الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن تيمية فقيه يجمع بين العلم والعمل

ابن تيمية فقيه يجمع بين العلم والعمل
18 سبتمبر 2008 23:44
يعتبر العالم والمجاهد الكبير تقي الدين أحمد بن تيمية، على رأس المجددين في المئوية السابعة من تاريخ الإسلام بدون منازع، لما كان له من سبق في العديد من المناحي سواء في إحياء السُنّة، والاجتهاد الديني حتى وصف بكونه آخر المجتهدين· والأهم أن آراءه كانت المُهلم للعديد من العلماء التالين له في جميع العصور بدون استثناء، حتى بات أحد مصادر تيار السلفية بشقيها التقليدي والجهادي في العصر الحديث· يمتاز ابن تيمية، كما يقول عبد الرحمن بن عبدالخالق في كتابه ''شيخ الإسلام بن تيمية والعمل الجماعي'' على غيره من علماء هذه المئوية بأنه كان يجمع بين العلم والعمل ويجاهد في هذا الإصلاح بقدر ما هيأته له نشأته في بيئة حديث وفقه حنبلي بالأساس· فقد اهتم بأمر المسلمين، واجتهد في إحياء ما مات من فقه وعمل بعد نكبة التتار وهجمتهم على الإسلام والمسلمين· وبهذا كانت له السبق على علماء عصره ممن ركنوا إلى الجمود· ومثل ابن الجوزي، كما يقول عبد المتعال الصعيدي في كتابه '' المجددون في الإسلام ''، كان جهاد ابن تيمية الأكبر ليس مع التتار، وإنما كان مع الجامدين من الصوفية والأشعرية ومؤيديهم من الفقهاء والعلماء في عصره، وكان همه الأكبر إعادة المسلمين إلى صحيح الإسلام والقضاء على جميع صنوف البدع والخرافات التي سادت عهده، وكانت فتاواه في هذا السياق نبراساً لكل من أتى بعد على حد قول الحافظ عمر بن على البراز في ''الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية''· يضيف الصعيدي، أن ابن تيمية ولد في عام 661 هجرية، وانتقل إلى دمشق بعد هجوم التتار على بغداد وسقوطها، فاستوعب الحديث والفقه والتفسير، وأفتى وهو في السابعة عشرة من عمره· وقد انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل، والزهد والورع· وكان لا يهاب الموت في سبيل الحق حتى سمي بـ''محيي السنن وآخر المجتهدين ''· درس ابن تيميه الفقه على المذهب الحنبلي، ومن ثم كانت لآرائه الأثر العميق في فكر العديد من الحركات الدينية فيما بعد وتحديداً الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية، والدعوة السنوسية في ليبيا، والعديد من الاتجاهات الإسلامية الأخرى التي يشهدها العالم الإسلامي حالياً· ويعتبر هذا الفقيه مثلا حيّا لبيان أثر العالم العميق الخلق في شؤون الدولة والمجتمع، كما يقول عبدالخالق، فعندما رأي الخطر المغولي يحدق بدمشق، تحدّث إلى الناس في ضرورة الجهاد، فكان حديثه أوقع في النفوس من أوامر السلطان نفسه· وقد هاجم بقلمه ولسانه كل الفرق، الخوارج والشيعة والمرجئة والرافضة والقدرية والمعتزلة والأشعرية والجهمية وغيرها· ولذا كان الطبيعي أن تثير قسوته في مهاجمة خصومه ردود فعل عنيفة ضده، فمن الناس من رماه بالزندقة مثل ابن بطوطة وتقي الدين السبكي، وجماعة أبو حيان الظاهري الأندلسي، وابن حجر العسقلاني·· ومنهم من دس عليه لدى السلطات وطالبها بإنزال العقوبة به· وبالفعل قضى الرجل بعضاً من سنوات حياته في سجون القاهرة ودمشق، بل أن سنواته الأخيرة قضاها في قلعة دمشق وفيها مات عام 728 هجرية· ويؤكد الصعيدي، أن ابن تيمية خلف لنا عدداً كبيراً من المصنفات الفقهية، هاجم فيها