطات والحوارات الأدبية التي أسهمت في إنشاء رابطة رواد الأدب عام 1959، والتي كانت على علاقة حوار وتواصل مع عدد من الشعراء المرموقين الذين كانوا يرتادون المقهى، كالشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي ونزار قباني وعمر أبو ريشة وحامد حسن وفايز خضور. مقاهي الخمس نجوم تبدل حال الدنيا، وتبدل معها حال المقاهي، فمقهى الهافانا أصبح في خانة النجوم الخمس، ولم يعد ملتقى المثقفين والأدباء، ومقهى الروضة تغير حال رواده، وكذلك مقهى الكمال الصيفي، وتحولت هذه المقاهي إلى زبائن مختلفين من هواة لعب الورق والطاولة وقتل الوقت أو المتقاعدين والعاطلين عن العمل، وما يطغى على الساحة حاليا هو مقاهي النجوم الخمس، وبعضها كوكتيل ما بين المطعم والمقهى وأماكن التسلية، إلى ذلك، يقول الشاب حسام حليمة «لا أفكر بارتياد هذه المقاهي، بعد أن زرت بعضها، ولاحظت أن الفتيات يحضرن بأبهى زينة للاستعراض. وبالتالي، فأنا لست مضطراً لدفع هذه الكلفة العالية»، أما حسناء ميري الطالبة الجامعية فتقول إنها أماكن جميلة، و»لكن يجب ألا يقل الدخل الشهري عن ثلاثين ألف ليرة لكي أتمكن من ارتياد هذه المقاهي الفخمة». ومع انتشار موجة مقاهي النجوم الخمس، وافتتاح فروع لمقاه دولية شهيرة، فإن الدمشقيين احتفظوا ببعض مقاهيهم الشعبية، فهناك مقهى النوفرة الذي يرتاده الشبان والشابات، ويدفعون فيه أسعاراً «شعبية» إلى جانب من يرتاده من السياح والسائحات. كما أن عدداً من البيوت الشامية القديمة جرى تحويلها وتجهيزها لتتحول إلى مقاه ومطاعم وبأسعار في متناول الشريحة الوسطى من المجتمع. كما انتشرت مقاهي الرصيف في حي ساروجة التاريخي أمام مداخل الفنادق التي افتتحت في بيوت دمشقية قديمة، وفي هذه المنطقة يجد الشباب من الصحفيين والفنانين والمصورين متنفساً لهم، كما أن السياح الأجانب يقصدون هذه المنطقة أيضاً. وكذلك الحال في باب توما الحي القديم الذي تحول عدد من بيوته ومحلاته إلى مزيج من مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي السريعة أيضاً. ولعل أطرف ما يمكن أن نشاهده هو وجود مقهى يسمى «كوفي شوب» في منطقة القيمرية رغم كل المحيط القديم ونوافير المياه المتراقصة فيه وحوله. مائتي مقهى دمشق كانت تضم ما يزيد على مائتي مقهى ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وقيل أيضاً إن الشام عرفت المقاهي (كتسمية منسوبة إلى القهوة) عندما أدخل الشيخ أبو بكر العبدروسي عام 1503 للميلاد القهوة إلى الشام، وبعد أن عُرف مشروب القهوة، افتتحت المقاهي وانتشرت بدءاً من عام 1541 للميلاد، وحتى الآن، فإنه لا تزال في دمشق مقاه، لكنها تتغير بحسب العصر والزمان.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©