الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المرجل العراقي.. عقد من الصراعات والأمن المفقود

المرجل العراقي.. عقد من الصراعات والأمن المفقود
19 ابريل 2013 23:59
لهيب عبدالخالق - على برزخ ضيق، توسط الجمود السياسي المحيق بالعملية السياسية في العراق، نيران المدافع والصواريخ والانفجارات التي لا تهدأ. وبعد 10 أعوام على الاجتياح الأميركي، تناثرت القوى السياسية التي خرجت من انتخابات 2010 المثيرة للجدل بكل شيء فيها، وكل منهم يخبئ في طيات ثيابه طامحا متحفزاً للانقضاض في لحظة انفراد على أعداء طموحه. المصالح والكراسي والشعور بعدم التوازن وانكسار عتلة الميزان، كانت مفردات اللقاءات التي ظلت هزاتها الارتدادية تصيب الأرض الهشة التي قامت عليها حكومة «غير مكتملة» حتى اليوم، ما زالت بلا وزراء أمنيين ولا برنامج حكومي أو لوائح تنظم عملها. وبين الخلافات المتعددة تتقلص أرضية الحوار الهشة، وتتناثر جثث العراقيين بين قتيل وجريح وهارب من وجوه الموت المتنوعة، أو من وجوه الميليشيات، وأشباح قوى أمنية أجنبية تتخفى بألوان من الاحتلال المبطن. والذين انتظروا منذ صباح ساقط عادوا ثكالى، ولم يطالوا حتى خفي حنين. الحكومة التي أريد لها أن تكون حلا، باتت أزمة حقيقية تتبارى فيها مختلف الأسلحة، بدءا من أوراق الضغوط الكردية، إلى قبضات الاستغلال الطائفية المتفردة بالساحة، وصولا إلى مساومات الحكومة، والصراع على المناصب والكراسي، حتى لغة التهديد لم تنزل عن منصة الصراع في ساحة البرلمان. ربما يجد المراقب للساحة العراقية أن المعادلة مكسورة ما لم تدخل الأطراف العراقية جميعا في لعبة التوازن، التي يخطو بها العراق على خيوط رفيعة حمراء. فالعرب السنة والتركمان والمسيحيون وبقية العراقيين أطياف تشكل رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه. لكن الذي لا ينظر إليه أحد هو العراق نفسه، ذلك البلد الذي لا يقبل القسمة على نفسه أو على أحد على الإطلاق. بعد عشر سنوات فاضت بالنفوس جبال الهموم، واندلقت على الأرض دماء وانتهاكات وسرقة ونهب للمال العام، وإفراغ الدولة من كل محتوى لها، ومع اكتمال دائرة السنوات المريرة الـ10 في مارس وابريل 2013، تفجرت أكباد العراقيين ثورة واعتصامات ومواجهات، على وقع زمن خالوا أنه ربيع. فقد أفرز العقد المرير في العراق شكلا قميئا للدولة، وصراعا لم يبق حبيس ساحة البرلمان وفوق طاولة الحكومة، لم يحتدم بين أكراد وشيعة أو ينتظر دخولا سنياً على خطوط المواجهة وتوزيع التركات فقط، بل اشتعل بأصابع ديناميت حقيقية. فالكرد يصرون على تقسيم عرقي صبغ المحافظات المكلومة بلونه فباتت تطلب التقسيم حتى صار هدفا، والشيعة يصرون على محاصصة طائفية، والسنة يصرون على تبرئتهم من تهم إرهاب جاهزة بعد خروج الأميركيين، والدستور مازال يجد نفسه عاريا من ثياب شرعية تغطي عثراته. واقع هش ومر عناصر كثيرة رسمت شكل الواقع العراقي بعد عقد تميز بتصاعد وتيرة العنف والاتجاه إلى الانفصال على أكثر من مستوى، وشكل الأمن الركيزة المنفلتة التي باتت رعبا حقيقيا داخل العراق، ترافق معه انهدام البنية التحتية وتزايد البطالة وتفاقم الوضع الصحي وتصاعد نسبة الفقر، إضافة إلى فقدان الأمان الاجتماعي الممثل بسلة الغذاء وافتقار