الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا والعناصر المطلوبة لإعادة بناء الأمم

أميركا والعناصر المطلوبة لإعادة بناء الأمم
3 ديسمبر 2009 00:17
من المتوقع أن تركز الاستراتيجية الأميركية المعدلة عن أفغانستان، والتي أعلنها أوباما، على تخصيص موارد جديدة لتدريب قوات الأمن الأفغانية، وتعزيز سيطرة الحكومة، وهو أسلوب للتعامل مع الأزمة الأفغانية يتوقع أن يحيي مجددا جدالا حول حدود وإمكانيات عمليات بناء الأمم. فمن الصومال، إلى كمبوديا، إلى تيمور الشرقية، والبلقان في تسعينيات القرن الماضي، إلى العراق اليوم كان سجل الدول الكبرى في عملية بناء الأمم مختلطاً، أي متراوحاً بين النجاح والفشل، عندما كان الأمر يتعلق بتأسيس حكومة ناجحة ومستقرة في تلك الدول الممزقة بالحروب والفتن. يرجع ذلك إلى أن المجهود الذي تتطلبه تلك العملية طويل، ومكلف من ناحية، وأن النتائج الملموسة التي تتمخض عنها غالبا ما تكون من النوع الذي يصعب قياسه بدقة في غالبية الأحيان، علاوة على أن الدعم المطلوب للانخراط الطويل الأمد في تلك العملية كثيرا ما يكون صعبا المحافظة عليه. وقد أبدى أعضاء الكونجرس الأميركي بالفعل تشككا في جدوى ضخ مليارات الدولارات الإضافية في حرب تقودها أميركا في أفغانستان، لم تُظهر حتى لحظتنا هذه، سوى تقدم ضئيل نحو جعل تلك الدولة قادرة على إدامة نفسها بنفسها. "لن تستطيع أن تكسب حرباً عندما يكون نصفك في الداخل والنصف الآخر في الخارج" هذا ما يقوله الأدميرال البحري المتقاعد "تي. هاوي" الذي قاد جهداً أميركياً سيئ الحظ عام 1993 لإعادة بناء الصومال بميزانية لا تزيد عن 856 مليون دولار، انتهى بعد ستة شهور بعد معركة شوارع دامية بين المليشيات الصومالية وبين القوات الأميركية نتج عنها مصرع 18 جندياً أميركيا مما دعا الرئيس "بيل كلينتون" في ذلك الوقت إلى إصدار أوامره بسحب قواته من ذلك البلد الذي دمرته الحروب والفتن. لا يزال الأدميرال"هاوي" الذي يعيش الآن في فلوريدا، مقتنعا بأن مهمته في الصومال كان يمكن أن تنجح لو كان قد حصل على الموارد الكافية. ويقول الأدميرال أيضاً:" ولكن العملية كانت ستتطلب بعض الوقت وهو ما يدعوني للقول الآن إن الأمر في أفغانستان سوف يحتاج إلى بعض الوقت أيضا". بشكل عام، يتفق الدبلوماسيون والمسؤولون الرسميون الذين انخرطوا في الماضي في عملية بناء أمم، على أن تلك العمليات تعمل بأفضل طريقة ممكنة، عندما تكون الأطراف المتحاربة على استعداد لصنع السلام". وهم يرون أنه على الرغم من أهمية الدور الذي تلعبه الانتخابات في إضفاء الشرعية على الحكومات، إلا أنه يجب عدم التعجل في هذه العملية، والتركيز في الأساس على إنشاء مؤسسات دائمة لأن هذا هو الشيء الأهم. وهم يرون أيضا أن الأهداف التي يتوخاها المجتمع الدولي من وراء هذه العملية يجب أن تكون واقعية ومتواضعة على أن يراعى في ذات الوقت استشارة الخبراء الإقليميين والدول المجاورة في هذا الأمر وإطلاعها على خطوات هذه العملية أولاً بأول. كما يجب أن تتم عملية بناء الأمم بواسطة أبناء الدول المعنية، مع مساعدة خارجية عند الحاجة كما يقول أحد الدبلوماسيين.. وقبل كل شيء يجب أن تكون هناك موارد كافية. "إن وجود المزيد من القوة البشرية والمزيد من الأموال يحقق نتائج أفضل "هذا