الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلقني.. شكراً!!

طلقني.. شكراً!!
20 ابريل 2012
(القاهرة) - اعتدت منذ نعومة أظفاري أن أدخر كل ما يقع في يدي من أموال، وإن لم تكن بالقدر الذي يحقق الطموحات الكبيرة، فهي مجرد المصروف الذي أحصل عليه من أبي وأحياناً بعض الزيادة من أمي، لكنها كانت في عيني ثروة، وليس بالضرورة أن تكون ذات قيمة أو ترقى إلى أن تفيد في شيء مهم، ووجدت تشجيعاً كبيراً من أبي وأمي، وإن كانا لا يريدان لي أن أحرم نفسي مما تتطلبه الطفولة، ولمزيد من التشجيع يقومان بتعويضي بمبالغ أخرى، وأيضاً أدخر بعضها لتتكاثر أموالي وتزيد أرقامها، وأجد في ذلك متعة كبرى خفية. المشكلة التي تواجه طموحي أنني لا أعرف كيف استثمر ما معي، فأنا لا أود أن أكتفي بالقليل الذي أضيفه إلى رصيدي ولابد من نمو فعلي ملموس، كما أنني على يقين من أنه ليس كل أصحاب المليارات ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، ولا ورثوا تلك الثروات، وإنما كثيرون منهم بدأوا من الصفر، واستطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، وبداية اتجاهي هذا كانت مجرد تقليد لأبي، لأنني أريد أن تكون لي حافظة محشوة بالنقود، مع بعض الأوراق وان كنت لا أدري ما قيمتها المهم أن يكون لي مثلها، إلا أنني عندما بدأت امتلك «المال» خرجت المسألة من طور التقليد إلى الاستمتاع به، أفكر في المستقبل وماذا يمكن أن أفعل لو أصبح معي كذا وكذا، وأحلم بمشروعات وشركات ومصانع. أول ربح حصلت عليه، عندما طلب أبي أن يقترض مني ما معي لظروف طارئة، فاشترطت عليه أن يرد إلى المبلغ مضاعفاً، فضحك مستنكراً، وقال لي إن هذا يعد رباً، فأصررت على موقفي وحينها لم أكن أفهم ماذا تعني كلمة ربا ولا أدرك أنه حرام، وقد استجاب أبي لشروطي وأعاد لي المبلغ بالفعل مضاعفاً وهو سعيد بتفكيري، إلا أنه وصفني بأنني انتهازي، وظننت حينها أن تلك الكلمة نوع من الثناء وفرحت بأنه وصفني بها. وقبل أن أنتهي من دراستي الجامعية كان لديَّ مشروع جيد بالمشاركة مع أحد أصدقائي في نشاط الطباعة، وأسسنا مكتباً صغيراً لطباعة الملصقات والدعاية المحدودة، وأول مناسبة كانت رأس السنة، وانهالت علينا الأعمال والتعاقدات التي كانت تفوق إمكاناتنا، واضطررت إلى اقتراض بعض المبالغ من أبي لأتمكن من إنجاز تلك المهام التي عادت علينا بربح وفير، وان كان أبي أراد أن يرد إليّ الصاع صاعين في البداية، وقال ضاحكاً أنه يريد أن يسترد المبلغ مضاعفاً، كما اشترطت من قبل، إلا أنه بالطبع لم يفعل وواصل تشجيعي ومساندتي. بعد عامين فقط لم أكتف بما وصلت إليه وما أحققه من أرباح جيدة، وقررت أن أخوض أحد المجالات التجارية الأخرى، القريب من تخصصي الدراسي حتى أستطيع أن أديره بشكل صحيح، ووجدت أن تجارة الهواتف المحمولة مربحة جداً وبلا مخاطر أو خسائر، فالبضاعة مضمونة من الوكلاء ولا تتلف، كل ما أفعله أنني اخترت محلاً في مكان جيد، وانطلقت وكانت المسألة غاية في البساطة، ورحت أباشر عملي وأهتم به وأقضي كل وقتي فيه، ومعي بعض الشباب