الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان يحيي شارع أبو نواس في العراق

رمضان يحيي شارع أبو نواس في العراق
18 سبتمبر 2008 00:11
عاد شارع أبو نواس ليرسم ملامح الفرح على وجه مدينة مثقلة بالهموم رغم كل نقاط التفتيش الصارمة التي تستوطنه من بداية الشارع في منطقة الباب الشرقي، وانتهاء بمنطقة أرخيته في ضاحية الكرادة الشرقية· ويجد البعض أن عودة ''أبو نواس'' بحدائقه، ومقاهيه التي تصدح باسطوانات لمقامات يوسف عمر، والقبانجي وقد غصت بالرواد الذين يلهبون أكفهم وهو يضربون على طاولات الدومنة يتخاصمون تارة ويضحكون أخرى ''أمرا طبيعيا''، فيما يرى كثيرون في عودة النشاط إليه دلالات ترتبط بعودة الأمن الذي انفلت لسنوات تلت الغزو الأميركي، معولين على صولات القوات الأمنية في البصرة، وبغداد، والموصل وأخيرا في ديالى· وإذا كانت دلالات عودة الحياة إلى الشارع الذي يعتبره أهل بغداد ''رئة عاصمتهم'' فإن شوارع ومقاهي ونوادي ومتنزهات ومزارات ومناطق سكن أخرى بحاجة لأن تعود رغم كل الجراح، تيمنا بعودة ''أبو نواس'' الذي تفوح منه ذكريات قديمة مع أسماكه وحطب النار التي تضيء صفحة مياه دجلة· يأمل بغداديون أن تبدأ الحياة بالعودة إلى طبيعتها انطلاقا من شارع أبو نواس الذي يرتبط اسمه بالسمك ''المسكوف'' ومحاله، وباعته القدامى ومنهم: قدوري العبيدي، وكاظم العامري، ومحسن شلاكه هؤلاء الذين سطروا تاريخ المدينة من خلال المكان· ولسمك العراق مثل ''الشبوط''، و''البني''، و''الكطان''، و''الجري''، و''الحمري'' حكايات وتسميات وطقوس أكل وصيد خاصة بعضها رافق حياة سكان بلاد الرافدين من أيام السومريين، وبعضها حل ضيفا من الحضارات المجاورة للعراق، وبعضها عبر القارات· إلى ذلك يقول، صاحب واحد من ستة مطاعم مازالت تستقبل زبائنها في شارع أبو نواس، قدوري العبيدي: ''للسمك العراقي لذة لا تشبهها لذة في كل صنوف أسماك العالم، ولا أحد يجيد شواءه على النار الهادئة ليصبح ''مسكوفا'' إلا العراقيين''، لافتا إلى أن شارع أبو نواس متخصص بمثل هذا النوع من الأكلات''· ويضيف العبيدي، الذي عليه أن يجتاز يومياً حواجز عسكرية مقامة عند طرفي الشارع، أن ''العلاقة بين العراقي وبين السمك النهري علاقة قديمة تمتد إلى علاقة السومريين بشواطئهم التي كانت تبدأ من وسط العراق (زقورة بابل) حتى تلتقي بمياه الخليج العربي بعد أن يلتقي دجلة بالفرات في ''القرنة''، هناك حيث تتسع مياه الأهوار لتغمر أكثر من ثلثي مساحة جنوب العراق حيث موطن السمك النهري العراقي الذي يعتاش على أنواع من الغذاء لا تتوفر في بيئة أخرى بما فيها البيئات العراقية غير الجنوبية''· ويقول عطا الملا حمادي، الذي عاش منذ طفولته في شريعة الكرخ (الشريعة هي مكان صيد السمك في النهر ومكان رسو الزوارق في الوقت نفسه):'' في عام 1959 استورد العراق أصنافاً متعددة من الأسماك من الأنهار الكاريبية (من كوبا تحديدا) بعضها يستفاد منه في قتل مسببات مرض البلهارسيا في أنهار العراق وبعضها مخصص للغذاء''، موضحا أن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم أطلقها في أنهار العراق لتعيش جنبا إلى جنب مع أصناف السمك العراقي الأخرى''· وتنبهت السلطات العراقية المختصة، وفق حمادي، إلى غياب أصناف السمك النهري العراقي كالشبوط والكطان والبني والبز وغيرها منذ البدء بتجفيف أهوار الجنوب منتصف تسعينيات القرن الماضي فأقامت، أخيرا، مشروعاً لتربية تلك الأنواع بكلفة وصلت إلى 8 مليارات و200 مليون دينار عراقي يهدف إلى إعادة الأصناف العراقية إلى الأنهار بعد أن شهدت تراجعاً كبيراً خلال العقود الأخيرة· انتفض أبو نواس وسمكه ''المسكوف'' على الأوضاع المتدهورة فطرح نفسه وعرض أزهاره وحدائقه على أبناء بغداد خلال شهر رمضان· وعادت نيران أسماكه لتضيء مياه دجلة التي تراجعت بنسبة ''خطيرة'' أضرت بجمالية الضفاف التي سجلت على مر العصور أسماء المئات من صيادي السمك· ويؤكد الملا حمادي (53 سنة) أن الطلب على السمك في ''أبو نواس'' يزداد كثيرا في الشهر الفضيل قياسا إلى الأيام الأخرى، ما يدفع الصيادين إلى التعاقد مع محلات الشواء فيه على بيع كميات كبيرة منه إليهم لتقديمها إلى الزبائن الصائمين الذين عادوا بعد استتباب الأمن إلى حياتهم الطبيعية· وتزدحم مطاعم الشارع المطل على النهر قبل الإفطار لتناول السمك المشوي على الحطب، حيث يتوافد الزبائن على الشارع لاختيار نوع وحجم الأسماك الحية التي تسبح في أحواض خاصة مليئة بالمياه، لحجزها ومن ثم رفعها من الحوض لشقها وتنظيفها ومن ثم شيها، لتقدم طازجة مع أرغفة الخبز الحار والسلطة التي تتكون عادة من الطماطم والخيار والبصل إضافة إلى المقبلات الأخرى والمخللات رغبة الزبون بعد رفع أذان المغرب· ومثلما عاد أبو نوأس، يرجو عراقيون أن يعود شارع الرشيد الذي تحول إلى ممر للعربات الخشبية ومعرضاً للباعة المتجولين، وهجر الناس أسواقه ومن بينها ''الصفافير''، و''سوق البزازين''، و''صبابيغ الآل''، واختفى كذلك ''خان مرجان'' المقابل لجامع مرجان والذي كان مطعمه الشهير قبلة لكبار زوار البلد الذين يتوقون إلى الاستماع إلى شعوبي إبراهيم وهو يعزف على السنطور أمام العملاق يوسف عمر وهو يحلق في مقاماته البغدادية·
المصدر: بغداد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©