الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمارات.. درس زايد

الإمارات.. درس زايد
3 ديسمبر 2009 00:57
تنفتح نافذة، وتطل منها طفلة على الصحراء الشاسعة، نشاهد معها، أو بالأحرى بعينيها، قسوة الأوضاع التي كانت سائدة في ستينيات القرن الماضي، والنقص الشديد في أبسط الخدمات، وقسوة الطبيعة حين تمارس “بخلها” وشحَّها لندرك كم كانت صعبة وشبه مستحيلة تلك الوثبة الهائلة التي وثبتها الصحراء لتصبح “دولة الإمارات العربية المتحدة”. هكذا يبدأ فيلم “زايد.. القائد الحكيم الإنسان” الذي أنجزته المخرجة السينمائية المقيمة في بريطانيا الدكتورة نعمات حماد، فاتحة في الوقت نفسه باباً واسعاً على التجربة الإماراتية. أما الطفلة فليست سوى رمز يشير إلى الرؤية المستقبلية التي كانت تحكم مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله” التي ركزت على بناء الإنسان لا العمران، وأما الصحراء فحكاية طويلة وممتدة من العمل لبناء الأوطان، وهي الدرس الذي ينبغي قراءته مرة بعد مرة. والحديث عن الإمارات وتجربتها لا يستقيم من دون الحديث عن صانع هذه التجربة الرائدة، الفارس الطالع من عمق الصحراء ليقود عصر التحولات ويبني دولة عصرية ما تزال نجاحاتها تتواتر، كما يقول معظم الذين كتبوا عن زايد خاصة من الرحالة الذين رأوه وهو يخط على الرمال حلم الاتحاد، فرسموا له صورة زاهية ومشرقة. رجل البلاد المنتظر يتحدث أغلب الرحالة الأوائل الذين عرفوا الشيخ زايد عن قرب في سنوات الحلم والتأسيس بوصفه “رجل البلاد المنتظر”، و”فارس شجاع مقدام”، وصاحب شخصية قوية بلا طغيان ولا تجبر بل بتواضع يبرز واضحاً في مناحي سلوكه المختلفة. كما يتحدثون عن علاقته الخاصة والمميزة مع رعيته وحبه للبدو، ومشاركته لهم في أفراحهم وأتراحهم. ولا تخلو كتب الرحالة من مديح لحكمته وذكائه وحسن تقدير الأمور والعناية بما يقوله الآخرون، والاهتمام بشؤون الناس وتغليب مصلحتهم على كل ما عداها. ويضيف بعضهم صفات أخرى ويسهبون في وصف ما يمتلكه من الفضائل والخصال الحميدة، ومساعدة المحتاج وإنصاف المظلوم والوقوف الى جانب الضعيف والحدب على الأطفال وكبار السن، وتقديرهم وتوقيرهم واعتبارهم رمزاً للكفاح الصعب في مواجهة شظف العيش وقسوة الطبيعة وقدوة ينبغي أن تحتذى من الشباب. ويجمع كل من كتب عن زايد “رحمه الله” على أنه شخصية إصلاحية، وحْدَوية، عقلانية، على وعي كبير بتاريخ المنطقة، ودراية وخبرة واسعة في تحويل الآمال الى واقع ويستشهدون على ذلك بما حققه من إصلاحات وتطوير في منطقة العين في وقت مبكر جداً وفي ظل موارد مالية شحيحة وقليلة، إلى ذلك وصف سموِّه بأنه رجل يملك حلماً كبيراً يحقق لأبوظبي والإمارات غداً أفضل وحياة رغيدة. ومن أجل ذلك الحلم ولأنه آمن أن الثروة ليست ثروة المال بل هي ثروة الرجال سخَّر جميع الإمكانيات من أجل بناء الإنسان. رب أسرة يصف الرحالة الإنجليزي ويلفرد ثيسجر المعروف باسم (مبارك بن لندن) أول لقاء له مع رئيس الدولة عندما كان في مدينة العين بقوله: “عندما اجتزنا الكثبان الرملية، رأينا قلعة ترتفع إلى عشرة أمتار، وحولها مجموعة من أشجار النخيل، وخلف تلك الأسوار من بعيد جبال عمان، وأمام القلعة جلس بعض الأعراب الذين أشار مرافقي إلى أحدهم وهو يقول: هذا هو الشيخ زايد يجلس على الأرض معهم.. وحملنا بنادقنا، وعصا الجمال، وحييناهم، وتبادلنا الأخبار مع زايد الذي كان رجلاً قوي البنية، في الثلاثين، ذا لحية بنية اللون، ترتسم على محياه ملامح الذكاء، عيناه ثاقبتان، هادئ السلوك، قوي الشخصية. كان لباسه متواضعاً يرتدي