الذين يساعدني وتركت نشاط الطباعة لشريكي يديره وأكتفي بمتابعة الحسابات وأصبحت «مشروع رجل أعمال» أو رجل أعمال صغيراً. في ظل هذا الانغماس والانشغال، لم أفكر في الزواج مع أنني بلغت الثامنة والعشرين رغم أن أمي تلح عليّ كلما التقينا، وأحاول أن أسوف أو أتذرع بأي حجة وإن كان السبب الحقيقي والوحيد أنني أريد أن أثبت ذاتي وأحقق أكبر قدر من طموحي، وأبتعد عن المعوقات لأنني أدرك أن الزواج مسؤولية، ويحتاج مني إلى بعض الوقت، إلا أنني مع الإلحاح استجبت، غير أن العقبة أنني لم أكن مرتبطاً بأي فتاة ولم أتعرف على أي واحدة إلا بشكل عابر، لذا لم يكن أمامي إلا أن اطلب المساعدة في الاختيار، بأن يرشحوا لي ممن يعرفون من فتيات، وقد تلقيت لوماً من بعض أصدقائي على الزواج بطريقة «الخاطبة»، لكني لم أستمع إليهم لأن الاختيار في النهاية سيكون قراري الخالص، ولن أقدم على تلك الخطوة إلا إذا وصلت إلى قناعة تامة. لم يستغرق الاختيار كثيراً من الوقت ووقع على إحدى الفتيات، ووجدت بيننا تفاهماً جيداً ودخلنا مرحلة الخطبة والإعداد للزواج الذي تم خلال عدة أشهر، وانتقلت إلى بيتي وتركت منزل أبي وأمي، لاستقل بحياتي الزوجية، التي وجدت فيها متعة كبرى لم أكن أتخيلها، واستقراراً نفسياً ونقلة إلى دنيا غير التي كنت أحياها من قبل، وعدت إلى أعمالي، وإن لم يكن مثل السابق لأن زوجتي تكون في انتظاري، ولا تتناول الطعام إلا إذا عدت، وكثيراً ما أتأخر، فشعرت نحوها بالتقصير حتى وإن لم يكن متعمداً، وهي تدرك ذلك. مع الأيام لم أجد فسحة من الوقت للخروج والتنزه ولو مرة كل أسبوع، أصيبت زوجتي الصغيرة بالإحباط، بدأت تشكو الوحدة والملل والانتظار، وإن كان كل ذلك مقدوراً عليه، إلا أن ما لم أستطع أن أتقبله أنها تتهمني بالبخل وبأنني لم أعد كما كنت مثل أيام الخطبة، أغدق عليها بالهدايا والملابس والأجهزة الحديثة والموبايلات آخر صيحة، لم أستطع أبداً إقناعها بأن فترة الخطبة دائماً تختلف عن الحياة الزوجية الفعلية. رفضت زوجتي قبول الأعذار واتخذت قرارها بالعودة إلى بيت أبيها، رفضت التصالح إلا إذا خصصت لها يومين في الأسبوع للتنزه خارج البيت ويومين كل شهر خارج مدينتنا وأن أعود كل يوم لأتناول معها طعام الغداء بين الثالثة والخامسة، لكن الأغرب من ذلك أن أمها توافقها الرأي وأباها يلزم الصمت بما يعني أنه يؤيدهما، ولم أتعجل اللجوء إلى أي أسلوب آخر عساهم أن يراجعوا موقفهم ويعودوا إلى صوابهم. فوجئت ذات صباح برسالة قصيرة على هاتفي المحمول من زوجتي تقول «طلقني.. شكراً»، ومع أن الرسالة جديدة من نوعها، فقد كان شر البلية ما يضحك، وحاولت أن استغل الموقف وأحوله إلى دعابة لإنجاز التصالح، لكنها لم ترد على اتصالاتي، وانتهى الأمر إلى الطلاق. على كل حال لم يكن الحدث هيناً على نفسي ولم يمر بسهولة، وعانيت منه لبعض الوقت لدرجة أنني في البداية كدت أضرب عن الزواج ولا أفكر فيه، وبعد عامين وجدت نفسي بلا خيارات غير الزواج، وليس كل الفتيات متشابهات، غيرت طريقة الاختيار، يجب أن أبحث بنفسي عن زوجة