السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استقالة فياض... تحدٍّ فلسطيني جديد

استقالة فياض... تحدٍّ فلسطيني جديد
20 ابريل 2013 22:45
آرون ديفيد ميلر مفاوض أميركي سابق في محادثات الشرق الأوسط تمثل الاستقالة الوشيكة لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، التي أعلن عنها الأسبوع الماضي، نبأ غير جيد للغاية بالنسبة للحكومة الفلسطينية. ورحيل فياض قد يساعد على كشف بعض أساطيرنا التي تواصل تشويه رؤية الكتل الناخبة المختلفة للقضايا التي تقسم المنطقة، والتي آن الأوان كي نوسدها الثرى: وهذه الأساطير هي: 1- أسطورة الوحدة الفلسطينية: كانت حماس (والبعض في فتح أيضاً) تنظر إلى فياض على أنه عقبة كبرى في طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية للمناطق الفلسطينية، والمفروض الآن بعد خروجه من المسرح أن تزول هذه العقبة وتتكثف المفاوضات الرامية لتشكيل تلك الحكومة. ولكن المتوقع، هو ألا يؤدي تكثيف المفاوضات لتحقيق الوحدة، وإنما إلى كشف حقيقتها هي... أي كشف حقيقة أن المفاوضات كانت عبارة عن سلاح سياسي تستخدمه «حماس» و«فتح» لإلهاء الرأي العام عن القضايا الحقيقية. فالوحدة الفلسطينية بمعنى بندقية واحدة، ومفاوضات واحدة، واستراتيجية واحدة، وسلطة واحدة، هدف غير قابل للتحقيق في الواقع على الأقل في الوقت الراهن، لأن ما يقسم الفلسطينيين ليس عدد المقاعد في البرلمان ولا السلطة التي يجب تقاسمها، وإنما اختلافات جوهرية حول هوية الدولة الفلسطينية، ومتى يجب تحقيقها. باختصار: الوحدة الفلسطينية مشكلة حقيقية. ورحيل فياض سوف يساعد على كشف هذه المشكلة. 2- أسطورة «الفياضية»: إذا ما قدر لدولة فلسطين التبلور، فسوف يتم تذكر فياض، باعتباره صاحب رؤية ساعدت في خلق تلك الدولة. فهذا الخبير الاقتصادي المتخرج من الجامعات الأميركية هو واحد من المسؤولين الفلسطينيين الكبار مما يدافعون علناً عن مفهوم الحكم الرشيد، وبناء المؤسسات. وتجربته في الحكم كانت ناجحة بأي مقياس من المقاييس، على رغم العوامل المضادة الهائلة في خلق استراتيجية واقعية لوضع الأساس المؤسسي للدولة. ولكن النهج الذي اتبعه فياض في ذلك هو البناء من الأسفل إلى الأعلى، من خلال التركيز على بناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية (المستشفيات والعيادات والطرق)، وإصلاح الأجهزة الأمنية، وجعل الحكومة الفلسطينية أكثر قدرة على العمل وأكثر شفافية وقابلية للمساءلة. وعلى رغم أن التركيز على بناء المؤسسات من القاعدة إلى القمة كان هدفاً جديراً ببذل الجهد من أجله، إلا أنه لم يتم إسناده أبداً بعملية سلام موازية من القمة للقاعدة تركز على الموضوعات المعروفة بموضوعات الوضع النهائي وإيجاد مسار لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة في نهاية المطاف. فلو تحقق كل ذلك، لكانت لدى فياض حجج قوية يواجه بها منتقديه.. وفضلاً عن ذلك كانت لهذه العملية -بناء المؤسسات- حدود يجب أن تنتهي عندها وخصوصاً مع الأخذ في الاعتبار سيطرة إسرائيل على مساحات واسعة من الضفة الغربية، وقيود مفروضة من قبلها على الحركة والدخول والخروج للأراضي. وأكثر من هذا فإن فياض الوطني الفلسطيني الأصيل أصبح الرجل المفضل لدى الغرب وإسرائيل، وهو ما أدى إلى تآكل مصداقيته لدى الفلسطينيين التي اقتصرت على قدرته على لعب دور الشخصية الفنية القادرة على تسيير أمور حياتهم وجعلها أكثر سلاسة، دون أن يوفر لهم نهاية للاحتلال الإسرائيلي في حد ذاته. 3- أسطورة القيادة الفلسطينية: الراهن أن استقالة فياض تسلط الضوء على حقيقة أخرى مؤلمة، وهي أن الحركة الوطنية الفلسطينية تواجه أزمة قيادة ذات أبعاد تاريخية. ولا تقتصر المسألة على الانقسام إلى سلطتين ومنطقتين فحسب، وإنما تتجاوز ذلك بكثير. فلو افترضنا أن رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس ترك المسرح لسبب أو لآخر، فإن منظمة «فتح» ستنقسم بسبب عدم وجود خلف له على عكس ما كان عليه الحال، عندما غاب ياسر عرفات، حيث كان هو -عباس- موجوداً كخلف له معترف به. وفي الحقيقة لا توجد حتى الآن أي شخصية فلسطينية بارزة ومعترف بها وطنياً يمكنها المحافظة على تماسك السلطة الفلسطينية. والاسم الوحيد الذي يذكر كخلف محتمل لعباس هو مروان البرغوثي، ولكنه يقضي الآن عدة أحكام بالسجن مدى الحياة في سجن إسرائيلي. 4- أسطورة عملية السلام: لن يكون لاستقالة فياض أثر محسوس على احتمالات التوصل لاتفاقية لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لأن احتمال تبلور مثل هذه الاتفاقية في الوقت الراهن ضئيل تماماً. فاستقالته ستحبط المانحين، وتقلق الأميركيين، وتزعج الإسرائيليين، الذين سيفقدون باستقالته حليفاً رئيسياً في الجهود الرامية لقصر عملية السلام على النهج الذي يبدأ من أسفل لأعلى (أي إقامة المؤسسات أولاً قبل التطرق إلى قضايا الوضع النهائي) كما أن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية سيفقدون بذهابه رجلاً كرس جهوده لذلك النوع من الشفافية والقابلية للمحاسبة، والتطور المؤسسي الذي كان كفيلاً في حالة استمراره بجعل حياتهم أفضل على نحو مطرد. واستقالة فياض مع ذلك ستكون لها فائدة أخرى، تتمثل في أنها ستعيد الموضوعات الحقيقية مرة أخرى لبؤرة الاهتمام. وهذه الموضوعات لا تتمثل في التطوير المؤسسي، ولا المصالحة بين «فتح» و«حماس»، ولا انبعاث عملية السلام التي يأمل الوزير الأميركي الجديد جون كيري في إحيائها مجدداً، ومنحها القوة الدافعة. ومن المؤكد أن عملية السلام ستمضي قدماً، ولكن السلام الحقيقي ممكن فقط عندما يكون الإسرائيليون والفلسطينيون جاهزين لدفع ثمن القضايا التي تحرك السلام وهي الحدود، والقدس، واللاجئون، والأمن. والأمر المؤكد في الوقت الراهن هو أن الظروف القائمة ليست جاهزة لذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©