الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تولستوي يعرض بإنصاف لتعاليم الإسلام وقيمه الحضارية

تولستوي يعرض بإنصاف لتعاليم الإسلام وقيمه الحضارية
18 سبتمبر 2008 23:43
لم يكن الأديب الروسي ليو تولستوي مجرد روائي اشتهر بروايته الحرب والسلام بل كان فيلسوفا ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا ، واقترب في كاتباته عن الإسلام ورسوله من أعمال المستشرقين المنصفين ،حيث أظهرت أعماله اهتماما كبيرا بالأخلاق التي تدعو إليها الأديان ، وعرض لتعاليم الإسلام وقيمه الحضارية في العديد من أعماله وكتاباته ومنها أحاديث مأثورة لمحمد ·وساعده في ذلك دراسته للغتين العربية والتركية· وتبلورت أفكاره الأخلاقية والاجتماعية في أعماله المتأخرة مثل ''موت إيفان إيلييتش'' 1886م و ''قوة الظلام'' 1888م و ''البعث'' 1899م و ''الشيطان'' 1889م و''الحاج مراد'' و ''القوزاق'' واحتلت شعوب الشرق مكانة الصدارة في اهتمامات تولستوي الدولية وهو اهتمام قديم، بحسب الدكتورة ''مكارم الغمري'' التي تشير في دراستها ''مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي'' الى ان هذا الاهتمام يعود إلى سنوات شباب تولستوي المبكرة حين اختار اللغتين العربية والتركية تخصصا للمستقبل ودرسهما لمدة عامين على أيدى أساتذة متخصصين قبل أن يستكمل دراستهما بجامعة قازان عام ·1844 وتضيف : كان جوهر اهتمام تولستوي بالشرق يتمثل في الأديان حيث آمن تولستوي بأصالة الفكر النابع من الشرق ورأى فيه حصيلة جامعة للقيم الأخلاقية التي يجب أن تظل الحقيقة الراسخة في مسيرة الشعوب باعتبارها المخرج الحقيقي لأزمة الواقع المعاصر الذي ابتعد فيه الناس عن القيم الأخلاقية النابعة من الإيمان الحقيقي بالدين· ويسجل تولستوي في مؤلفه ''اعتراف'' ذكريات اقترابه من الأديان بقوله ''كان يحدث معي شيء ما غريب جدا فقد أخذت تنتابني في البداية مشاعر الضياع واستغرقتني الكآبة وألحت علي في ذلك العمر تساؤلات حول الموت ومعنى الحياة كادت تؤدي بي إلى فكرة الانتحار''· ووجد تولستوي من خلال بحثه عن إجابات أسئلته حول الموت والحياة ومغزى العيش أن الإجابة ليست متوافرة فيمن هم حوله من أبناء طبقته من النبلاء بل عند البسطاء من الفلاحين وإيمانهم الذي يمدهم بالسكينة والحكمة الإنسانية، ومن هنا قرر تولستوي أن ينكب على دراسة الأديان لعله يجد فيها الراحة التي يفتقدها· وجاء الإسلام في مقدمة الأديان التي أقبل تولستوي على دراستها وقد احتوت مكتبة تولستوي الشخصية على العديد من المراجع التي تتناول الإسلام بالشرح والتفسير ومنها على سبيل المثال ''الإسلام والتقدم'' لبايزيتوف، و''تاريخ الإسلام'' لكريمسكي، و ''محمد رسولا'' لكيدليف· واستحوذت معاني القرآن الكريم على اهتمام تولستوي كما استأثرت أحاديث الرسول بعناية خاصة منه لا سيما أنه وجد فيها صدى للكثير من أفكاره التي كان يؤمن بها ويدعو إليها، ومن هنا وجد تولستوي أنه قد أصبح لزاما عليه التعريف بالإسلام وهو ما انعكس على محاولته الأولى التي كانت بمثابة مقال قدم به دراسة كتبتها باحثة تدعى بيرس -شقيقة زوجة تولستوي- وتناول فيه التعريف بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والشعوب التي اعتنقت الإسلام وشرح بعض الشعائر والأعياد الإسلامية· وتصدر كتابات تولستوي عن الإسلام كتيبا وضعه بعنوان ''أقوال مأثورة لمحمد'' جمع فيه بعض الأحاديث المنتقاة للرسول صلى الله عليه وسلم نقلها عن كتاب وضعه بالإنجليزية كاتب هندي يدعى ''عبدالله السهروردي''، وقد تخير تولستوي من كتاب السهروردي بعض الأحاديث التي وجد بها حقائق تتسم بها مختلف التعاليم الدينية· ويشير تولستوي في مقدمته لكتاب ''أحاديث مأثورة لمحمد'' إلى عقيدة التوحيد في الإسلام وإلى الثواب والعقاب والدعوة إلى صلة الرحم بقوله ''وجوهر هذه الديانة يتلخص في أن الله واحد ولا يجوز عبادة أرباب كثيرة وأن الله رحيم عادل ومصير الإنسان النهائي يتوقف على الله وحده فإذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء أما إذا خالف شريعة الله فسينال العقاب، وإن الله تعالى يأمر بمحبته ومحبة ذوي القربى، ومحبة الله تكون في الصلاة ومحبة ذوي القربى تكون في مشاركتهم معنويا ومساعدتهم والصفح عنهم''· واهتم تولستوي في كتابه هذا بتوضيح بعض تعاليم الإسلام وعلى رأسها الدعوة إلى الزهد وعفة اللسان وتجنب الإغراق في الملذات وتمجيد العمل والاجتهاد والنهي عن الخمر، وجذبه بشكل خاص سماحة الدين الإسلامي تجاه الديانات التي سبقته وجهاد الرسول في سبيل الدعوة والمعاناة التي لقيها واضطهاد الكفار له وتوضيح فضائل الرسول وصحابته· ولقد بلغ من تأثر تولستوي بسيرة الرسول وأحاديثه وتأثره بأسس المعاملات الإسلامية والأحكام الإجتماعية التي تضمنها القرآن والحديث أنه كان يفكر وفقا لما نقله عنه ''جولد ينفيزير'' في كتابه ''بالقرب من تولستوي'' في إعداد طبعات شعبية لكتاب يتناول حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم· و استنادا إلى هذا الاهتمام والتأثر الشديد بالإسلام الذي سيطر على كتابات تولستوي الفلسفية خصوصا كتابه ''تعاليم للحياة موجزة لكل يوم'' والذي ضمنه تولستوي بعض أحاديث للرسول عن قيم العمل والزهد والقناعة والعدالة والسماحة والمرأة الصالحة، ذهب البعض إلى القول بأن تولستوي اعتنق الإسلام في أواخر أيامه واستشهدوا في ذلك بتلك المناقشة التي رواها طبيبه الخاص ماكوفينسكي في كتابه ''مع تولستوي في سنوات 1904-''1910 والتي يقول فيها تولستوي أنه تلقى رسالة من أم والد أولادها مسلم وهي مسيحية ولها إبنان يرغب كلاهما في الانتقال إلى الدين الإسلامي، وأنه وضحت له أشياء كثيرة عند التفكير في هذه الرسالة فقد ظهر لديه بأن محمدا كان يسمو على العقائد الأخرى في كل وقت لأنه لم يعتبر الإنسان إليها ولم يعادل بينه وبين الله وهو ما يجعل الإسلام في وجهة نظره أفضل وأسمى بكثير· ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©