الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التشاؤم الاقتصادي في أميركا

التشاؤم الاقتصادي في أميركا
18 سبتمبر 2008 14:04
بوسعي تخيل ما يمكن أن يستنتجه الأديب البريطاني ''شارل ديكنز'' من حال الاقتصاد الأميركي الراهن، اعتماداً على نبرة التشاؤم التي لا تكف عن الطنين في وسائل الإعلام والحملة الانتخابية الرئاسية الجارية، فخلال الشهرين الماضيين نشرت هذه الصحيفة ''ذي واشنطن بوست'' وحدها ما لا يقل عن 9 مواد إخبارية وأعمدة ومقالات رأي، ذهبت إلى القول إن أداء العناصر الرئيسية من اقتصادنا القومي، يعد الأسوأ منذ فترة ''الكساد العظيم''؛ وقد انسحب هذا التشخيص على أزمة القطاع العقاري والانخفاض المروّع الذي حدث لأسعار البيوت، في مقابل ارتفاع حالات الحرمان القسري من الرهن العقاري، بقدر انسحابها على التغيرات التي طرأت على السوق العقارية والاضطرابات التي مر بها سوق القروض، وصولاً إلى انهيار الأسواق المالية، ويبدو الأمر أشبه بفيروس معدٍ لا يكف عن الانتشار في شتى قطاعات اقتصاد بلادنا، وفقاً لهذا المنظور التشاؤمي؛ وإن أردت التأكد فما عليك إلا أن تكتب عبارة ''بعد الكساد العظيم'' على محرك ''جوجل'' للبحث الإلكتروني، فتحصل على ما يزيد على 4500 مثال على استخدامات هذه العبارة خلال الشهر الماضي وحده! لكن وعلى كثرة هذه الكتابات، إلا أنها تظل تفتقر إلى الحقيقة التي تقول إن اقتصاد بلادنا ليس بذاك السوء، فمن المؤكد أن هناك مشكلات في بعض القطاعات، ولكن هذا لا يبرر أيّاً من هذه المشكلات الحديثة عن حالة كساد، أو المقارنات المهولة بين ما هو حادث الآن وفترة الكساد العظيم· ويمكن القول إجمالاً إن المتشائمين يحاولون نفي واقع لا يمكن إنكاره؛ فقد حمل تقرير الأداء الاقتصادي للربع الأخير أنباءً عن نمو الاقتصاد الأميركي بمعدل 3,3 في المائة سنوياً، وهو المعدل الذي تم تكييفه على التضخم، ويكاد يطابق تماماً معدل النمو الاقتصادي بمتوسط 3,4 في المائة سنوياً منذ الكساد العظيم· وبما أن هذه هي الحقيقة، فلماذا تبدو عامة الأميركيين على وفاق مع ما تردده وسائل الإعلام؟ فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة ''زغبي'' العالمية لاستطلاعات الرأي، أن نسبة 66 في المائة من الناخبين المرجحين، تعتقد أن العالم كله إما أنه يمر بحالة كساد اقتصادي، أو أنه موشك عليها؛ وفي الواقع فإن هذه النتيجة تعد مفتاحاً رئيسياً لفهم مجمل السياسات القائمة على فكرة أن كــل الأمــور تمضــي نحــو أســوأ مما كــان عليــه الكســاد العظيم، ويعد المرشح الرئاسي الديمقراطي ''أوباما'' رائداً لهذه السياسات التشاؤمية، من المفهوم بالطبع أن يصور الأداء الاقتصادي للإدارة الجمهورية القائمــة، على أسوأ نحو ممكن، بهدف النيــل السياسي من الإدارة وحزبها الحاكــم· وبالنتيجة تلاحظ إكثار أوباما من استخدام عبارة الكساد العظيم، بما في ذلك أثناء خطاب رسمي ألقاه في شهر يونيو الماضي أمام ناخبيه، جاء فيه: ''لقد ارتفعت نسبة الحرمان القسري من الرهن العقاري للبيوت وكذلك حالات التأخر في سداد مستحقات الرهن العقاري إلى أعلى معدلاتها منذ الكساد العظيم''؛ ولكن لا يزيد تعليق ''أوباما'' هذا عن كونه مجرد تخمين، كان أحرى به أن يردفه بعبارة ''ربما'' بدلاً من أن يطلقه هكذا كما لو كان حقيقة يقينية مؤكدة؛ فبحسب المحلل الاقتصادي ''ديفيد سي ويلوك'' -بالبنك الاحتياطي الفيدرالي بسانت لويس- فإنه ليس ثمة قاعدة بيانات منتظمة يمكن التعويل عليها فيما يتعلق برصد إحصاءات حالات الحرمان القسري من الرهن العقاري، منذ الكساد العظيم وإلى اليوم· يذكر أن هذا المحلل الاقتصادي يعد حجة في إجراء الدراسات المتخصصة عن تاريخ الرهن العقاري للبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يعمل فيه· والحقيقة أن قاعدة بيانات ''اتحاد المصارف العقارية'' التي تسمح بإجراء المقارنــات الدقيقة بين معدلات الحرمان القسري من الرهن العقاري، لا تعود إلا إلى عام 1979؛ وعن هذه المعدلات أشارت قاعدة البيانات نفسها إلى حالة وصفتها بأنها ''الأعلى منذ الكساد العظيم''؛ ولعل المقصود بتلك الحالة ما حدث للقطاع العقاري في عام ،1999 الذي شهد قمة الازدهار الاقتصادي لإدارة كلينتون، وهي التي احتفى بها السناتور ''أوباما'' وخصها بالإطراء في الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الشهر الماضي، بمناسبة قبوله رسمياً ترشيح الحزب له للمنصب الرئاسي، ولم يسبق لي أن سمعت أياً من الديمقراطيين يشكــو من الأداء الاقتصادي لبلادنا في ذلك العام، رغم وصف قاعدة بيانات ''اتحاد المصارف العقارية'' المذكور· وفوق ذلك، تشير قاعدة البيانات نفسها إلى أن حالات الحرمان القسري من الرهن العقاري التي يُبالغ في الحديث عنها، تنحصر في نطاق فئة محدودة من أصحاب البيوت المرهونة على بند ائتمانات المخاطرة المالية؛ وبلغة الأرقام لا تزيد نسبة هذه البيوت على 12 في المائة فحسب من إجمالي الرهن العقاري، إلا أنها مع ذلك تعادل نسبة 52 في المائة من جملة الحرمان القسري من الرهن؛ وهكذا تتأكد حقيقة تمكن الملايين من ذوي الدخل المتوسط من الأميركيين، من شراء بيوتهم طــوال السنـــوات الماضية، على رغم الاضطرابات التي مر بها القطاع العقاري مؤخراً· ولكي أصدقكم القول فأنا أعمل مستشاراً اقتصادياً بحملة المرشح الرئاسي الجمهوري ''جون ماكين''، إلا أنه لم يسبق له أن أخذ بكلمة واحدة مما أقوله له عن هذا التفاؤل، لكونه متأثراً إلى حد كبير بجرثومة التشاؤم الاقتصادي هذه فيما يبدو· دونالد لوسكين خبير اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©