ما يقوله الدبلوماسي الأميركي السابق "جيمس إف. دوبينز" الذي يعمل الآن لدى مؤسسة "راند" وصاحب الخبرة العريضة في عمليات بناء الأمم في الصومال، وهايتي، والبوسنة، وكوسوفو، وأفغانستان. كانت تيمور الشرقية نقطة انطلاق لعملية أخرى لبناء الأمم، يعتبرها البعض أكثر مشروعات بناء الأمم طموحا. فبعد أن صوت سكان الجزيرة على الاستقلال في استفتاء دعمته الأمم المتحدة، حاصرت القوات الإندونيسية المدعومة بالمليشيات التيمورية المؤيدة لها الجزيرة وعاثت فيها فساداً. واتبعت هذه القوات سياسة الأرض المحروقة حيث دمرت الطرق، ونسفت الجسور، ونهبت المنازل، وأضرمت النار في المباني الحكومية، ووسائل المواصلات، والفنادق. يقول "بيتر دبليو جالبريث" الدبلوماسي الأميركي السابق الذي عمل من قبل ضمن طاقم موظفي الأمم المتحدة في تيمور الشرقية أن المجتمع الدولي الذي خصص مبلغ 500 مليون دولار لهذه العملية وجد نفسه مطالبا بالبدء من نقطة الصفر، إذ كان يتعين على التيموريين أن يقرروا ليس فقط شكل الحكومة التي يريدونها، وإنما أيضا اللغة التي سيتحدثون بها، والعملة النقدية التي سيستخدمونها. وكانت الميزة التي تتمتع بها تيمور، والتي جعلت من هذا المبلغ الذي يبدو ضئيلا لحد ما كافيا للمضي قدما في عملية بناء الأمم هناك، هو صغر حجم السكان واتفاق التيموريين كلهم تقريباً على ضرورة الاستقلال عن إندونيسيا. بعد ذلك كُلفت الأمم المتحدة بالأشراف على إدارة البلاد حتى أصبحت جاهزة للاستقلال والسيادة الكاملة في عام 2002. لقد نجحت عملية بناء الأمم هناك لأن كل المعنيين كانوا متفقين على الشكل النهائي للدولة وفي رأي "جالبريث" أن سبب فشل تلك العمليات في أماكن أخرى يرجع في معظم الأحيان إلى أن بعض الأطراف المشاركة في هذه العمليات تكون لا تزال منخرطة في حالة صراع. وهناك أسباب أخرى قد تؤدي إلى فشل تلك العمليات منها محاولة القوى الخارجية المنخرطة فيها فرض رؤاها على الدول المعنية، دون اعتبار للظروف الفريدة لكل بلد. يقول عديد من الخبراء المنخرطين في عملية بناء الأمم في أفغانستان إن الكثير من تلك الأخطاء تتكرر الآن في هذا البلد. من هؤلاء الأخضر الإبراهيمي، دبلوماسي الأمم المتحدة العريق، الذي عمل كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان، وبعد ذلك في العراق، كما أدار مؤتمر برلين عام 2001 الذي على أساسه تشكلت الحكومة الأفغانية التالية، فهو يرى أن الشيء الناقص الآن في أفغانستان هو اتفاق جميع الفرقاء الأفغان بما في ذلك "طالبان". ويعترف الإبراهيمي أنه عقب انتهاء مؤتمر برلين كان ينبغي التحرك فورا للاتصال بالفرقاء الذين لم يكونوا ممثلين في المؤتمر. ويقول "إن الاتفاق المسبق لكافة الفرقاء أمر لا غنى عنه" ويضيف "إذا ما قدمنا وعودا قليلة وأنجزنا أشياء كثيرة أفضل كثيرا من أن نعد بالكثير ولا نحقق سوى القليل". يتفق معه "الأدميرال هاوي" في ذلك ويقول أن نتيجة الانسحاب الأميركي من الصومال كانت كارثية حيث انهارت تلك الدولة، وتحولت إلى ملاذ لـ"القاعدة". وهو يرى إنه ما لم يتم الاستفادة من دروس الصومال في أفغانستان، فإن العواقب سوف تكون أكثر خطورة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: واشنطن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©