الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسئلة الحاضر وأجوبة المستقبل

أسئلة الحاضر وأجوبة المستقبل
3 ديسمبر 2009 01:08
الشباب مستقبل الأمة. وفي موازاة هذا القول يطرح مسرح الشباب بوصفه مستقبل المسرح. ومن هذا المنطلق تابعنا مهرجان دبي لمسرح الشباب (14 ـ 24 نوفمبر) في دورته الثالثة، وما حفل به هذا المهرجان من عروض وندوات وتكريم لبعض أصحاب التجارب المؤثرة في مسيرة المسرح الإماراتي، وتحديدا تكريم الكاتب والمخرج المسرحي ناجي الحاي وشهادته على تجربته، ثم تكريم الكاتب الراحل سالم الحتاوي الذي رحل في ذروة شبابه وعطائه. وكان الحصاد جيدا على مستوى بروز مواهب وطاقات شابة جديدة يتوقع أن ترفد المسرح الإماراتي بتجارب جديدة. عروض المهرجان الثمانية تفاوتت في كل شيء تقريبا، من حيث المستوى الفني والهموم والقضايا المطروحة، وأساليب الطرح. ولكنها تقاربت في طرح هموم شبابية مشتركة، تتصل بالعلاقة بين التراث والهوية من جهة والعولمة والحداثة من جهة ثانية. ومن جهة ثالثة ثمة رؤى شبابية جديدة للعمل المسرحي ودوره وعلاقته مع المجتمع والجمهور. علاقة متوترة بين تقديم الرسالة والاشتغال على الجماليات، وما بينهما من الجمع بين الشكل والأسلوب والمضمون. هنا وقفة عند ابرز العروض، وما حملته من قضايا وهموم وأساليب وجماليات. نبدأ بعرض يتعلق بهموم المسرح والمسرحيين، هو “المسرحية” من تأليف طلال محمود وإخراج مروان عبد الله صالح، وقام بالتمثيل فيها الفنان حسن يوسف (أدى دورا مركبا لممثل وفراش في المسرح) والفنانة بدور (قامت بدور ماكيير)، حيث الحوار يستمر حول المسرح وطبيعته ودوره، وخصوصا على لسان الرجل، فهو يعبر عن دور المسرحيين الذين يعتبرون “ضمير الناس” وفن المسرح الذي هو “فن في خدمة المجتمع”. وفي الأثناء تظهر ستارة مسرح داخل المسرح، وتظهر سلالم ورفوف كتب، بما يوحي بمقر فرقة مسرحية، فحكاية العرض تبدأ مع انكشاف الممثل عن فراش لمقر الفرقة لمدة ثلاث وعشرين سنة تشبع خلالها بالمسرح، يتابع العروض والمهرجانات والجوائز ويقرأ الكتب، الأمر الذي يجعله يشعر أنه أهم من كل الذين مروا على هذا المسرح، وأن في إمكانه أن يمثل الدور الذي يريد، وهو هنا يؤدي دور الممثل تحديدا. على صعيد الإخراج نجح مروان في غالبية جوانب العمل، لكن حركة الممثلين لم تكن موفقة في بعض الأحيان، لكنه اختار فريقا معقولا للصوت والإضاءة والديكور، فشاهدنا الكثير من المشاهد الفنية المتميزة، فقدم عملا يجمع الواقعي بالحلمي والفانتازي، وقدم الممثلان أداء مميزا في دوريهما. وينتهي العرض باستذكار رجالات قدموا للمسرح الإماراتي الكثير، منهم عبد الإله عبد القادر والسويسي ويحيى الحاج، وذلك في سياق التراجع الذي يشعر به الممثل- الفراش ما يجعله يصرخ “أين أيام سالم الحتاوي” التي لقيت الكثير من التصفيق من الجمهور. من أبرز هموم الشباب في عروض المهرجان مشكلة تتعلق بمشاكل جنسية، وتحديدا الإيدز، وآثاره الصحية والنفسية والاجتماعية، وهذا ما عالجته مسرحية “الزلة” بقدر من النضج الفني، حيث يظهر رجل في سرير، يهذي وينوح ويشكو الوحدة ويتمنى زيارة من أحد، وحين يفيض الكيل يغني باكيا “زوروني كل سنة مرة”، فيبدو كما لو كان في عمل مونودرامي، يخاطب امرأة غائبة وأبناء غائبين. يتذكر طفولته يتيم الأب، ثم يبدأ حديثا عن الكمبيوتر والخلاعة وارتياد الديسكوات والتقاط امرأة من هناك ويخشى أنها نقلت له مرضا نقله هو بدوره لزوجته فتوفيت، ما أصابه بتأنيب الضمير الدائم. وحين تظهر الممرضة لتعطيه الدواء يبدأ حوارا معها يسترجع من خلاله الكثير من الذكريات، وعلى أنغام عود حزين تتباين مستويات انفعال الممثل وهو يتحدث عن زوجة حينا وعن امرأة عابرة عاشرها. يتذكر بشرا وأمكنة مختلفة. وهذه نتيجة البحث عن اللذة العابرة والطائشة. مشكلات اجتماعية مثل الطلاق والعنوسة جرى أيضا تناولها بوصفها من هموم الشباب