الدولة إلى برامج حقيقية، عدا عن تدهور قطاع الخدمات وتحول الدولة العراقية من دولة منتجة إلى مستهلكة ونازفة لثرواتها. وينقسم ملف الأمن إلى ثلاثة محاور رئيسية: الأول: عنف الجماعات المسلحة (الميليشيات)، والثاني: عنف السلطة، والثالث: عنف القوى الأمنية الأجنبية «الشبحية» التي تساعد في تهديم الأمن. ولا يخفى أن الجماعات المسلحة في العراق باتت معروفة للجميع، فقد خلق زمن «الاحتلال» واقعا مشوها دب فيه الخلط بين حقوق في مقاومة المحتل، وبين جماعات ذات أهداف متضاربة، وهو ما وضع الكثير من حقائق فقدان الأمن في بوتقة واحدة تنصب على رأس العراقيين جحيما. من العنف الأميركي في البداية إلى عنف الجماعات المسلحة، تضاف عصابات الخطف والابتزاز والسرقة والتصفيات وقائمة الجماعات المسلحة، مما دفع العراقيين إلى اتهام الميليشيات الحزبية بالتصفية وخلط الأوراق، ومنها الميليشيات المرتبطة بإيران التي باتت حاضرة في المشهد العراقي عبر تهريب السلاح التقليدي للأحزاب والمنظمات الموالية لها. وكان الوضع العراقي عام 2005 كشف عورة الحكومة الفائزة بانتخابات جرت في نفس العام، ورفض البعض اعتبار الفوز شرعيا. وعدت هذه الحكومة قاصرة، وبات بعض أركانها ينحو باتجاه ديكتاتوري، ممثلا بازدياد عنف السلطة الخارجة عن سدة القانون، وأخذت شكل تصفية حسابات. وفي أطرها الأخرى بدا أن الحكومة العراقية الانتقالية عاجزة عن توفير الكثير من متطلبات الشعب العراقي بدءا بالأمن المتدهور، وانتهاء بالوضع المعيشي. وأشعلت فضيحة التعذيب داخل السجون العراقية بيد الأمن والداخلية العراقيين، الخوف من تحول السلطة الجديدة عن مسار «الديمقراطية»، فبدا أنها أعادت العهد السابق بشراسة أكثر عنفا وسوادا. وقد أقرت الحكومة العراقية في 3 يونيو 2005 أن بعضا من قواتها الأمنية الجديدة يلجأ لأشكال الانتهاكات في إطار إخماد «المقاومة». وبادرت الحكومة إلى تلميع صورتها، حيث صرح ليث كبة المتحدث باسم المالكي حينها، ردا على تقرير لصحيفة الأوبزرفر البريطانية كشف وجود فرق إعدام ومراكز تعذيب سرية «إن هذه الأمور تحدث والحكومة تعلم بذلك»، قافزا بالتبريرات إلى عنف النظام السابق، وكأنما يعد انتهاج العنف ردا على عنف سابق. بينما أكد مسؤول أميركي في بغداد «أن بعض الاتهامات الموجهة للشرطة حقيقية، وذات صلة بتنافس طائفي». وكشف بيتر بيومونت مراسل الشؤون الخارجية للأوبزرفر في بغداد، مسلسلا من الوحشية ترتكبه قوات مرتبطة بالحكومة العراقية عام 2005، وكتب عن «أقبية تعذيب سرية، وتحقيق وحشي مع السجناء، وقتل يرتكبه عملاء عسكريون مرتبطون بوزارات قوية». وأفاد عن «إنشاء شبكة من مراكز احتجاز سرية لا يسمح لمنظمات حقوق الإنسان بزيارتها». كذلك، كان الأمر في ظل الحكومات الانتقالية المتتالية والتي سوغ مسؤولوها اجتياح العراق أصلا، وباتوا مرفوضين لدى العراقيين الذين راكموا هذا الرفض، لتكبر كرة النار يوما بعد يوم. ووصولا إلى انتخابات عام 2010 التي أفرزت فائزا ضعيفا «القائمة العراقية»، والذي تمكن التشكيل الطائفي ممثلا بالتحالف الوطني الثلاثي «حزب الدعوة، والمجلس الأعلى الإسلامي، والتيار الصدري»، من تحويل نصره إلى هزيمة ساحقة بـ»اتفاق أربيل» لتشكيل الحكومة. ولم يلبثوا أن نقضوه بتولي المالكي