السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألعاب شياطين

ألعاب شياطين
20 ابريل 2012
(القاهرة) - ملامحها حادة وصوتها أجش أقرب إلى أصوات الرجال، طغى ذلك على جمالها الطبيعي الواضح، وأخفى الرؤية عن أنوثتها، تثير المخاوف في نفوس المتعاملين معها، رغم أنها لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها، إلا أن حياتها مملوءة بالأسرار والأحداث المثيرة والغريبة التي لا يتخيلها العقل ولا يصدقها، كأنها حكاية من الخيال، غير متعلمة ولا تعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها «معجونة» بالمكر والدهاء، تعرف كيف تتصرف وتعيش وسط الوحوش. تمردت «دينا» على كل شيء حولها منذ طفولتها، بداية من الفقر الذي تعيش فيه أسرتها وصولاً إلى رفض الخنوع أو المذلة، وتأكيد المساواة مع الرجال، لأنها ترى أنه لا فرق بينها وبين أي شاب ممن حولها، ليس أمامها إلا العمل أجيرة في الحقول، لكن ذلك لا يرضي غرورها وطموحها، هي لا تريد أن تكون من أبناء الذوات ولا من الهوانم، وإنما صاحبة كلمة ومال بلا سيطرة من أحد، فهي تكره تلقي الأوامر، لا تقبل أن تكون تابعة لأي شخص مهما كان، والويل لمن تسول له نفسه أن يدخل معها في حوار من أي نوع، سيخرج مهزوماً مدحوراً، وفي الغالب، فإنه سيفقد كرامته؛ لأنه سيتعرض للإهانة سواء كان على حق أو على باطل. كان الجو صيفياً حاراً عندما أجبرتها الأسرة على العمل في أحد الحقول، وقبلت على مضض، وهي تتمتم بكلمات غير واضحة ولا مفهومة، يظهر على وجهها الضجر والرفض، وفي عينيها غضب واضح، ودخلت في عراك مع الرجل المكلف بالتعامل مع العمال لمجرد أنه طلب منها الوقوف في الصف ليعرف عددهم ويوزعهم على المناطق، مزقت دفاتره وهي تصب على رأسه الشتائم والإهانات، ولم يستطع أن يقترب منها عندما حاول أن يضربها، لأنها حذرته من أن خسائره ستزداد، والأفضل له أن يقف عند حدوده؛ لأنها ليس لديها ما تخاف عليه، وعادت إلى البيت من حيث أتت. لم تكن في البيت أحسن حالاً، بل هو الأسلوب نفسه مع أبيها وأمها وإخوتها، أو بالأحرى هم جميعاً كذلك، الأب متعطل بلا عمل، ينتظر ما يأتيه به أبناؤه من التسول أو من العمل الوهمي الذي يقومون به في إشارات المرور في المدينة المجاورة وهم يبيعون المناديل الورقية أو يدعون وهما أنهم ينظفون السيارات المتوقفة لدقيقة أو دقيقتين بصورة أخرى مقنعة للتسول، والأم تجلس هناك في جانب من موقف السيارات تعد الشاي للسائقين الذين لا تسلم من نظراتهم وأطماعهم، لولا أنها تتعامل مع الجميع بحسم شديد وتقطع عليهم الطريق من أوله فتعاملوا معها مثل الرجال، وورثت ابنتها «دينا» منها تلك الحدة والصرامة وهي في سن مبكرة. كانت الفتاة تتصرف مثل الذكور، حتى في ملابسها كانت تتشبه بهم، ومن يراها على بعد لا يعرف إن كانت ولداً أم بنتا، إلا بعد أن بدأت ترتدي عباءة سوداء وقرطاً كبيراً يتدلى من أذنيها إلى رقبتها، مع عصابة سوداء أيضاً فوق رأسها يبدو منها كثير من شعرها الناعم وعرفت التدخين مبكراً ولا تخجل من ذلك على الملأ أو وسط جمهرة من أي جمع أياً كان، وكعادتها لا يجرؤ أحد على التعليق على المشهد وإلا فإنه سيسمع ما لا يرضيه لأنه تدخل فيما لا يعنيه، وعلى من استنكر ذلك إلا يزيد على الإنكار الصامت. المنطقة التي تقيم فيها «دينا» عشوائية فقيرة، يلتقي معظم سكانها على البلطجة والإجرام والسرقة وفي أحسن الأحوال التسول، فهذه الناحية توجد بها المقابر ويندفع الأطفال عند كل حالة وفاة يسألون المشيعين أموالهم، لكن دينا ترفض ذلك الأسلوب تماماً، وفي الناحية الثانية الزراعات ويعمل بها البعض، وهي ترفض ذلك أيضاً، تبحث عن عمل تجد فيه نفسها ويرضي غرورها مع أنها بلا إمكانات إلا من بعض الجمال والإصرار اللذين تلقفهما «سيد» وبحنكة ضرب على الأوتار عندها، لم يجد أي صعوبة في استدراجها للعمل معه في تجارة المخدرات مع أن هذا العمل يتطلب رجالاً بلا قلوب أو بقلوب ميتة، يكونون مستعدين للموت والمراوغة والمواجهات وأيضاً المعارك والمشكلات، هي لا ينقصها شيء من ذلك. ولأنها فتاة فلن تكون مهمتها أيضاً صعبة؛ لأنها بعيدة عن الشكوك والتفتيش ولم تكن لها قضايا سابقة أو اتهامات في الشرطة حتى الآن؛ لذا ستكون عنصراً جيداً في ترويج البضاعة، لكن الخلاف وقع سريعاً بعد عدة أشهر بين دينا وسيد؛ لأنها ترفض أن تعمل لحسابه، وهي لها شخصيتها المستقلة وتتحمل المجازفة وهو يجني الأرباح، والحقيقة أن عينيها زاغتا نحو الأموال الطائلة التي يحصل عليها بلا مجهود، وتساءلت: لماذا لا تفعل ذلك لنفسها، وهي لا تقل كفاءة عنه، صارحته برغبتها في الانفصال التجاري لأنها تريد أن تعمل بمعزل عنه، وان كان التعامل بينهما سيستمر؛ لأنه هو الذي سيأتيها بالبضاعة وعليها ترويجها لحسابها وبمعرفتها، لكنه رغم الفارق الكبير بينهما في العمر فهي في الثامنة عشرة وهو قد تخطى الثلاثين، فإنه أعجب بتفكيرها وجرأتها ورأى أنها امرأة غير عادية فعرض عليها التكامل التام من خلال الزواج. لم تكن «دينا» صيداً سهلاً أمام «سيد»، فإن كانت وافقت بالفعل على الزواج، فقد أصرت على الانفصال التجاري؛ لأن هذا هو أفضل الحلول، تنظر بعيداً إلى الأمام، تتحسب لأي حادث قد يقع بينهما، اعتادت ألا تأمن لرجل، وكذلك لا تسلم نفسها ولا أمورها لأي شخص والحياة الزوجية شيء والتعامل المالي شيء آخر، ووافق على شروطها لأنه يرى أنه لن يخسر من وراء تلك الصفقة، فإن بقيت على ذمته، فالمال في النهاية في بيته وبين يديه، وإن تركته لأي سبب فلن يدفع فلساً من جيبه وكلها مكاسب سهلة. يبدو أن التفاهم كان مفقوداً بين الزوجين وظهرت الخلافات واضحة من الأيام الأولى، فهو يريد امرأة يتحكم فيها ويكون صاحب الكلمة عليها، وهي ترفض ذلك كله، وترى أنها شريكته في البيت والقرارات وكل ما يخصهما وليس له الحق في أن يفرض عليها أي رأي، بل لا يتدخل في أي شأن من شؤونها مهماً صغر أو كبر، ووصلا إلى طريق مسدود، ورغم شخصيتها العنيدة والمتصلبة فقد طلبت منه الطلاق بالحسنى ورفض ولم تستسلم وأقامت دعوى طلاق أمام المحكمة. واصلت «دينا» تجارتها في جميع أنواع المخدرات وعرفت كل أسرارها وابتدعت أساليب للترويج والتخفي والتهريب لا تخطر على بال الشيطان، وأصبح الكبار في هذا المجال يحسبون لها ألف حساب، يخطبون ودها ويخشون غدرها وسطوتها بعدما صار لها أتباع وصبية ورجال ينفذون أوامرها قويت بهم شوكتها، حتى أنها تحدت «سيد» وأعلنت زواجها من شاب يقاربها في العمر لا يكبرها إلا بأربع سنوات، وتم الزواج بالفعل قبل أن تقول المحكمة كلمتها وتفصل في طلاقها من زوجها السابق الذي قدم بلاغاً ضدها بتهمة الجمع بين زوجين، وبالفعل تم القبض عليها هي وزوجها الجديد، وأحيلا إلى النيابة التي قررت حبسهما على ذمة القضية، ثم تم إخلاء سبيلهما بعد ذلك إلى أن تتم محاكمتهما. أصبحت الحرب علنية بين «سيد ودينا»، كل الأسلحة متاحة فيها، لم يكن أي منهما خصماً شريفاً، وراح يستخدم كل الأوراق التي بين يديه مهما كانت قذرة، فهما أساساً يعملان في أجواء بعيدة عن الأخلاق والدين، فماذا بقي لهما كي يحافظا عليه، البحث مستمر عن المكر والخديعة والسباق على أشده، كل منهما يتعجل الوسيلة التي يبيد بها خصمه اللدود، فهي حياتها توقفت ومهددة بالسجن في تلك القضية التي أكد لها المحامون أنها ستخسرها وقد تصل العقوبة فيها إلى السجن من ثلاث إلى خمس سنوات، صحيح أنها لا تخاف السجن، لكن تخشى أن تدخله قبل أن تنتقم منه وترد له اللطمة. أراد «سيد» أن يستفزها ويؤكد لها أن الرجال غير النساء وأنها لا تستطيع أن تفعل ما يفعله، فقرر الزواج سريعاً لأن هذا سيجعلها تأكل نفسها وإن لم تكن تغار عليه ولا تريده، لكنها تشعر بالنار لمجرد إحساسها بالضعف والهزيمة، وقد كان محقاً فيما فعل لأنها تحولت إلى نمرة شرسة بمجرد علمها بزواحه لأنه تفوق عليها، فقررت أن تحول انتصاره إلى هزيمة نكراء تجعله يستسلم ويرفع الراية البيضاء، والمهم أن يسبقها إلى السحن قبل أن تدخله. أعدت «دينا» كمية من المخدرات، وفي ليلة زفاف «سيد» كلفت أحد رجالها بوضعها فوق سطح منزله، ومع بداية الحفل قام آخر بإبلاغ البوليس بأن «سيد» يحتفظ بكمية من المخدرات فوق منزله، قامت قوة بمداهمة المكان وكانت المعلومات صحيحة، فقد تم ضبط المخدرات والقبض على سيد في ليلة عرسه وبجانب ذلك كمية أخرى كان يحتفظ بها في غرفة النوم، وإن كانت التحقيقات قد كشفت مكيدة دينا إلا أنه تم حبسه بتهمة الاتجار في المخدرات في الكمية التي تم ضبطها في غرفة نومه، و»دينا» لا تهتم بعد ذلك بما ينتظرها من أحكام، يكفي أنها انتقمت وشفت غليلها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©