السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

“أراض ٍطالت وعود عودتها” يكشف عن إمكانية إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي

“أراض ٍطالت وعود عودتها” يكشف عن إمكانية إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي
2 يناير 2010 23:03
يستمد كتاب “أراضٍ طالت وعود عودتها” أهميته من أن مؤلفه آرون ديفيد ميلر لعب دوراً مركزياً لسنوات طوال ضمن الجهود الأميركية في التوسط من أجل تحقيق السلام العربي - الإسرائيلي. ومنحه موقعه مستشاراً لعدد من الرؤساء ووزراء الخارجية ومستشاري الأمن القومي وجهة نظر فريدة تجاه مشكلة ظل القادة الأميركيون يتصارعون معها لما يزيد على نصف قرن من الزمن. يحاول كتاب “أراضٍ طالت وعود عودتها” الإجابة على تساؤلات أبرزها: ما الذي جعل الدولة العظمى في العالم تفشل في التوسط أو في فرض حل في الشرق الأوسط؟ ما هو المطلوب إن كان الحل ممكناً بعد كل هذه السنوات من الكفاح والفشل، ومع اضطراب المنطقة بأسرها بشكل لم يسبق له مثيل؟ وما الذي يجعل الأميركيين يهتمون أو حتى يبالون؟ وباعتباره مؤرخاً ومحللاً ومفاوضاً يحاول المؤلف آرون ديفيد ميلر الإجابة على هذه التساؤلات، وعبر صفحات الكتاب يعرض على القارئ بأمانة ووضوح، وبلا تحيز أو اتهام لأحد، كل ما تم بصورة صحيحة وكل ما انتهى إلى الفشل. ووجهة نظر ميلر مليئة بروايات لا تنسى وإيجازات شيقة عما كان يجري خلف الكواليس، وتتضمن أيضاً مقابلات جديدة مع جميع اللاعبين الرئيسيين بمن فيهم الرؤساء كارتر وفورد وبوش الأب، وجميع وزراء الخارجية التسعة خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى قادة عرب وإسرائيليين يكشفون عن توجهاتهم الخاصة والاستراتيجيات التي كانت تحركهم. متاهة بيزنطية في بداية الكتاب، يتحدث ميلر عن بدء علاقته مع عملية البحث الأميركية عن السلام بين العرب وإسرائيل والتي يشبهها بالمتاهة البيزنطية، لافتاً إلى أن تلك البداية كانت مع الدعوة التي وجهها وزيرا خارجية روسيا وأميركا في 18 أكتوبر 1991 إلى الدول العربية وإسرائيل لحضور مؤتمر تاريخي للسلام في مدريد، والذي يعد من أبرز المحطات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي لأنه ضم جميع القوى العربية وإسرائيل إلى مائدة واحدة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ ذلك الصراع. ثم يشير الكاتب إلى ما اكتشفه بين القوة الأميركية على الورق وبين ما يستطيع الأميركان تحقيقه في الواقع، فيقول”إذا كانت قواتنا وحضورنا يثيران الإعجاب لدى تقدمنا نحو المواجهة، فكنا في أغلب الأحيان ننطلق في جولاتنا الدبلوماسية استجابة لطلبات العرب أو الإسرائيليين، وبدعم من الرئيس وبتأييد من الكونجرس، ومع تمتعنا بالنفوذ المستمد من الدعم الاقتصادي والأمني والسياسي الذي كنا نقدمه لأصدقائنا في المنطقة، وكنا وقتها نتمتع بميزة إضافية متمثلة في المناخ المتأزم الذي كان يعزز الحاجة الملحّة إلى التوصل إلى اتفاق. غير أن الأزمات هناك كانت مجرد نمط من أنماط الحياة، فالذي كان يبدو لنا خطيراً وملحاً، كان يبدو لهم مألوفاً، فعند وصولنا إلى ما كنت أصفه بالجوار، كان مدى نفوذنا يبدو خادعاً ومضللاً”. غزو عسكري