الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

ثلثا مستخدمي «الإنترنت» في أميركا يدفعون أموالاً للحصول على محتويات إلكترونية

31 ديسمبر 2010 23:38
رأس محشو بمفاهيم وأفكار وحكايات لا حصر لها، منذ طفولتي وحتى الأيام التي استعد فيها للزواج وترك أبي وأمي وأخوتي وأخواتي وعائلتي، والانتقال الى أسرة جديدة لا أعرف عنها غير القليل، وأنا واثقة بأن الناس جميعا في فترة الخطوبة يتجملون ولا تظهر حقائقهم إلا بعد الزواج وهذا ليس للعريس وحده وإنما جميع أقاربه، هل تصدقونني إذا قلت لكم انه عندما تقدم لخطبتي لم أهتم بأي شيء فيه لا عيوبه ولا مميزاته ولا شخصيته ولا امكاناته؟ لم أعبأ إن كان وسيما أو دميما، إن كنت استريح له أو أنفر منه، لم يهمني إن كانت أفكارنا متقاربة أو متنافرة، أو كانت طباعنا متوافقة أو مختلفة، بل كل ما يهمني هو أمه التي ستصبح حماتي وأعيش معها في بيتها، فنحن نعيش في مناطق يغلب عليها الطابع العائلي حيث تقيم الأسرة كلها في منزل واحد وحسب الإمكانات ربما يقيم الزوج وزوجته في غرفة في منزل العائلة أو في شقة حسب الإمكانات المتاحة، ليست هناك خصوصية إلا في غرفة النوم، وكل شيء ما عدا ذلك مشاع للجميع، لذلك كانت كل اهتماماتي تنصب على حماتي، افحصها جيدا وأقوم بتحليل كلماتها وحركاتها وسكناتها، أخذاً بمبدأ إن سوء الظن من حسن الفطن، فلا أمان لأي تصرف حتى أنني بالغت في وصفها بأنها حية تسعى، من رقتها ونعومتها في الحديث، وأنا أعتقد أنها تستدرجني لكي أوافق على الاقتران بابنها، وضعتها تحت المجهر، أدقق في كل كلمة تنطق بها، وفي كل حركة وعند الصمت والكلام وعند الشراب والطعام، وفي كل مرة تزداد مخاوفي وتتضاعف وأنا احسب أنها تعد لي شركا أو فخا وهي تتصنع الطيبة وتدعي البراءة، فهذا هو اكبر أبنائها، ولأول مرة تصبح حماة ولم تجرب من قبل، إنها كما كانوا يقولون مثل البطيخة لا يمكن الحكم عليها من الخارج ويجب ألا ننخدع بمظهرها. كراهية بالوراثة منذ نعومة أظفاري وأنا أسمع أمي تشكو حماتها أي جدتي وكيف أنها كانت تختلق لها المشاكل وتتقول عليها الأقاويل، وتمنع عنها الطعام وتبتدع الخلافات بل وتحرض أبي الذي هو ابنها على أمي، والعجيب أنها تبدو وكأنها مظلومة مغلوبة على أمرها، ضائعة حقوقها ويا للهول عندما كانت أمي وخالتي تجتمعان وحدهما وأسمع كلا منهما تتحدث عن حماتها وتتبادلان في مباراة حامية وصفهما فواحدة تقول إن حماتها عقرب والأخرى تقول إنها أفعى أو حية رقطاء يملأ السم جوفها لكنه لا يقتلها وتنفثه في الاخرين من حولها، وتبدو كل واحدة منهما ضحية وملاكا طاهرا بريئا لا يفعل أي شيء ولا يرتكب مخالفة. أما عمتي فقد كانت حكايتها من نوع آخر وانتشرت في كل البلاد من حولنا لأن خلافاتها مع حماتها بدأت في شهر العسل، لأن عمتي رفضت أن تعيرها أواني المطبخ، معتبرة أنها تخصها وأنها ما زالت عروسا ويجب أن تستخدمها هي وحدها لانها خاصة بها، وليست لكل أفراد الأسرة وتحولت هذه المحاورة البسيطة الى مشكلة وأزمة استطاعت حماة عمتي أن تبثها عبر الأثير وتجعل من الحبة قبة لتثبت أن زوجة ابنها متمردة ولا تصلح وكانت تلك مدخلا لباب واسع من المشاكل جعلها تنتقد كل تصرفات عمتي، وتعيب عليها كل شيء فلا يعجبها طبخها ولا غسلها ولا طعامها وتقول فيها ما قال مالك في الخمر، وعندما تحول الأمر الى حكايات يتناقلها الناس ويتسامرون بها حدثت مشكلة اكبر وتفاقمت الخلافات وامتدت إلى جميع أفراد الأسرتين وتبادلوا الاتهامات وكادت تقع مقتلة بينهم، ويحدث ما لا تحمد عقباه، وكانت النهاية هي أبغض الحلال وطلقت عمتي وعادت لتقيم معنا مرة اخرى في بيت الأسرة، ولم يكن لها حديث إلا عن حماتها التي تسببت في هذا كله، واصبح لدي مخزون كبير من الحكايات عن الحموات وقصص لا تعد ولا تحصى، كلها غرائب وعجائب، كان الناس يتناقلونها ويتبادلونها مثل الخرافات والوهم والأساطير المخيفة حتى كدت لا أفرق بين الصحيح منها والمختلق لكنني كنت اصدقها كلها، واعتبرها حقائق، ولا أنكر أن أمي بحكاياتها عن جدتي جعلتني اكرهها ولا أطيق رؤيتها. الحموات