الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فخر الدين الرازي والدمج بين الفلسفة وعلم الكلام

17 سبتمبر 2008 00:58
يعتبر إبداع الإمام فخر الدين الرازي وأسلوبه في البحث، والجمع بين الفلسفة وعلم الكلام، أكثر ما يميزه عن السابقين والمعاصرين له، وجعله أحد المجددين بالإسلام، بحسب عبدالمتعال الصعيدي في كتابه ''المجددون في الإسلام''· ويضيف أن الرازي أول من عني بجمع معارف المتقدمين وتلخيصها، وأول من أذاع الطريقة التقريرية الفلسفية في سائر العلوم من تفسير إلى نحو إلى بلاغة· وتجديده يمكن أن يصب في مجال الإصلاح، أكثر من كونه خلق أو أوجد علماً أو فقهاً جديداً، وهو الإصلاح الذي استهدف إعادة توجيه ما بدا من فساد استشرى في المجالات الدينية، السياسية، الاجتماعية، والعلمية، مما كان له أبعد الأثر على حياة المسلمين من بعده· وقد فاق الإمام فخر الدين الرازي أهل زمانه في علم الكلام وعلم الأوائل، كما ذكر ابن خلكان في كتابه ''وفيات الأعيان''، وله تصانيف في علوم عديدة منها تفسير القرآن الكريم، ومنها في علم الكلام: المطالبة العالية، نهاية العقول، والمحصل، ومنها في أصول الفقه: المحصول، والمعالم· ولد محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي التميمي البكري الرازي المعروف بفخر الدين الرازي، في الريّ، وهو قرشي النسب، أصله من طبرستان· وهو إمام مفسر حينما يتحدث في العقائد يصنفه الناس على المذهب الأشعرى، وحينما يتحدث في الفقه يحسبه الناس شافعياً، فجمع بين المذهبين، وكان عالماً موسوعياً امتدت بحوثه ودراساته ومؤلفاته من العلوم الإنسانية اللغوية والعقلية إلى العلوم البحتة في: الفيزياء، الرياضيات، الطب، والفلك· كان قائما لنصرة أهل السنة والجماعة، ويرد على الفلاسفة والمعتزلة، وكان إذا ركب يمشى حوله ثلاثمئة تلميذ من الفقهاء، ولقب بشيخ الإسلام· يؤكد الصعيدي، أن فضله في التجديد الديني لا يقل عن دوره في التطوير العلمي· ففي المجال الأول، دعا لنصرة الإسلام بفكر قائم على الكتاب والسنة الشريفة· إذ يُعد من أعلام مدرسة الأشاعرة التي جمعت بين العقل والنقل، ولذا كان مجلسه كما يقول ابن خلكان يحضره أرباب المذاهب والمقالات، فيسألونه، وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة· وقد رجع بسببه كثير من الطوائف التي كانت تتحامى التأويل كالكرامية وغيرهم إلى مذهب الأشعرية، مما حد من ظاهرة الفرق في عهده· فسر القرآن بأحسن بيان، وكتابه التفسير الكبير عمدة في علم التفسير، كما أن كتابه المحصول في أصول الفقه من عمد كتب الأصول، وكل من جاء بعده اعتمد عليه· أما في المجال الثاني، فقد اكتشف التباين بين قوة الصدمة والقوة الثابتة، فالأولى زمنها قصير، والثانية زمنها طويل· كما اكتشف أن الأجسام كلما كانت أعظم كانت قوتها أقوى، وزمان فعلها أقصر، وأن الأجسام كلما كانت أعظم كان ميلها إلى أشباهها الطبيعية أقوى وكان قبولها للميل القسري أضعف· وقد ذكر فخر الدين الرازي أن الحركة حركتان: حركة طبيعية سببها موجود في الجسم المتحرك، وحركة قسرية سببها خارج عن الجسم المتحرك· كما عزا فخر التغير الطارئ على سرعة الجسم إلى المعوقات التي يتعرض لها، ولولاها لاحتفظ الجسم بسرعة