ثوباً رمادي اللون من القماش العماني وصدرية مفتوحة، وغطاء رأس أسود ينفرد به عن بقية الاتباع، وكان هذا الغطاء يمتد إلى كتفيه ولا يتكور فوق رأسه كما هو متبع، وكان يتمنطق بخنجر وجناد للرصاص ويضع بندقيته إلى جانبه فوق الرمال، وكنت متشوقا لرؤيته لشهرته بين قبائل البدو، فقد أحبوه لعطفه ومشاعره المتعلقة بالصداقة وقوة شخصيته وقوته الجسمانية، وكانوا يقولون في إعجاب “زايد بدوي ويعرف كل شيء عن الجمال، ويستطيع أن يركبها ويضرب الرصاص، وهو ماهر في الرماية ويجيد القتال، ويسمع شكوى الرجال، ويقر العدل في مجلسه”. ويضيف ثيسجر في معرض تعليقه على أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم قائلاً: “وزايد رب أسرة كبيرة يجلس دائما للإنصات لمشاكل الناس ويحلها فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء وكلهم رضا من أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل”. حنكة سياسية أما المؤرخ كلارنس مان الذي ألف عام 1964 دراسة واسعة عن أبوظبي، بعد زيارة طويلة لها، فتنبأ بأن الشيخ زايد سيكون الحاكم المنتظر لإمارة أبوظبي كلها، ومما قاله عن سموه: “إن الشيخ زايد هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها ومن هنا امتد نفوذه إلى ارض الظفرة، وان البدو ليحترمونه، وقد كرس الشيخ زايد بن سلطان المال القليل الذي توافر لديه للقيام بإصلاحاته في منطقة البريمي. ويرجع إليه فضل بسط نفوذ أبوظبي على البادية. ويرشحه كل هذا، إلى جانب عدالته وروحه الإصلاحية، وقدرته السياسية إلى أن يكون رجل البلاد المنتظر في إمارة أبوظبي. نعم.. فيه كل صفات البدو يحب الجمال.. وخاصة الجمال العمانية التي تعتبر أسرع جمال في العالم. يحب القهوة العربية المرة المصنوعة من قشر البن والهيل. يحب الخيول العربية الأصيلة.. وله شهرة كبيرة بين رجال البدو كأحسن فارس. يجيد استخدام البنادق استخداماً ممتازاً. من هنا أحب البدو.. وأحبوه. فماذا صنع لهم خلال تلك الفترات الطويلة؟ الرجل يريد توطين البدو، ويعلم أن الزراعة هي أساس التوطين، لذلك اتجه إلى إصلاح الأراضي في مدينة العين. لقد قضى 20 عاماً في مدينة العين، احب القبائل وأحبته، فالرجل العظيم يحرص أشد الحرص على تطوير حياة البدو، وكم من مرة حاول الرجل إقناع البدو جميعا بسكنى المدن.. وأقام لهم المساكن التي تلائم أمزجتهم، ولقد نجح في ذلك كثيرا.. ومع ذلك أيضا فإن بعض القبائل فضلت أن تعيش في الصحراء. وهو يعلم أن نقل البدوي من حياة الصحراء إلى حياة المدن مرة واحدة ليس بالأمر السهل، وقد أمر سمو الأمير لهؤلاء البدو بكل ما يحتاجونه من مال ومن مواد غذائية، ومن سيارات، ومن مضخات لرفع المياه. وحتى في الصحراء.. لم تعد حياتهم بتلك القسوة القديمة.. لقد ساهم زايد في رفع مستوى حياة هؤلاء الرجال الذين عشقوا الصحراء”. طموح ووعي يؤكد ج.ج. لوريمر في كتابه معرفة صاحب السمو رئيس الدولة العميقة بتاريخ المنطقة وأريحيته وكرمه مع الضيف وطموحه السياسي لبناء دولة قوية، يقول: “قام زايد بحملة البناء والتعمير حيث باشر بإنشاء الطرقات وبناء المدارس والمساكن والمستشفيات وفي نفس الوقت، كان قد وضع في تقديره حاجة دول منطقة الخليج إلى قيام علاقات من التعاون. وعندما أعلنت بريطانيا عن نيتها في عام 1968 التخلي عن سيطرتها على منطقة الخليج في نهاية عام 1971 كان زايد قد أعد لذلك عدته، فاتفق مع حاكم إمارة دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم على مشروع لإقامة دولة اتحادية أي دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنذ رئاسته للدولة وهو يكرس أفكاره وقواه كلها للنهوض بأحوال البلاد والعباد”. وينقل لوريمر عن بعثة إعلامية عربية تصف حياة الصحراء.. وقبل أن تذهب في رحلتها إلى البادية، التقت بالشيخ زايد حيث كان يجلس أمام خيمة كبيرة بيضاء، وأمامه صقوره، وراديو ترانزستور، وبعض النوق التي يحلبون لبنها طازجا ليقدم له ولشيوخ القبائل الذين كانوا يجلسون من حوله. يقول: “بعدما صافحناهم دعانا الشيخ للجلوس. وكان طويل القامة، رشيق البنية، في عينيه بريق ذكاء وقّاد. ومنذ بداية حديثنا مع الشيخ زايد، وتعرفه على مهمتنا، قال لنا: هل تعرفون أن واحة ليوا كانت لها أهمية في القرون الماضية عن اليوم، رغم ما يقوله البعض من أن العالم لم يعرفها الا منذ القرن التاسع عشر؟! لقد كان أهلها في الماضي يعتمدون على النخيل والجمال والغوص، أما الآن وبعد انهيار صيد اللؤلؤ، فقد أصبحت الحياة فيها شاقة، خاصة بعد أن ضعف اعتمادهم أيضاً على الجمال والتمر. إن ليوا تمتد من الشرق إلى الغرب.. فهي تبدأ في الشرق عند قرية حميم وتنتهي في الغرب عند قرية “عرادة”.. وأننا لن نجد أناساً كثيرين، فبعض القرى التي سنمر بها لا يوجد فيها الآن اكثر من ستة أشخاص، وهم خليط من بني ياس والمناصير، وأغلب المناصير لا يملكون نخلاً وإنما يرعون في الصحارى”. هذا الوعي بقيمة التاريخ وأهميته لدى الشيخ زايد يؤكده البروفيسور د. ت. بوتس حيث يقول: “ليس خافياً أن العمليات التي سمحت بكشف النقاب عن فترة ما قبل التاريخ والتاريخ القديم للمنطقة التي تشكل اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة هي عمليات معقدة تتداخل فيها عدة عوامل ولا ريب أن الشغف العلمي للشيخ زايد دفعه إلى التساؤل حول قدم العديد من التلال في جبل حفيت ومنطقة هيلي ولفت نظر الباحثين ب ف غلوب و ت . ج بيبي إلى هذه المسألة، ولنا في ذلك خير دليل على أن الأفراد اليقظين المهتمين وغير المحترفين الذين تربطهم بأرضهم وبيئتهم علاقة وثيقة قادرون على تزويد علماء الآثار الذين لم يتآلفوا بعد مع طبيعة منطقة جغرافية معينة بمعلومات أثرية قيمة. لكن اهتمام الشيخ زايد بآثار بلاده لا يتوقف عند حدود بث المعلومات ونقلها بل يتخطى هذا المستوى بأشواط بعيدة، شأنه في ذلك شأن سائر حكام الإمارات السبع، والواقع أن الحكام شجعوا تقدم عمليات الاستكشاف والتنقيب الأثرية في دولة الإمارات إلى أبعد الحدود عن طريق تقديمهم الدعم المالي اللازم للعلماء والطلاب الذين اخذوا على عاتقهم القيام بعمليات التقصي والبحث في مختلف أنحاء البلاد ولم يضن الحكام بتقديم مستلزمات البحث كلها بما فيها السكن ووسائل النقل والطعام والعمال والمعدات وسواها من وسائل الدعم المختلفة لتتمكن الفرق الأثرية العاملة في الدولة بتكليف من السلطات المحلية المختصة بالآثار ومكاتب الحكام من إنجاز مهماتها على أكمل وجه”. حكمة وهيبة لفتت حكمة زايد وسداد رأيه المؤرخين فضلاً عن الشجاعة والجلد والهيبة، وتقديره لآراء من حوله وفهمه للمتغيرات السياسية، وسيرته الحسنة بين الناس وحب البدو له والتفافهم حوله، ويورد النقيب البريطاني أنطوني شبرد في كتابه “مغامرة في الجزيرة العربية” ما خرج به من انطباعات بعد لقاء سموه فيقول: “كان رجلا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي، وكان بلا شك أقوى شخصية في الدول المتصالحة، وكنت اذهب لزيارته أسبوعيا في حصنه، وكان يعرض علي عادة وضع السياسة المحلية بأسلوب ممتاز، وإذا دخلت عليه باحترام خرجت باحترام اكبر. لقد كان واحداً من العظماء القلة الذين التقيتهم، وإذا لم نكن نتفق دوماً فالسبب