السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاييتي.. والسياسات الأميركية

17 يناير 2018 01:05
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضجيجاً بإشارته إلى هاييتي وبعض الدول الأفريقية بأنها «حثالة»، في اجتماع الأسبوع الماضي، غير أنه الشعور بالمفاجأة كان مفاجئاً في حد ذاته بقدر التصريحات ذاتها؛ ذلك أن ما قاله ترامب لطالما كان دافعاً للسياسة الأميركية تجاه هاييتي على مر التاريخ. وفي يوليو عام 1792، كتب وزير الخارجية الأميركي آنذاك «توماس جيفرسون»، رسالة إلى «ماركي دي لافاييت». وبعد عقد على لقائه بالأرستقراطي الفرنسي أثناء الثورة الأميركية، هنأ «جيفرسون» في رسالته «لافاييت» على قيادته الثورة الفرنسية، والتي كانت «تقضي على الأرستقراطية المتوحشة». وتفاخر كاتب «بيان الاستقلال» بحليفه القديم، لكن كانت لديه نصيحة أيضاً. فمن الولايات المتحدة، لاحظ «جيفرسون» «ثورة العبيد» في المستعمرة الفرنسية السابقة «سانت دومينيك»، التي أصبحت الآن «هاييتي». وحذر «لافاييت» من أن «سانت دومينيك» «ستضيع إذا لم تتم نجدتها». وقد وصم السياسيون الأميركيون، في الماضي والحاضر، هاييتي بثورة العبيد والسود، والكوارث والفقر. ودفعوا بالاستعمار، وخنقوا الهجرة استناداً إلى التصنيف الخاطئ لهاييتي بأنها «حثالة»، وبأنها خطيرة ومريضة في آن واحد. ولو أن الولايات المتحدة حققت أهدافها، لما كانت هاييتي موجودة في الوقت الراهن. وفي الوقت الذين كان يطمئن فيه «جيفرسون» صديقه «لافاييت» قائلاً: «نرغب من صميم قلوبنا إعادة استقرار سانت دومينيك بيد فرنسا»، أظهر «جورج واشنطن» أنه لم يكن متعاطفاً أيضاً مع النضال من أجل حرية السود في منطقة الكاريبي. وأرسلت إدارته أسلحة وذخائر إلى المزارعين الفرنسيين الذين يكافحون لاستعادة السلطة وطمأنتهم بأن الولايات المتحدة «ستقدم لهم المساعدات كافة في سعيهم لسحق تمرد العبيد». وفي عام 1804، نجحت ثورة هاييتي رغم جهود واشنطن، لكن الولايات المتحدة رفضت آنذاك وجود هاييتي، وعلى مدار ستة عقود بعد ميلاد دولة «هاييتي» المستقلة من رحم «سانت دومينيك»، رفضت الولايات المتحدة منحها اعترافاً دبلوماسياً، وفرضت عليها حظراً تجارياً. وقد كانت العنصرية، هي الدافع وراء تلك السياسات، ومع اتساع رقعة كليهما، بلغ الحد بأحد أعضاء مجلس الشيوخ من ولاية «ميسوري» إلى الزعم بأن الترحيب بدبلوماسي من هاييتي سيعتبر «مكافأة لقتل الأسياد والسيدات بأيدي العبيد السود». ووافقه في الرأي زميله من «كارولاينا الجنوبية» قائلاً: «لا يمكن أبداً أن نعترف باستقلال هاييتي، فسلام وسلامة جزء كبير من اتحادنا يمنعنا حتى من مناقشة ذلك». وعلى رغم من أن الانفصال والحرب الأهلية مهدا الطريق أمام اعتراف الولايات المتحدة الدبلوماسي بهاييتي، لكن لم يؤد أي منهما إلى تحسين العلاقات بين البلدين. وفي نهاية القرن التاسع عشر، دأبت الولايات المتحدة على محاولة فعل كل شيء من محاولة «ضمها إلى الاستحواذ على أجزاء من أراضيها وصولاً إلى محاولة إملاء نظام حكمها». ودوافع الولايات المتحدة لسوء معاملة «هاييتي» كانت واضحة بالنسبة لـ«فريدريك دوغلاس». ففي عام 1893، أشار الناشط في مجال تحرير العبيد والملحق الدبلوماسي الأميركي السابق لدى هاييتي، إلى أن السبب الوحيد لـ«برودة العلاقات» بين الولايات المتحدة وهاييتي كان أن «هاييتي سوداء، ولم نكن قد سامحناها بعد على ذلك السواد». وبالطبع، ظلت هاييتي كذلك، واستمر ذلك في تشكيل علاقاتها مع الولايات المتحدة خلال القرن العشرين. وسعت إلى تعزيز مصالحها على حساب شعب هاييتي أثناء الحرب الباردة. ومن خمسينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي، دفعت واشنطن ملايين الدولارات لإبقاء أنظمة ديكتاتورية. وحاول آلاف السكان في هاييتي الفرار من تلك الأنظمة العنيفة، والاهتزازات المتوقعة بعد انهيارها، بيد أن الولايات المتحدة دأبت على رفض لجوئهم. *أستاذ التاريخ لدى جامعة «فانديربيلت» الأميركية. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©