تناسبني، وعندما تم ذلك كان أهم شيء أن أعرفها بما حدث في حياتي السابقة بكل تفاصيلها كي لا أفاجأ بما حدث في التجربة الأولى، وأخبرتها بأسباب الفشل وتفهمت موقفي ووجهة نظري، ورأت أنني لم أكن مخطئاً، ويكفي أن أعود إليها في آخر النهار فإنني أحتاج إلى المساندة لا إلى العراقيل، كدت أحسد نفسي أنني وجدت ضالتي المنشودة. في وقت قليل أيضاً تم الزواج، ولا أخاف تكرار فشل الماضي، لأن زوجتي تعرفه وأيضاً أحاول أن أتفادى بعضه قدر المستطاع، ولم تشك زوجتي الثانية الوحدة لأنها تعرف كيف تقضي وقتها، فتارة تذهب إلى أمها لتقضي معها النهار كله وجزءاً كبيراً من الليل، أو تتجه إلى النادي مع صديقاتها، لعدة مرات في الأسبوع إن لم يكن كل يوم، وبشكل منتظم، إما عند أمها أو مع صديقاتها. كانت تصرفاتها مريحة لي بعدم الإزعاج والملاحقة في العمل، لكن كان لها ما ترتب عليها، إذ عندما أعود في المساء لا أجد في بيتي طعاماً، وتتحجج زوجتي بأنها لم تكن في البيت وكانت مشغولة في شيء ما، لا أراه مهماً ولا مبرراً، وأصبحنا نعيش معظم حياتنا معتمدين على الوجبات الجاهزة التي لا أحبها ولم أعتد عليها، فلم تكن أمي أبدا تلجأ إلى ذلك ولا توافق عليه، ليس ذلك فقط، بل إن زوجتي كثيراً ما تعود متأخرة بسبب السهر مع صديقاتها ولقاءاتهن في النادي، في الوقت المحدود الذي نقضيه معاً، تصدع رأسي بمشاكلهن ونميمتهن وحواديت نسائية فارغة وخصومات تافهة، لكنها دائماً مشغولة بها. ضقت ذرعاً بكل ذلك ولا أريد تكرار تجارب الفشل، وأسعى إلى الاستقرار، وأحاول أن أجعلها تفهم أنني لا وقت عندي لهذه الترهات، وأنا مشغول في عملي بما يكفيني، لكنها لا تكف عن الثرثرة ومواصلة الحديث، وكذلك تكرر لي نفس الحكايات وتعيدها عدة مرات، أحاول أن أقنع نفسي أنه بالفعل لا يوجد إنسان كامل، وكل شخص به عيوب ومميزات، أما ذاك العيب القديم المتجدد، فقد كان فوق احتمالي وضد طبيعتي، فهي مسرفة إلى أقصى حد، تبذر بلا داع وتنفق الآلاف فيما لا يفيد، تشتري ملابس لا حاجة لها بها، فقط لأنها على الموضة، ومثل صديقاتها، وتفعل مثل كل واحدة منهن، بجانب الولائم التي تقيمها لهن خارج البيت على حسابي وترسل لي الفواتير للتسديد. ناقشتها فوجدت أن مفاهيمها كلها في هذه الناحية مغلوطة، وتبادرني بسؤال رداً على أي سؤال، وشعارها في الحياة أن الأموال وجدت لنستمتع بها لا لكي نكتنزها للورثة، لا يهم إن كنا تعبنا في جمعها، أو آلت إلينا بأي طريقة، لا تهتم إطلاقاً بأنها من نتاج مجهود وعناء السنين، ويجب أن تكون لأبنائنا فيما بعد، ترى أن ما يُقال عن التوسط والاعتدال ما هو إلا وسيلة الفقراء، ووصلنا إلى طريق مسدود، وكانت النتيجة الطلاق أيضاً، فلا يمكن أن أواصل الحياة مع امرأة غير مسؤولة. يقيني الآن أن في كل امرأة عيوباً لا تظهر إلا بعد الزواج، لم أكمل الخامسة والثلاثين، وأخشى تكرار التجربة مرة ثالثة، لست مستعداً لأكون فأر تجارب يتم عن طريقه اكتشاف عيوب النساء، وسط مخاوف تحيط بي وتشدني إلى الخلف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©