هو جهلي”. ومما يقوله كلود موريس في كتابه “صقر الصحراء”: “إن الشيخ زايد اكتسب سمعة حسنة بين الكشافة المتصالحة على انه رجل مرح وسخي. وهذا ما وجد نفسه في حاجة إليه في الظروف التي كانت تواجهه، فكان عليه أن يبدو محافظاً على مقتضيات الكرامة، كما كان عليه من ناحية أخرى أن يكون مرحاً مع الممثل السياسي البريطاني، ومع قائد القوات المتصالحة في العين وأن يساعدهما بعملهما الحساس في الوقت الذي يحمي أتباعه البدو من أي ضابط مبالغ في شدته”. أما العقيد بوستيد الممثل السياسي البريطاني فكان أحد المعجبين بكرم الشيخ زايد وأسلوبه في التغلب على المصاعب التي تعترضه فقد كتب بعد زيارة إلى العين: “لقد دهشت دائماً من الجموع التي تحتشد دوما حوله في البريمي وتحيطه باحترام واهتمام يستحقهما القديسون. كان لطيف الكلام دائما مع الجميع، وكان سخيا جدا بماله، ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفي المنطقة لمنفعة الشعب فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين وحفر الآبار وعمر المباني الإسمنتية في الأفلاج لكي يستحم فيها الناس. إن كل من يزور البريمي يلاحظ سعادة أهل المنطقة”. شخصية إصلاحية وتشير الكثير من التقارير الرسمية وكتابات الرحالة الى حب الشيخ زايد في تلك الفترة للتطوير وحرصه على تحسين أحوال المواطنين وعشقه للخضرة وحرصه على تطوير الزراعة فقد جاء في تقرير أعده المعتمد السياسي في أبوظبي: “قدم الشيخ زايد بن سلطان شقيق الحاكم قدراً كبيراً من التشجيع لسكان منطقة العين لاستغلال مصادر المياه الوفيرة والتربة الخصبة الى حد معقول لتحسين الزراعة فيها. وقد صرف مضخات معظمها من صنع هندي وياباني لصغار المزارعين بطريقة التقسيط المريح جداً. وقد طلب جرارا وعددا من المعدات الزراعية من انجلترا، ويجري طلب البذار وأشجار الفاكهة لزراعتها في الخريف وذلك من الولايات المتحدة والهند، وتجري مفاوضات لتعيين مستشار زراعي ومساعد له لكي يقيما في الواحة على نفقة الشيخ زايد. وهذه بوادر مشجعة جداً، ويؤمل أن تصل منطقة العين قريباً الى مستوى إنتاجية رأس الخيمة المشهورة أصلاً في الإمارات المتصالحة بفاكهتها وخضارها”. أما إم.إس. باكماستر فكتب الى المعتمد السياسي لصاحبة الجلالة دي. أف. هاولي عام 1958 يقول: “كان التطور الأكثر أهمية في قطاع أبوظبي هو افتتاح السوق الجديدة في العين في مطلع هذا الصيف. وقد موَّل الشيخ زايد هذا المشروع بالكامل ومع أنه كلفه أكثر من مائة ألف روبية، إلا أنه لا يتقاضى أي بدل إيجار عن استخدام الحوانيت التي يصل عددها إلى 25 حانوتاً تقريباً في السوق الذي بني على شكل شارع مغطى. وكما كان متوقعاً وربما كان الشيخ زايد نفسه يقصد ذلك من وراء بنائه، فقد اجتذب افتتاح هذه السوق عدداً من التجار من خارج قطاع أبوظبي، بما في ذلك تجار العين. كما كان من شأن هذه السوق سحب الأعمال التجارية من سوقي البريمي وحماسة اللتين أصبحت حوانيتهما الآن رديئة ومتداعية وقليلة السلع والزبائن بالمقارنة مع السوق الجديدة المزدهرة في العين، حيث تعرض للبيع تشكيلة من السلع أوسع مما يتوفر في أبوظبي”. ويضيف: “ثمة مشروع آخر للشيخ زايد جلب عليه قدراً ملموساً من السمعة الطيبة، وهو غرز أربعة ثقابات جديدة بالقرب من نبع عين الفلج. وقد وصلت هذه الثقابات الى قناة جديدة تحت سطح الأرض تم وصلها بالقناة الأصلية في الفلج، مما أدى إلى زيادة دفق الأخيرة بمقدار الثلث. ونتيجة لذلك، بعد أن كان الفلج يحتاج الى 60 يوماً لإكمال دورته لبساتين العين، أصبح الآن لا يحتاج إلا الى 36 يوماً مما