الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العصر الفاطمي يشهد ظهور الشخصية الإسلامية في صناعة الزجاج

العصر الفاطمي يشهد ظهور الشخصية الإسلامية في صناعة الزجاج
17 سبتمبر 2008 23:26
وتعد صناعة الزجاج من أقدم الفنون التطبيقية التي عرفها الإنسان بعد اكتشافه النار، ويندر ان نجد أمة لم تعرف صناعة الأواني الزجاجية خاصة في منطقة الشرق الأدنى التي أحرزت نجاحات واضحة في هذا المضمار قبل الإسلام· وتنقسم منتجات الزجاج الأولى إلى نوعين أحدهما بلا زخارف والثاني يحتوي على زخرفة متباينة، فمنه نوع ذو ثنايا وضلوع وكان الصناع يصلون الى انتاجه بواسطة نفخ الزجاج في قالب، ومنه نوع ذو رسوم منفوخة في قالب من جزءين أو جزء واحد· وقوام الزخرفة في التحف الزجاجية ذات الرسوم المنفوخة في القالب الدوائر ذات المركز الواحد والكتابات والرسوم الهندسية وزخارف أخرى تشبه خلية النحل· ومن أشهر أنواع الزجاج ذي الزخارف نوع ذو خيوط مضافة ومضغوطة في سطح الإناء برسوم متدرجة وملونة تكسب التحفة نوعا من الزخرفة الشبيهة بتعريقات الرخام· وتعد مصر والشام أكثر الأقاليم الإسلامية التصاقا بتقاليد فنية واحدة نظرا لخضوعهما معا لحكم البيزنطيين قبل الإسلام ثم لدول متعاقبة منذ عهد الطولونيين والفاطميين الى الاتراك العثمانيين وانعكست هذه الظروف السياسية على منتجات الزجاج في الاقليمين فبدت شديدة التشابه حتى ليصعب على أدق المتخصصين في ظل غياب النصوص التاريخية الحاسمة ان يقطع بنسبة التحف الى مصر أو الشام· وخلال العصر الفاطمي أخذت صناعة الزجاج تتخلص من التقاليد القديمة الموروثة لتكتسب شخصية فنية متفردة· ففي مصر ازدهرت مراكز صناعة الزجاج في الفسطاط والأشمونين والفيوم والإسكندرية· والى جانب الطرق التقليدية استخدمت في زخرفة الزجاج طريقة التذهيب وظهرت أيضا آنية الزجاج المزخرفة بألوان البريق المعدني، وأجمل منتجات الزجاج في العصر الفاطمي تلك القطع السميكة التي حاول بها الزجاجون تقليد أواني البللور الصخري ''الكريستال'' ومن أمثلتها مقلمة تنسب إلى القرن السادس الهجري ''12م'' كانت محفوظة بمتحف الدولة في برلين وتحطمت أثناء الحرب العالمية الثانية· ومن التحف الزجاجية المشهورة أقداح تعرف باسم كؤوس القديسة هدويج وهي مصنوعة من الزجاج السميك الثقيل ذي الزخارف المقطوعة والمضغوطة· وتعود هذه التسمية الى وجود كأسين من هذا النوع ضمن مقتنيات هذه القديسة الألمانية التي توفيت سنة 1243م· وتتميز هذه الكؤوس بهيئتها الفريدة التي تشبه شكل الدلو أو السطل وتظهر قاعدتها بارزة إلى الخارج في حين غطي سطحها بزخارف مقطوعة تمتد على مساحتها وتتألف هذه الزخارف من أسود وطيور ناشرة أجنحتها وأشجار ومراوح نخيلية· وبلغت صناعة الزجاج أوج مجدها في الشام ومصر أثناء حكم الأيوبيين والمماليك، وكان فخر هذه الصناعة تزيين التحف الزجاجية بالزخارف المذهبة والمموهة بالمينا· وكانت الريادة في إنتاج هذا النوع لبلاد الشام ومصر· وفي أواني الزجاج المموه بالمينا كثر استخدام رسوم الكائنات الحية مثلما نرى في دورق من الزجاج تنسب صناعته إلى حلب أو دمشق، إلى جانب الكتابات بخط الثلث بمنطقة عريضة فيها رسم لاثني عشر فارسا من لاعبي الصوالجة ''البولو'' وحول رؤوسهم هالات وفوق هذه المنطقة شريط من رسوم حيوانات تضم أرانب وكلابا وغزلانا ودبا ويفصل بعضها عن بعض ثلاث وريدات ذوات خمسة فصوص· وأجمل ما وصل اليه صناع الزجاج المسلمون يتجلى في صناعة المشكاوات المموهة المينا والتي ظل ما بقي منها موزعا بين المتاحف والمجموعات العالمية وهو حوالي ثلاثمائة مشكاة· ولا تختلف المشكاوات من حيث طرق الصناعة عن مصنوعات الزجاج الاسلامي الأخرى التي كانت تصنع بالطريقة القديمة وهي صهر الرمال ''اكسيد السليكون'' بعد خلطه بنسب معينة من الحجر الجيري بالاضافة الى نسب من كربونات الصوديوم وأكاسيد أخرى· واستخدمت في زخرفة المشكاة طريقة التذهيب والطلاء بالمينا عبر مراحل فنية متعددة إذ كان الصناع يضعون الزخارف المذهبة على المشكاة بواسطة الريشة بعد رسم الخطوط الخارجية بالفرشاة في المساحات الكبيرة وبعد أن تحرق المشكاة في الفرن للمرة الأولى يحدد موضوع الرسم باللون الأحمر ثم يطلى بالمينا المختلفة الألوان· ويتكون طلاء المينا نصف الشفاف من ذائب الرصاص ثم يلون بالأكاسيد المعدنية، فالأخضر أكسيد النحاس والأصفر من حامض الانتيمون والأبيض وهو معتم تماما من أكسيد القصدير· أما المينا الزرقاء والتي لعبت دورا مهما في زخرفة المشكاوات فقد كانت تصنع من مسحوق اللازورد مع زجاج شفاف· وفيما يتصل بالموضوعات الزخرفية التي كانت تزدان بها أبدان المشكاوات بألوان المينا المتعددة والخطوط المذهبة فقد خلت من رسوم الكائنات الحية واقتصرت على الزخارف الكتابية ورسوم النباتات والأزهار والإشكال الهندسية المتنوعة، لأن الغرض من صناعتها كان إضاءة المساجد التي حرص الفنان المسلم على ألا تضم زخارفها أي صور للكائنات الحية· وقد عرف الايرانيون طلاء الزجاج بالمينا ونقلوا هذه الحرفة الى سمرقند عندما حمل اليها تيمورلنك أمهر صانعي الزجاج الإيرانيين في بداية القرن التاسع الهجري ''15م'' واقبل الإيرانيون خلال العصر الصفوي على صناعة الأباريق والقنينات الزجاجية الطويلة الممشوقة وكانت شيراز أعظم مراكز هذه الصناعة· أما في تركيا العثمانية فقد ازدهرت الصناعات الزجاجية وخاصة قناني العطور النسائية والتي تأثرت زخارفها بمنتجات الشرق الآسيوي وبرع الأتراك في تقليد تنويعات الرخام في أوانيهم الزجاجية وخاصة مع استخدام اللونين الأبيض والأزرق· وشاعت في قصور العثمانيين ومساجدهم تغطية فتحات النوافذ بالزجاج الملون المعشق في مادة الرصاص واستخدمت رسوم الأشجار والزهور والأوراق النباتية في زخرفة هذه التغطيات التي تنم عن ذوق فني رفيع·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©