السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوسف سلامة يحلل رواية سر الصّبر الفلسفية لجوستين غاردر

يوسف سلامة يحلل رواية سر الصّبر الفلسفية لجوستين غاردر
18 سبتمبر 2008 00:37
صدرت في دمشق ترجمة لرواية فلسفية أدبية بعنوان ''سر الصّبر'' لجوستين غاردر عن دار الفرقد، وقد ترجمها إلى العربية خلدون النبواني· تقع الرواية في 382 صفحة من القطع المتوسط، وقد امتدت على ما يشبه الفصول التي اتخذ كل فصل منها اسم ورقة من أوراق اللعب، فهناك ''أس البستون'' و''زوج البستون'' إلخ·· وهناك ''أس السبات'' و''بنت السبات'' و''أس الديناري'' و''شيخ الديناري''· إنها رواية تتكلم من خلال 52 ورقة لعب ومن خلال الجوكر الذي يرى بعيداً جداً، وجيداً جداً· وقد قدم للرواية في طبعتها العربية وحللها المفكر الدكتور يوسف سلامة، فعرّف بها باعتبارها نصاً يمزج فيه المؤلف مزجاً تركيبياً مبدعاً وخلاقاً بين الفلسفة والأدب، فالرواية تنتظم في هذا الجنس الأدبي، مما يسمح بوصفها بأنها رواية قد اكتملت لها، وتحققت فيها جملة الخصائص الفنية التي لا يكون العمل روائياً دونها أبداً، غير أن الرواية من ناحية أخرى، يمكن النظر إليها بوصفها نصاً فلسفياً أصيلاً قد تحول المؤلف فيها من كونه أديباً، فصار فيلسوفاً، وعلى الرغم من صعوبة الفصل هنا بين الفلسفة والأدب وبين الفيلسوف والأديب، فإن ''غاردر'' قد نجح وباقتدار في أن يترجم أعمق الأفكار الفلسفية بأسلوب أدبي رفيع ومتميز، كما أن عناصر المتعة والجمال والتشويق ظلت حاضرة في هذه الرواية الفلسفية، مما جعل الطابع الأدبي فيها قوياً قوة الطابع الفلسفي جنباً إلى جنب· الرواية والفلسفة ويتوقف الدكتور سلامة عند الجانب الأدبي في الرواية فيقول: إن الفن الروائي يحظى بأكبر قدر من عناية الفيلسوف الأدبي، فلغة الرواية لغة حية ناتجة بصورة أساسية عن التخيل الذي يلعب دوراً حاسماً في إنتاج الفن الأدبي من خلال ما يخلقه النظم البديع للنص الأدبي من فسحة تمارس فيها مخيلة القارئ لعبها الحر مع ذاتها من ناحية، ومن خلال الحوار الخلاق الذي تمارسه هذه المخيلة مع النص الإبداعي ذاته· وقد اضطلعت لغة الرواية بهذا الأداء المتميز من خلال لغة درامية متدفقة نجحت في أغلب الأحيان في إنتاج بنية فنية تماسكت فيها لغة بسيطة، وأحياناً شبه عامية، مع لغة رفيعة المستوى، ولكن دون إسراف، فنجم عن ذلك كله أن امتلكت اللغة مقدرة على التعبير عن الأحداث تعبيراً إبداعياً لا يمكن مخيلة القارئ من التفاعل مع النص وحسب، وإنما أيضاً من إكماله، بل والتمرد عليه أحياناً· ويحلل المفكر سلامة شخصيات العمل الروائي، فيرى أنها قد رسمت على الأغلب رسماً دقيقاً، وما يعنيه الرسم الدقيق هنا هو النمو الداخلي المستخرج من صميم الحياة ذاتها لشخصيات هذا العمل· وقد يخطر على بال بعضنا التساؤل عما إذا كان من الممكن للطفل في هذه الرواية (هانس ـ توماس) أن يقدم أفكاراً فلسفية؟· والجواب على ذلك هو أن شخصية هذا الطفل قد ظلت عبر العمل كله شخصية متماسكة ومقنعة، لأننا غالباً ما وجدنا أنفسنا أمام طفل مشاكس قليلاً ومتمرد كثيراً، متسائل بصورة دائمة· وهذا يعني أن (هانس ـ توماس) لم يقدم الأجوبة الفلسفية وإنما اقتصرت مهمته أصلاً على طرح الأسئلة· وهذا ما جعل الأجوبة التي تصدر عن الفيلسوف الأب مقنعة لا من حيث هي إجابات، وإنما من حيث هي عناصر قد وردت في سياقها الصحيح· ولعل هذا على الضبط ما جعل شخصية الفيلسوف هنا تبدو وقد رسمت بطريقة مقنعة جداً· ومما يزيد