الحكم، ليستمر الموت والتعذيب والانتهاكات، ونهب الأموال واستشراء الفساد، بل والولوج عبر بوابة العراق إلى الصراعات الإقليمية. فاتورة الحرب أسفرت الحرب على العراق منذ عام 2003 عن أرقام مهولة. وكشف بحث بجامعة براون الأميركية أن الحرب أسفرت عن مقتل 190 ألف شخص، بينهم 134 ألف مدني، وأن واشنطن أنفقت 60 مليار دولار لإعادة الإعمار، لكن القليل منها خصص لإصلاح البنى التحتية المدمرة. ووصف الدبلوماسي الأميركي بيتر فان بيورين، إعادة الإعمار المزعومة بـ»النكتة السمجة» التي لم تفض لنتائج ملموسة، معتبرا أن اجتياح العراق أدى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. في عام 2008 بدأت منظمة العفو الدولية ترصد الانتهاكات، مع ظهور أدلة تكشف زيف أهداف الحرب، وظهور فضائح الأميركيين و»الحكام الجدد». وقالت المنظمة «إن العراق لا يزال عالقا في حلقة رهيبة من انتهاكات حقوق الإنسان، كالهجمات ضد المدنيين وتعذيب المعتقلين والمحاكمات الجائرة». وكتب «ستيفن والت إم» في مجلة السياسة الخارجية عام 2011 قائلاً «إن الدرس الأهم المستفاد من حرب العراق هو أننا لم نفز». تجاوزت تكلفة الحرب تريليوني دولار، وتجاوز عدد القتلى 4400 جندي أميركي و 179 جنديا بريطانيا ومئات الآلاف من العراقيين. وقالت جريدة ديلي تلجراف البريطانية في 16 مارس 2013 «بعد عقد على اجتياح العراق، مازال الموت يطارد بغداد، ونحو 500 شخص يقتلون شهريا جراء العنف». وذكر موقع إحصاء الضحايا العراقيين (Iraqi body count) أن عدد القتلى المدنيين وصل إلى 207 آلاف منذ 2003، لكن الإحصائيات اثبتت أن الأعداد الفعلية تزيد عن ذلك بنحو 50%، ليصل العدد الحقيقي إلى 250 ألف مدني، قرابة 63% منهم مدنيون. لكن هناك عراقيين يؤكدون أن الرقم تجاوز المليون عراقي باعتبار استمرار مشهد القتل اليومي والتفجيرات والذبح على الهوية، وتصفية الخصوم بشكل منظم، عدا عن الذين يقضون تحت التعذيب وفي السجون. وفجرت وثائق قضية 180 ألف شخص سجنوا لأسباب تتعلق بحرب العراق، أغلبهم من المناطق السنية للفترة بين مطلع يناير 2004 حتى ديسمبر 2009. كما كشفت تورط القوات العراقية بتعذيب ممنهج للسجناء، وأن عددا من أفراد الشرطة والجيش قتلوا بيد أقرانهم. ولم يتوقف العراقيون تحت ضربات هذه البلايا عن الرفض ومحاولات الانتفاض، فاحتجوا مرارا في السنين الثلاث الأخيرة وكسروا حواجز الخوف. وبعد ستة أشهر على تشكيل حكومة المالكي عام 2012، ثارت محافظات الجنوب والوسط ضد نقص الخدمات وانكشاف أوراق الفساد. وأخمدت الثورة بقمع رافقه وعود المائة يوم التي كانت غيوم صيف لا تمطر. وخرج العراقيون ولاسيما أهالي ضحايا السجون والتعذيب والاعتقالات في 25 فبراير 2012، لكنهم قمعوا بعنف وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش بأنه «عنف غير مبرر وانتهاك لحقوق الإنسان». ثم جمع العراقيون أمرهم وثاروا في 22 ديسمبر في الأنبار لتنطلق شرارة الثورة إلى 5 محافظات أخرى هي نينوى وديالى والتأميم وصلاح الدين ونحو نصف بغداد، بعد فضح الانتهاكات في السجون التي طالت أعراض المعتقلات بدلا عن أزواجهن أو أبنائهن أو إخوتهن، ليطلق الشارع صيحة امتدت إلى مطالب بإسقاط هذه الحكومة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©