الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نثْرٌ كأنّه··· شعر!

نثْرٌ كأنّه··· شعر!
18 سبتمبر 2008 00:29
أهداني الشاعر البحرينيّ الصديق علي الشرقاويّ مجموعةً من الكتب على هامش الدّورة الأولى لعكاظيّة الجزائر للشعر العربيّ، ومنها ديوان له بعنوان: ''مخطوطات غيث بن اليراعة''· وقد اشتمل على مجموعة من الكتابات النثريّة التي يسمّيها أصحابُها شعراً· ويتّسم هذا الضربُ من الكتابة الأدبيّة لدى علي الشرقاويّ بقصر النّفَس، ويبدو أنّ ذلك كان منه مقصوداً، فكثير من كتاباته لا تجاوز صفحة وبعض صفحة· ونحن كثيراً ما تساءلْنا في حيرة من أمرنا: ما يمنع أمثال هؤلاء الكتّاب الشعراء، أو الشعراء الكتّاب، الذين يحاولون الجمع بين النثر والشعر في كلام واحد: ما كان يمنعهم من أن يقولوا شعراً خالصاً ويستريحوا، أو نثراً خالصاً ويستريحوا، ويُريحوا؟ ويبدو أنّ أمثال هؤلاء يريدون استفزاز النقّاد وتحيير القرّاء قبل كلّ شيء، وإلاّ فما معنى أن يكتب كاتب منهم كلماتٍ يسوّد بها أسطار صفحات كتاب من كتبه، في صورة نثر خالصٍ هو أقرب إلى الخاطرة منه إلى أيّ شيء آخر، ثمّ يصرّ مغالطاً النّقّاد والقرّاء، إلى أنّه إنّما يكتب شيئاً هو ''قصيدة النثر''، والحالُ أنّ النثر لا يكون قصيدة أبداً· وإذا كان النّقّاد كثيراً ما يقسُون على الناظمين فلا يشفع الميزان العروضيّ والقافية لهم، لديهم، في أن يَعُدّوا منظوماتهم من الشعر الخالص، فكيف ينتظر أمثالُ هؤلاء الناثرين الشعراء أن يُقرّ لهم النّقّاد الجادّون بشعريّة نثرهم، وهم لا يَعْدُون كونهم يكتبون خواطرَ منثورةً ليس فيها من مقوّمات الشعريّة شيء يسترعي الانتباه؟ وأسوق إلى القرّاء الكرام خاطرة، ولا أقول قصيدة، كتبها علي الشرقاوي بعنوان: ''كتابة ثانية'' من كتابه المذكور آنفاً، (صفحة 9) يقول: ''ما الذي يملكه معناك يا هذا؟ مساءان ضبابيّان في الروح يُطلاّن على مستقبل الماضي· غريب غامض تمشي ولا تمشي· لماذا يركض النعناعُ في الطين ولا تركض في لوني· آخيتَ ندى الضّدّ واسترخيتَ· في رأسك طفل لبستْه خيمة المعنى· سماء أنت يا هذا''· إنّ كلّ ما في الأمر أنّ الكاتب هنا يحاول أن يأتيَ بصورٍ شعريّة في نثره ويلعب باللّغة مثل ''يطلاّن على مستقبل الماضي''؛ و''لما ذا يركض النعناعُ في الطين ولا تركض في لوني''؟ غير أنّ قراءة مثل هذا الكلام يسبّب قلقاً وغبْنا للقارئ الذي يودّ لو يربطه بمثل هذا النّصّ رابط إيقاعيّ ما، يدخل على نفسه متعةً ما، لا أنّه يقرأ خاطرة متناثرة الصور المستحيلة الوقوع، حتّى يلتحق مثل هذا الكلام بالشعر من أجل ذلك فقط· وإذا كان كثير من النقّاد الذين لا يهوَوْن مثل هذا الشكل من الكتابة يتسرّعون في اتّهام أمثال هؤلاء الناثرين الشعراء بأنّهم لا يكتبون مثل هذا الشكل من الكتابة إلاّ لعجزهم عن كتابة شعر التفعيلة، فإنّا لا نشاطرهم الحكم، حيث قد يستطيع هؤلاء أن يكتبوا شعر التفعيلة··· وليس عليهم إلاّ أن يأتوا ذلك إن أرادوا أن يُقرّ لهم النقد بالشعريّة الحقَّةِ··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©