الفاتنات جاءت الأفلام لتؤكد وتوثق عندي هذه الرؤى، وأنأ أرى «حماتي ملاكا» و»حماتي قنبلة ذرية» و»الحموات الفاتنات» فقد جعلتني اصدق كل ما يتردد عن أي حماة وكيف تتفنن في تعذيب زوجة ابنها أو زوج ابنتها، وكيف تستطيع أن تخرب بيوتهم وتفرض أفكارها ورؤيتها، وتنفذ رأيها بغض النظر عما إذا كان صحيحا أو خاطئا، لذا كرهت الزواج لأنه لابد فيه من وجود «حماة» وكثيرا ما تمنيت أن يكون زوجي يتيم الأبوين لأتخلص من هذا الشر الواقع لا محالة ودعوت أن أظل هكذا في بيت أبي حتى لا يحدث لي ما حدث لأمي وخالتي وعمتي وكل الزوجات من حولي وأسوأ يوم في حياتي كان يوم خطبتي. بكيت كما لم أبك من قبل بسبب هذا الخوف مما أنا مقبلة عليه من ويل وهلاك وثبور، وتلعب الأفكار برأسي وأنا أتخيل وأتوقع ما سيحدث لي واسخر من كل فتاة تتمنى الزواج وتفرح بالفستان الأبيض والحفل الصاخب، اعتبرتهن مغفلات أو ربما كالذبائح التي تقاد الى الذبح وهي لا تدري فتذهب الى حتفها بقدميها وتساهم في وضع نهاية لحياتها. وتتعدد زيارات ام خطيبي لبيتنا وأنا أتحاشى التعامل معها فيكفي ما سألاقيه على يديها فيما بعد ولاحظ الجميع ذلك لكنهم لا يعرفون الأسباب الكامنة داخلي ولم استطع البوح بها حتى عندما فاتحني كثير منهم بملاحظاتهم رغم انه لم يبد من المرأة أي تصرف يدعو لذلك ولكن كما قلت هو المخزون الذي كان لدي ويحرك أفعالى وفي الوقت نفسه لم يكن بمقدوري الرفض لأننا كنا في زمن لا رأي فيه للفتاة وقد لا ترى زوجها إلا في ليلة الزفاف، وحملوني الى بيت زوجي كأنهم يضعونني في نعش إلى مثواي الأخير ووجهي ينطق بما في داخلي وبالفعل لم أكن عروسا وكل ما يدور في ذهني ما أول مشكلة ستحدث بيني وبين حماتي؟ خطأ جسيم في الأسابيع الأولى، لم تتغير معاملة حماتي عما كانت عليه في أيام الخطبة، وقلت: «لعلها تريد أن تدبر لي أمرإ أو لأن زوجي ما زال معي في كل وقت فلن يصدق احد ما ستدعيه وتبتدعه من بنات أفكارها»، ولكن حتى بعد أن عاد زوجي الى عمله، واصبح يغيب ساعات طويلة عني أيضا لم يتغير شأن حماتي بل وجدت منها عجبا وأنا أتوجس خيفة من كل ما تفعل، فبدلا من اخدمها، كانت تقوم بخدمتي وتتحمل الأعمال الشاقة في المنزل، حتى إنني كنت أخجل من نفسي لحسن خلقها، تعاملني بعطف ورقة وتغمرني بالحنان، تفضلني على بناتها سواء المتزوجات أو اللاتي ما زلن معنا في نفس البيت، وتؤثرني عليهن جميعا بالهدايا والملابس وحتى في الطعام والشراب. ورغم هذا كله فإنني ما زلت أنتظر منها الانقلابات والعواصف غير أن ذلك لم يحدث حتى ظهرت علامات الحمل الأول وكادت تطير فرحا اكثر مني وراحت تأمرني بالراحة التامة وتمطرني بالنصائح وتهتم بتغذيتي. وجاء ولدي الى الدنيا، فتحملت عبئه وتربيته، وهي ما زالت ينبوعا من العطاء الفياض المتدفق وهكذا حان الوقت لأن أغير أفكأري والمفاهيم التي كانت مغروسة داخلي مثل المسامير تؤلمني وهي من صنع من حولي ولا أبالغ اذا قلت إن هذه المرأة كانت اكثر حنانا من أمي التي أنجبتني، علمتني كيف تكون الزوجة وكيف تكون الأم وكيف تكون ربة الأسرة وكيف تتحمل مسؤولية بيتها وتشارك زوجها همومه ومشاكله وكيف لا تحمله ما لا يطيق وان ترضى بما بين يديه فتخلق السعادة في البيت تصنعها بيديها ولم اكن ناكرة للجميل ولم أبادل هذا العطاء إلا بالعطاء وإن لم يكن مماثلا، لكنني فعلت كل ما استطعت لإرضائها والحقيقة فإنها كانت تسعدها كلمة طيبة، وتكفيها ابتسامة. وربما يسألني سائل وبعد هذا كله، ما هي المشكلة؟ وأجيب، ان المشكلة أنني افتقدت هذه المرأة فقد انتقلت الى جوار ربها بعد معاناة مع المرض وشعرت مع رحيلها باليتم الحقيقي وندمت على أفكاري التي لم يكن لي ذنب فيها وأعيش الآن على ذكراها، لقد كان فقدانها موتا لي أنا، فقد استطاعت أن تصلحني وتصلح مفاهيمي إنها امرأة فوق الوصف ولم أعد قادرة على احتمال فراقها وصورتها لا تغيب من أمام عيني ولا تفارقني في يقظتي ولا في أحلامي وأعاني فقدانها فهي المرأة التي غيرت الدنيا على الأقل عندي، رحمها الله
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©