الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

ركائز الاستدامة الثلاث من منظور جديد

ركائز الاستدامة الثلاث من منظور جديد
21 ابريل 2015 22:45
إذا قمتم بزيارة إلى سيتي سولاي في هايتي أو أي من الأحياء الفقيرة في بلدان العالم الأخرى، سوف ترون أطفالاً ينبشون أكواماً من القمامة، أو يلعبون في حفر مليئة بالمياه الملوثة، أو يسيرون في طريق العودة إلى مساكنهم وهي عبارة عن أكواخ مزدحمة وغير صحية. في المقابل، إذا تجولتم في بعض أحياء مدينة فيينا، سوف ترون أطفالاً يمرحون في الحدائق أو يستمتعون بلعب كرة القدم في طرقات نظيفة ومرتبة. وهؤلاء الأطفال مطمئنون ومتأكدون من أنه لدى عودتهم إلى المنزل، سينعمون بما يحتاجون إليه من مياه نظيفة وبيئة تراعي كافة شروط النظافة والصحة العامة. في البداية، قد تبدو هذه المقارنة غير متكافئة! حيث إن فيينا هي بمثابة الجوهرة في تاج النمسا التي تعد من أغنى دول العالم، وبطبيعة الحال لا بد أن تتمتع دولة كهذه بأفضل شروط ومعايير النظافة والصحة. لكن هذا هو تحديداً ما يهم في الأمر، فبالتزامن مع احتفال العالم بيوم الأرض الخامس والأربعين، أصبحنا نشهد وعياً متنامياً لمسألة في غاية الأهمية، هي أن الاستدامة لا تقتصر فقط على البيئة النظيفة، بل يجب أن تشتمل أيضاً على النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية، وأن غياب أي واحدة من هذه الركائز الثلاث، سيضعف الركيزتين الأخريين ويؤدي إلى انهيارهما. مبدأ المقايضة إلا هذه الرؤية لا تزال مستهجنة أو غير مقبولة لدى الكثيرين. فبعض قادة الأعمال وخبراء البيئة لا يزالون يعيشون وفق نموذج القرن العشرين الذي يقوم على مبدأ المقايضة الذي يفرض حالة من التعادل أو عدم الربح وعدم الخسارة، فالحصول على هواء أنقى يترتب عليه بالمقابل خسارة فرص العمل وتراجع النمو الاقتصادي، كما أن تعزيز الرفاهية الاجتماعية يترتب عليه خفض الإنفاق على المياه النظيفة أو الهواء، وأما الحصول على بيئة أفضل فيتطلب في المقابل تقليص أنشطة الأعمال أو الإنفاق الاجتماعي. إن هذا النموذج في التفكير لم يعد مجدياً وبدأ يحل مكانه نموذج القرن الواحد والعشرين الذي يرتكز إلى عدم جدوى المقايضة في ما يخص تحقيق الازدهار والاستدامة، فكل منهما يشكل ركيزة أساسية لتحقيق التقدم المشترك. وبالتالي هناك علاقة وثيقة ومترابطة بشدة بين النمو الاقتصادي والسلامة البيئية والرفاه الاجتماعي، بحيث إن قدرة أي مدينة على الاستمرار أصبحت تقاس بمدى اعتمادها على هذه الركائز الثلاث للاستدامة. يوم الأرض وتماشياً مع ذلك، تحتفل «شبكة يوم الأرض»، وهي من أكثر الحركات البيئية تأثيراً، بالسنة الخامسة والأربعين لتأسيسها باعتبارها «سنة التكاتف بين النمو الاقتصادي والاستدامة». وعلى عكس العديد من الحملات البيئية المناهضة للعولمة والأعمال، تؤمن شبكة يوم الأرض بأهمية دور الاقتصاد في تحسين الظروف البيئية. وفي ضوء ذلك، بادرت الشبكة إلى إطلاق «حملة المدن الخضراء»، التي ترمي من خلالها إلى نشر الوعي بأن أي مدينة ينبغي أن تحقق معايير محددة لكي تصبح خضراء أو صديقة للبيئة، ويشمل ذلك كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، ونشر استخدام الطاقة المتجددة، وتبنّي سياسات عامة تقدمية، وتطبيق ممارسات عالمية في مجال التمويل والتعليم. ونحن في مدينة مصدر، حريصون على تطبيق هذه الركائز الثلاث، وماضون في تقدمنا نحو المستقبل مستلهمين العبرة من المدن القديمة التي لم تكن مبنية على مبدأ استغلال واستنزاف الطبيعة، وإنما التعايش معها. لذلك فإن العديد من ميزات السلامة البيئية والرفاه الاجتماعي في مدينة مصدر تستمد جذورها من مدن قديمة مثل أربيل في العراق ودمشق في سوريا، حيث الممرات الضيقة والمباني منخفضة الارتفاع توفر الظل من أشعة الشمس الحارة، وحيث المنازل تحتوي على فناء مركزي لامتصاص الضوء الطبيعي. المباني الخضراء إن مدينة مصدر تطبق اليوم هذه المبادئ نفسها، وهذا نراه في التزامها بالتصاميم السلبية ومعايير برنامج «استدامة» للمباني الخضراء. فأي زائر لمدينة مصدر سيلاحظ على الفور أن درجة الحرارة لدينا أقل بعشر درجات من مناطق أخرى في أبوظبي. كما أن معدل استهلاك مبانينا للطاقة يعد أقل بما يصل إلى 40% من معدل استهلاك المباني المماثلة في دولة الإمارات. وبما أننا نستهلك كمية أقل من الطاقة، فهذا يقلل من حجم نفقاتنا، ويوفر لنا مبالغ مالية يمكن استثمارها في تطوير التقنيات النظيفة. وبهذه الطريقة، تسير السلامة البيئية جنباً إلى جنب مع الرفاهية الاجتماعية والنمو الاقتصادي وفق نموذج متكامل ومستدام. وبالتزامن مع ذلك، يستمر نمو مدينة مصدر حيث أعلنا الأسبوع الحالي عن بدء العمليات الإنشائية في مجمع سكني مستدام يستند إلى معايير «البصمة الخضراء» لاستيعاب التزايد السكاني وخفض استهلاك الطاقة والمياه والنفايات، امتثالاً لرؤية قيادتنا الرشيدة وتوجيهاتها لبناء مدينة تتسم بانخفاض انبعاثاتها الكربونية وتقوم على ركائز الابتكار والاستدامة، وتشكل وجهة رائدة للمعرفة وللشركات العالمية. إن مثل هذه المدن تشكل بلا شك حلماً لفقراء العالم، لكن هذا الحلم يجب ألا يكون بعيد المنال. إذ تشير تقارير البنك الدولي إلى أنه في عام 1990، كان 22% من سكان العالم يعيشون في البلدان متوسطة الدخل، وقد ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 72% بحلول عام 2011. في حين تواصل بلدان العالم نموها وتطورها، فنحن واثقون بأن المعرفة التي نكتسبها في مدينة مصدر حول الأشكال الثلاثة للاستدامة ستوفر للعالم نماذج لا تقدر بثمن للعيش المستدام. * الرئيس التنفيذي لمصدر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©