ثابتة إذ إن تغير السرعة مرهون بتغير هذه المعوقات، داخلية كانت أو خارجية· وكلما كانت المعوقات أقوى كانت السرعة أضعف· وذكر فخر الدين الرازي أن الجسمين إذا اختلفا في قبول الحركة الطبيعية، لم يكن ذلك الاختلاف بسبب المتحرك بل بسبب اختلاف حال القوة المحركة بين الجسمين، فالقوة في الجسم المتحرك الأكبر، أكثر مما في الجسم المتحرك الأصغر، وأن الجسمين المتحركين حركة قسرية تختلف حركتهما لا لاختلاف المحرك، بل لاختلاف المتحرك، فالمعوق في الكبير أكثر منه في الصغير· وشرح القانون الثالث من قوانين الحركة الذي يقول: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه· وقد شارك فخر الدين الرازي العالم العربي المسلم ابن البغدادي في القول إن الحلقة المتزنة بتأثير قوتين متساويتين تقع تحت تأثير فعل ومقاومة أي أن هناك فعلاً ورد فعل متساويين في المقدار ومتضادين في الاتجاه يؤديان إلى حالة الاتزان· ويرى عبدالمتعال، أن الرازي شغل في القرن السادس الهجري نفس المكانة التي شغلها الإمام الغزالي في القرن السابق له مباشرة· إذ تشابها معاً في نهج التجديد الإصلاحي، الذي بلغاه بعد تحصيل علمي وفقهي سبق زمانيهما، ثم نحى كل منهما نحو الصوفية في نهاية حياته، فكانت تنتاب الرازي في مجالسه وعظه نوبات يصرخ فيها مستغيثاً· غير أن الغزالي كان في حالته الصوفية أصدق من الرازي، لكون الغزالي حينما صار إلى هذه الحالة تجرد من ماله، وانقطع عن ملوك زمانه· أما الرازي فلم ينقطع عن ملوك زمانه، ولم يتجرد من ماله، إذ أحصى بعد وفاته ثروة تقدر بأكثر من 80 ألف دينار· يؤكد التاج بن سبكي في طبقات الشافعية، أن الرازي في نهاية حياته، ندم على طريقته التجديدية التي حاول فيها الجمع بين علمي: الكلام والفلسفة· إذ نقل عنه قبل وفاته قوله: ''أحمد الله بالمحامد التي ذكرها أعظم ملائكته في أشرف أوقات معارجهم ونطق بها أعظم أنبيائه في أكمل أوقات شهاداتهم، وأحمده بالمحامد التي يستحقها، عَرَفتها أو لم أعرفها؛ لأنه لا مناسبة للتراب مع ربِّ الأرباب· وصلواته على ملائكته المقربين، والأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، اعلموا أخلاّئي في الدين، وإخواني في طلب اليقين أن الناس يقولون: إن الإنسان إذا مات انقطع عمله وتعلقه عن الخلق، وهذا مخصص من وجهين الأول أنه إن بقي سنة عمل صالحٌ صار ذلك سبباً للدعاء والدعاء له عند الله تعالى أثر، الثاني ما يتعلق بالأولاد وأداء الجنايات· أما الأول فاعلموا أني كنت رجلاً محباً للعلم، فكنت أكتب من كلِّ شيء شيئاً لأقف على كميته وكيفيته، سواءً كان حقاً أو باطلاً، إلا أن الذي نطق به في الكتب، أن العالم المخصوص تحت تدبير مُدَبِّره المنزه عن المماثلة، موصوف بكمال القدرة والعلم والرحمة· ولقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتُ فيها فائدةً تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات· وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفيّة''· ولكن هذا لم يمنع كل من أتى بعد الرازي، في أن ينهج نفس نهجه التقريري في التعلم والتأليف، حتى اقتحمت الفلسفة النظرية سائر علوم المسلمين من بعده· ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©