قدم فائدة ملموسة لأشجار النخيل والمنانغا وغيرهما في البساتين، وإضافة الى ذلك، نفذ الشيخ زايد مؤخراً بعض أعمال التنظيف والإصلاح اللازمة جداً لفلج المعترضة”. رجل الوحدة يقول دي. أف. هاولي: “سألت الشيخ زايد إذا كان قد فكر على الإطلاق في كيفية إنفاق العائدات النفطية، إذا ما ثبت لحسن الحظ أن النفط المكتشف قبالة جزيرة داس يمكن استغلاله تجارياً، قال إنه لم يفكر كثيراً في المسألة، لكن الأشياء التي تجول في خاطره باعتبارها الأكثر إلحاحاً هي إقامة المستشفيات والمدارس وتحسين إمدادات المياه في القرى وتشجيع السكان المحليين على تحمل نصيب أكبر في الدفاع عن بلادهم. ولم أتحقق في هذه المرحلة من القصد من الملاحظة الأخيرة، ولكنني أعتقد انطلاقاً مما قاله لاحقاً ومن التقارير الأخرى التي تلقيتها من قوة ساحل عمان أنه ربما يفكر في تشكيل جيش او شرطة لـ أبوظبي في المستقبل”. وإذا كان هاولي يشير من بعيد لطموحات زايد الوحدوية فإن إم. س. باكماستر يوضحها بكل جلاء بقوله: “كل شعب المنطقة يعرف زايد حاكم المنطقة الشرقية قبل أن يتولى مقاليد حكم البلاد في أغسطس عام 1966، وكل شعب المنطقة كان يلجأ لزايد في مدينة العين باحثا عن حل عنده لأي مشكلة تعترضه.. وكان لديه حل لكل المشاكل.. وتولى زايد حكم البلاد. ولم تكن مفاجأة لي إعلانه بعد توليه حكم البلاد عن سياسته الداخلية والخليجية والعربية. فأنا أعرف الرجل.. أعرف مدى طموحه السياسي خدمة لأبناء أبوظبي ولأبناء الخليج، أعلم انه ينظر إلى أبعد من جدران حدود أبوظبي، بل من جدران الخليج العربي. أعلم أن الرجل يريد أن يحطم هذه الحوائط الوهمية التي تفصل بين أبناء المنطقة.. وأن تتم كل هذه الأمور بشكل سياسي وأخوي. فالرجل لم يكن يخفي طموحه وآماله عندما كان حاكماً في المنطقة الشرقية، كان يقول دائما: لو أمكن توحيد هذه البلاد في دولة واحدة قوية، لو أمكن ذلك فإن كثيراً من أمراض المجتمع سوف تختفي حتى لو لم يظهر البترول”. مولد قائد.. مولد وطن ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ونشأ في زمن صعب وشاق، افتقدت فيه أبوظبي مصدر الدخل الرئيسي لها (تجارة اللؤلؤ) بسبب تدني أسواقه العالمية من جراء الركود الاقتصادي العالمي في بداية الثلاثينات، بالإضافة إلى اختراع اللؤلؤ الصناعي الذي أدى وجود بدائل رخيصة الثمن للؤلؤ الخليج. وقد جعلته هذه التجربة القاسية والمريرة يعزم ويصمم على العمل بتفان وإخلاص من أجل تحسين أوضاع وأحوال شعبه باستخدام كل الإمكانيات المتاحة والمتوفرة في متناول اليد. بدأت تجربة الشيخ زايد في مجال الحكم في عام 1946 عندما تم تعيينه في عام 1948 مسؤولاً تنفيذياً لإدارة الحكم في العين حيث قام بتطوير العين والمناطق المجاورة لها، وأنشأ حقولاً ومزارع وعمل على تشجير جزء من الأراضي الصحراوية. وفي خلال العشرين عاماً أخذ زايد الذي كان مسؤولاً تنفيذياً ويعمل معتمداً على موارد البلاد التي كانت نادرة في ذلك الوقت يمضي قدماً في طريق الرقي والتقدم فأخذت العين في التطور. وتم العثور على أول بئر للنفط في أبوظبي عام 1958 وفي بداية العام 1962 بدأ النفط يصدر إلى الخارج من أبوظبي وأصبحت الحقول البترولية مصدراً جديداً لثروة البلاد، وشكلت بالتالي تحدياً جديداً. وفي خضم التطورات التي تلت ذلك وبما حققه من نجاحات وإنجازات إبان إدارته للحكم في العين انتخب زايد حاكماً لإمارة أبوظبي وكان ذلك في 6 أغسطس 1966 وهو التاريخ الذي تبدأ منه سيرة التجربة الوحدوية الوحيدة الناجحة في الوطن العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©