المتصوفة القائلين بالحلول والاتحاد، واعتبر ذلك نوعاً من الشرك بالله· وهاجم الفقهاء لتقيدهم في بحثهم أمور الشريعة بما جاء به الأئمة الأربعة، وهو ما أراد ابن تيمية النظر فيه من جديد· ويرى أن الخروج على الإجماع، ليس من الزندقة· وهاجم أصحاب البدع والتضرع للأولياء وزيارة القبور، بل اعتبره معصية أن يقوم المسلم برحلة يقصد بها زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، وإنما يجب الطواف معها بالكعبة· وكان مسرفاً بالقول بالتجسيد، مفسراً كل الآيات والأحاديث التي تشير إلى الله عز وجل بظاهر اللفظ، حتى لقد صرح ذات مرة من على منبر جامع دمشق الكبير بأن·· '' الله ينزل إلى السماء الدنيا كما ورد في الحديث القدسي كل ليلة كنزولي هذا·· ثم نزل درجة من درجات المنبر··! ''· وكان عنيفاً في خصوماته وحربه على المخالفين له في فكره، وفي التزامه بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر· وقد أخذ على عاتقه أن يتأكد من أن الناس كبيرهم قبل صغيرهم يحافظون على الآداب الإسلامية في سلوكهم· ورغم أن هذا كان من واجبات المحتسب الرسمي، فقد عيّن ابن تيمية نفسه محتسباً بدون تكليف رسمي يطوف في الأسواق مؤدباً للناس· من جانبه يؤكد يوسف أحمد بدوي في كتابه''مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام ابن تيمية '' أن الأمة الإسلامية في نظره هي كائن عضوي له أهداف وغايات حدّدها القرآن والسُنّة، وهي تحقيق إرادة الله· وعلى أفراد الأمة أن يعين كل منهم الآخرين على فعل الخير وتجنّب الشر، وأن يجعلوا من التعاون فيما بينهم أساساً للعمل المشترك· ولكي تحقق الأمة غاياتها لابد من تنظيم دولة دينية عادلة، مهمّتها إحقاق الحق، والتأكيد على أداء الناس لفروضهم الدينية· ومن صحة المعاملات أن تحمي الجمهور من الغش والتدليس· ولم يكن ابن تيمية يحبّذ فكر الاقتصاد الحر·· فالفرد ليس السيد المطلق لأفعاله، ولابد أن تكون هذه الأفعال خاضعة لتعاليم الإسلام·· وعلى الدولة أن تتأكد من مطابقة تصرفاته في ماله وغير ماله لهذه التعاليم· وكان يرى أن الجهاد فريضة حتى ضد أمثال المغول المسلمين الذين أخلّوا وحادوا عن تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة·· وأمثال أنصار المغول من الشيعة· وقد قاتل ابن تيمية المغول في الشام، ورافق حملة أرسلت للهجوم على معاقل الشيعة في جبال سوريا ولبنان· من جانبه يؤكد الصعيدي، أن الفلسفة عند ابن تيمية تؤدي إلى الكفر· ولذلك هاجم في حماسة بالغة الفلسفة اليونانية والمتأثرين بها من المسلمين، من أمثال: ابن سينا، وابن سبعين·· كما هاجم الشيخ ابوحامد الغزالي بشدة وطعن في آرائه الواردة في كتابيه '' إحياء علوم الدين '' و '' المنقذ من الضلال ''· كما لم يسلم من نقذه كبار علماء الصوفية أمثال: ابن عربي، وابن الفارض· ويعتبر ابن تيمية من أنشط الفقهاء وأصرحهم في الجرأة على الحق، وأدقهم فكراً وأكثرهم صفاء في الأسلوب، وقد تأثر بشخصيته وبآرائه الكثيرون من أمثال: ابن قيم الجوزية، والشيخ الذهبي، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني، ومحمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن علي السنوسي، والسيد رشيد رضا وأما العامة فكانت دائماً تجلّه وتعظم من قدره، لصلاح خلقه وغيرته على الدين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©