والشابات، ففي عرض “ممنوع اصطحاب الأطفال” تأليف محمد صالح وإخراج عبد الله سعيد بن حيدر، وأداء فضة عبد الله الذي ينتمي إلى “المونودراما” عرض الممثل الواحد، طرح لمشكلة عنوسة المرأة، من خلال شخصية قاربت الجنون والهذيان نتيجة إحساسها بالقهر وعدم وجود سند موضوعي في حياتها، لذلك جاء العرض ليمزج بين التفاصيل الذاتية للشخصية وبين العنوسة كمشكلة عامة، بوصفها واحدة من أكثر الحالات الاجتماعية انتشارا في المجتمعات العربية. نرى في العرض شخوصا متخيلة، مثل الجارة “أم جاسم” التي تدخل وهي غير موجودة واقعيا، وتقوم الشخصية بالحوار معها حول أطفالها، الذين هم أيضا أطفالا افتراضيين، كذلك ترد على مكالمة زوجها الغير موجود، أو على مكالمة شخص يقوم بمضايقتها طوال الوقت مع أنها تخبره بأنها متزوجة، وكل تلك الافتراضات تشكل مرآة عاكسة لرغبتها الدفينة للتخلص من العنوسة، ورغبة بالزواج والأمومة. في السياق ذاته كان واضحا الإرهاق الذي انتاب الشخصية نتيجة للقفزات السريعة بين حالة انفعالية وأخرى، وهو أمر يعود في جزء منه إلى طبيعة الشخصية التي ترتكز على حالة العصاب الذهاني، أو انفصام الشخصية، حيث يصبح ما هو واقعي افتراضياً، وما هو تخيلي واقعياً، وهو أمر يحتاج إلى مهارات كبيرة في الأداء ووقتا كبيرا للتدريب لم تكن المدة الزمنية كافية للاشتغال عليها، وهو ما صرح به مخرج العمل. ومن أبرز القضايا في عروض المهرجان قضية الهوية والصراع بين التراث ورموز العولمة، وقد تجسدت في صور عدة، كانت أبرزها صورة الصراع بين الرجل الطين الذي يصر على الاحتفاظ ببيته الطيني من جهة، وبين الرجل الزجاج الذي يجسد الأبراج ويدعي الحداثة متهما الرجل الطيني بالتخلف. الصراع ينتقل ليشتعل بين الرجل الطيني وزوجته الزجاج التي ترغب في التغيير، وتتأثر بالتغيير الذي أحدثته جاراتها، وتخضع للإغراءات المالية التي يقدمها الرجل الزجاج. وتتصاعد الحوارات بصورة مباشرة بين الممثلين الثلاثة حول التراث والحداثة، وفي عبارات مباشرة مثل الماضي والحاضر والمستقبل في موازاة الجيل القديم والجيل الجديد. وهو ما يفجر مشكلة اجتماعية كبرى. صراع الطين بدلالاته الحميمة والدافئة مع الزجاج بدلالاته الباردة، يستمر طوال العرض، ويستغل المخرج في تجسيد هذا الصراع أدواته الفنية من إضاءة وموسيقى، حيث يشهد العرض حضورا كبيرا للطبول التي تكاد لا تنقطع، وتتنوع صور الإضاءة تنويرا وتعتيما، وتتلون الإضاءة حسب اللحظة الشعورية للرجل الطيني خصوصا وللزجاج عموما. فهناك انتشار متسارع للزجاج يشعر معه الرجل الطيني بالوحدة والاختناق. القضية الأخيرة التي نود التوقف عندها من بين ما جرى عرضه في المهرجان، قضية الحرب، كما تجسدت في عمل بعنوان “عندما تتنفس الصخور”، من تأليف عبد الله صالح وإخراج محمد عطية عبد الله، وقام بالتمثيل فيه مروان عبد الله بدور (الجندي) وحميد فارس حميد بدور المدني. العرض احتوى على الكثير من مقومات النجاح والإبهار، بدءا من النص في تنقله بين الحوار والبوح والتساؤلات، مرورا بالعمل الإخراجي الممسك بخيوط اللعبة، مرورا بالديكور الواقعي والبسيط تماما، وانتهاء بالتمثيل الراقي للفنانين اللذين كانا على درجة كبيرة من الإقناع. وكما كتب المؤلف نصا متماسكا في رفضه للحرب من خلال رفض الشخصيتين لها، أبدع المخرج في تجسيد الحالة على الخشبة، بدءا من الديكور الواقعي، والمؤثرات الصوتية والضوئية التي اختارها لعرضه، حتى تحريك الممثلين في حركة تملأ خشبة العرض. واستخدم الممثلان طاقة كبيرة في أداء الدورين، أداءً متغيرا بين الدرامي والفكاهي، لكن الحركة هي ما ميز أداءهما، فقد بدا الممثل مروان عبد الله مبدعا في تقديم شخصية الجندي الجريح المتناقض مع نفسه الذي يهرب من الحرب ويسعى ليعيش حياته، فأدى الدور بقدر كبير من الواقعية مع تنويع في الحركة والصوت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©