في إقناعنا بواقعية هذه الشخصية، ذلك القدر الهائل من الإنسانية، بل والفطرية التي خلعها المؤلف على شخصية هذا الفيلسوف، فهو يدخن ويشرب الكحول ويغضب ويسرف في بعض الأمور· كما أنه واقع في حب امرأة هي زوجته التي غادرت المنزل منذ وقت طويل، ورحلة الفيلسوف وابنه في هذه الرواية قد تكون في أحد جوانبها رحلة لتأكيد قيمة الحب الذي يحياه الفيلسوف ويحتاج إليه الطفل الفيلسوف حاجة ماسة أيضاً· حبكة معقدة أما عن الحبكة الروائية في ''سر الصبر'' فيؤكد الدكتور سلامة أننا إزاء حبكة شديدة التعقيد، الأمر الذي يستدعي من القارئ بذل جهد كبير لاستجماع عناصرها الموزعة والمشتتة عبر أزمنة وأمكنة متعددة جداً، الأمر الذي يجعلنا بإزاء نوع من السرد ينزاح انزياحاً نسبياً عن السرديات الأدبية في الرواية التقليدية من غير أنه ينفصل عنها انفصالاً تاماً، ولكنه انزياح يلعب دوراً هاماً في جعل التفاعل ممكناً، بل وخلاقاً، بين الأدب والفلسفة، أو بعبارة أخرى بين ملكتي المخيلة والعقل، وهكذا نجد أنفسنا بإزاء نص سردي من الناحية الأدبية، وبإزاء مضمون فلسفي عميق من الناحية العقلية· وعن الأسلوب السردي في الرواية فيمكن عزل خطين سرديين رئيسيين فيها، أحدهما يتطابق مع السر والآخر يتطابق مع الصبر· السر هو الذي يتبع المنحنى السردي المتجه إلى الماضي، غير أن الهدف الثاني وهو الأشق والأصعب، والذي لا سبيل إلى تحقيقه إلا عبر الصبر هو اكتشاف الحقيقة، وإذا كانت الحقيقة هنا يعبر عنها في الكشف عن شجرة العائلة، فإن هذا لا يعدو أن يكون سطحاً ينبغي تجاوزه بسرعة، الهدف الحق هنا هو تبين علاقة الوجود بالخالق أو المصور أو الفاعل، وتكشف الرواية بالفعل عن هذا السر عبر صبر أبطالها· ولكنها لا تكشف لنا عنه إلا عبر تقنيات القص وفاعلية السرد· ويتطرق المفكر الفلسفي د· سلامة إلى الجانب الفلسفي في رواية ''غاردر'' فيرى أن المؤلف لجأ إلى القص أو السرد باعتباره أداة للتعبير عن مضمون الأفكار الفلسفية التي يريد إبرازها، وربما لم يكن المؤلف هنا قد أتى بدعاً أو جديداً، فأفلاطون كان هو أول من استخدم الحوار في التعبير عن الأفكار الفلسفية· كما أن العصور الحديثة قد كشفت لنا من خلال ما تم إنتاجه من أدب طوباوي عن المقدرة الهائلة للقص والسرد في التعبير عن الخبرات الفلسفية والتجارب الروحية التي يود هذا المفكر أو ذاك عرضها علينا· ويضيف سلامة: إن النقطة الأعمق في الجانب الفلسفي في هذه الرواية هو جملة الأسئلة التي يتم طرحها عبر صفحات هذه الرواية بأكملها، فهناك أسئلة تتصل بالوجود وأصله ومصيره، وهناك أسئلة تتصل بواقعية الموجودات أو مكونها مجرد أحلام وخيالات· ويؤكد سلامة أن هذه الرواية تستهدف إبراز دور الفيلسوف وتحاول الكشف عن أهمية هذا الدور، ولكنها قبل هذا وذاك تحاول أن تمنح الفيلسوف ''الجوكر'' شرعية يستمد منها مسوغات وجوده من ناحية ومسوغات تفكيره من ناحية أخرى· يذكر أن جوستين غاردر كاتب نرويجي وأستاذ للفلسفة وتاريخ الفكر في جامعة أوسلو، ولد في الثامن من أغسطس عام ،1952 وقد ذاعت شهرته بعد روايته ''سر الصّبر''، لكن روايته (عالم صوفي) هي التي نقلته إلى العالمية، حيث ترجمت إلى لغات كثيرة، وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لمدة طويلة، وقد حصل غاردر على العديد من الجوائز منها جائزة ويلي برانت في عام 2004 ووسام سانت أولاف من الملكة النرويجية ودرجة فخرية من كلية ترينتي في دبلن عام 2005.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©