الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

بوغيجيان وبرادة تستلهمان الحسّ الطفولي في ممارسة الرسم

بوغيجيان وبرادة تستلهمان الحسّ الطفولي في ممارسة الرسم
23 ابريل 2011 22:33
يُقام حاليا في متحف الشارقة الوطني للفنون معرضان الأول بعنوان “الحِراك البسيط الذي حرّك العالم” للفنانة المصرية آنا بوغيجيان و”شجرة العائلة” للفنانة المغربية إطو برادة وذلك ضمن بينالي الشارقة لدورته العاشرة التي تستمر حتى السادس عشر من الشهر المقبل، بمنطقة الفنون بالشارقة القديمة. وما يجمع بين المعرضين هو ذلك الحسّ الطفولي في ممارسة الرسم مع فارق هائل بين أعمال المعرضين. ففي حين تتسم أعمال آنا بوغيجيان بنوع من العقلانية حاملةً فكرةً مباشرةً من الواضح أنها تريد إيصالها لجمهور المعرض، فإن أعمال إطو برادة، أو الأعمال التي يشتمل عليها المعرض الذي يحمل اسم إطو برادة، تحمل طابعاً نادراً في فطريتها وعدم تقصّدها الجمهور وبساطة فكرتها التي تلامس “السذاجة” بالمعنى الإيجابي للكلمة. إن الرسالة التي يحملها “الحراك البسيط الذي حرّك العالم” تنطوي على رسالة ذات طابع سياسي واضح وموقف مسبق من ما يدور حولها في المنطقة، لكن الرسوم يتقاطع فيها الطفولي مع الكاريكاتوري الذي يتكئ على وجود كلام مرافق لأغلب الأعمال، وذلك بهدف أن ينقل إلى المتلقي أثَرُ انتقال البشر وحراكهم الاجتماعي بين أمكنة وأزمنة وكذلك أثر انتقال الأفكار بين الناس والمدن المكتظة بحثا عن مصادر رزق بديلة بعد أن ضاقت المنطقة العربية بالبشر وأفكارهم وغُصّت بالتسلط والقمع الذي تتم ممارسته على الإنسان وأفكاره من قبل قوى داخلية وخارجية وما تركه ذلك على المنطقة من احتلالات وإعادة احتلال وما تركه على المرتحلين من اغتراب في مدن كبرى أذابتهم في أتونها وجعلت من الواحد منهم آلة تعمل فحسب. ويشعر المرء أمام الأعمال الكثيرة في معرض آنّا بوغيجيان كما لو أنها قد رُسمت تحت تأثير انفعال واحد، فالخطوط التي بقلم الرصاص حادّة وقوية وسريعة إلى حدّ معه يظن الناظر إلى هذه الأعمال أن بوغيجيان قد نفذت فكرة موجودة مسبقا في ذهنها قامت بصبّها دفعة واحدة على الورق، من فرط ما أنها تشبه الطريقة التي يرسم بها الأطفال والذي من الممكن تنفيذه اتكاء على خبرات واسعة في هذا المجال من الرسم الذي يستفيد من روح هذا النوع من الرسم لإيصال الفكرة بأسرع ما يمكن، ثم تضيف بوغيجيان ضربات من الألوان المائية على السطح التصويري هي غالبا زاهية، حيث تتجاور هذه الطفولة مع التعبيرات المؤلمة لما آلت إليه المنطقة وما آل إليه البشر فيها، وحتى في أعمالها التي يظهر فيها العمق أو البعد الثالث فإنها لا تخلو من نزق الطفولة الذي تمارسه بوغيجيان في الأعمال الأخرى رغم اكتظاظ هذه الأعمال بالعناصر التي تبدو متفرقة ومتجانسة معا. غير أن أعمال “الحراك البسيط الذي حرّك العالم” لا تدّعي أنها قد توقعت ما يحدث اليوم في المنطقة العربية أو تكهّنت به، بل إنها باختصار تقدم في التكوينات الطفولية تلك الآثار التي تركها الانزياح الهائل في أعداد البشر والاختلالات التي أحدثتها الهجرات والتهجيرات القسرية في المنطقة عبر مسار البشر، في عالم محكوم بالعولمة جعل من العالم الثالث عالما ثالث عشر من الطراز الأول. بالمقابل، فإن معرض “شجرة العائلة” بالأعمال القليلة التي ضمها هي شأن آخر فردي تماما والقصد منه هو غير فني أبدا ولم يجر تنفيذه بالأصل كي يتجاوز الحاجة الوظيفية المنوطة به. باختصار، اختارت إطو برادة رسومات ورموزا هي أكثر شبها بالطلسمات من دفاتر عتيقة ثلاثة لجدتها العجوز التي حملت اثنتي عشرة مرة فبقي ممن ولدتهم على قيد الحياة عشرة، ولأنها أمية فقد قادتها عبقرية الفطرة إلى اكتشاف طريقة غرائبية بالفعل لتبقى على اتصال مع أبنائها وأحفادها، فسجلت أرقام هواتفهم بالخطوط والنقاط والأشكال البشرية الطفولية دون أن تدرك أن كل إشارة أو نقطة أو إشارة ونقطة معا تشيران إلى رقم بعينه بل تركت لمزيج من الحدس ورقي حساسية البديهة وحفظ شكل الرقم أن تقودها جميعا في آخر الأمر إلى إدراك أي من الأشخاص الذين يخصها تريده الآن، حتى وإن استعانت بواحد من أحفادها لكتابة الرقم لاحقا. ما بات الآن أعمالا من الممكن التعامل معها بوصفها أعمالا فنية محضة، جمعتها الحفيدة إطو برادة في صور فوتوغرافية حيث يبدو على الورق العِتْق والقِدَم ومرور الدهر الذي يشمه المرء في المخطوطات، لكن الناظر إلى هذه الأعمال بطابعها الفطري الطفولي تجعله يشعر بالهيبة أمام هذا الذكاء الحادّ بل وربما الجنون الخاص والغريزي الذي تمتاز به أعمال هذه المرأة، حيث عناصر كل عمل على حدا هو سرّ من العسير إدراكه لكنه فاتن للعين إنْ تذكّر المرء أن الطفل الذي رسم هذه الأعمال هو امرأة أمية. ولا تخلو البعض من الأعمال من الطرافة، إذ تبدو بعض الشخصيات على نحو مبالغ به بالبدانة أو جرت “الخربشة” على وجه شخصية لامرأة، كما لو أن ذلك هو موقف شخصي في الحالين من شخصيتين محددتين، وقد يكون موقفا جماليا أيضا. غير أن الشخوص جميعا تكاد تكون بلا هوية جنسوية فلا ملامح محددة للوجوه بل تلك الخطوط الحادّة للجسد وقد رُسمت بقلم رصاص عادي كان يحتاج إلى مبراة. في أية حال، فإن “الحراك البسيط الذي حرّك العالم” بقدر ما يثير الفكرة المدوِّخة في الرأس فإن “شجرة العائلة” يسبب الإدهاش الذي تنتجه المخيلة الغرائبية.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©