يستشهد ميلر بواقعة افتتاح الإسرائيليين لنفق البراق في سبتمبر 1996 الذي أدى إلى اندلاع أحداث عنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حينها ذهب ميلر بصحبة فريق من الخارجية الأميركية لتهدئة الأوضاع وقد توقع أن تكون المهمة قصيرة ومكثفة، ولكن حال وصوله وصحبه، وجدوا أنفسهم في لعبة تحد استمرت نحو ثلاثة شهور بسبب التعنت وانعدام المرونة بين الطرفين، حسبما يقول. ويشبه ميلر مهام الوساطة التي يقوم بها الأميركان بـ”عمليات الغزو العسكري” نظراً للكثافة العددية والإمكانات الهائلة التي يتم تسخيرها من أجل هذه المهام، ويقول “إن الوفد المكلف بالمهمة يحتل ما لا يقل عن طابقين كاملين من فندق ذي خمس نجوم بالإضافة إلى استحواذه على الحيز الكافي لإيواء رجال الأمن والسائقين والإداريين وممثلي وسائل الإعلام المرافقين، وأفراد الفريق الصحي وغيرهم، وبعد ساعات قليلة سيكون كادرنا قد حوّل المناطق إلى مكاتب قائمة بحدّ ذاتها أي مجهزة بأجهزة الفاكس، والآلات الناسخة والكمبيوترات ونظام هواتف مؤمن كترتيبات إسناد للمهمة”. تحجيم الوجود الأميركي يتناول الكاتب مقولة مفادها أن “القوى العظمى يترتب عليها تحمل مخاطر تدخلها في شؤون القبائل الصغيرة”، ويستشهد بالمثال الساطع خلال الألفية المنصرمة على الصغار الذين دحروا العظماء، مثل فيتنام، ذلك البلد الذي تمكن من هزيمة الصينيين والفرنسيين والأميركيين. فالحقيقة كما يقول ميلر هي أن الصغار من أصحاب العزيمة والتصميم يمكنهم استنزاف وإنهاك الكبار القادرين على التركيز لفترة من الزمن، ولكنهم مشغولون بأمور أخرى وهم بعيدون عن أراضيهم فليس في وسع القوى الصغيرة أن تتغلب عليك دائماً، ولكنها قادرة على هزيمتك بما تمتلكه من صبر ودهاء. ويشير ميلر إلى أن غالبية الأطراف المباشرة في الصراع العربي الإسرائيلي سعت إلى تصغير حجم الوجود الأميركي فيما بينها، مثل محاولة إسرائيل الدائمة للجمع بين السياسة الأميركية والإسرائيلية في قارب واحد ما يضعف المصداقية الأميركية، وكذلك التصغير الدبلوماسي الذي كان يمارسه الرئيس الأسد بإجباره المبعوثين الأميركيين على الانتظار ساعات، أو استبدال كلمة سعيد بكلمة مسرور استجابة لرغبات الإسرائيليين أو الفلسطينيين عند إعداد بيان مشترك، أو قضاء ساعات في الجدال مع الإسرائيليين حول ما إن كانت عملية إعادة الانتشار الثالثة للقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية ستتم في نهاية 1998 أم في الربع الأخير من 1998 أم في بداية الربع الأخير، علماً بأن عملية إعادة الانتشار الثالثة هذه لم تتم حتى الآن. أقوى دولة يوضح ميلر أن عملية التصغير هذه لم تمتد إلى الجميع، فمن بين اللاعبين الأساسيين في الحلبة العربية الإسرائيلية كانت مصر تبدو دائماً أكبر من غيرها، ربما نتيجة احتضانها لثمانين مليون نسمة وتاريخها الممتد عبر خمسة آلاف سنة ونتيجة لثقتها بنفسها المكتسبة من استقرارها واعتزازها بمكانتها كأكبر وأقوى دولة في العالم العربي، وحين التحقت بطاقم المفاوضات كانت مصر قد أنجزت صفقتها مع إسرائيل، وتخطت العزلة التي فرضها العالم العربي بعد توقيعها معاهدة كامب ديفيد. ويؤكد ميلر أن اعتماد الولايات المتحدة على مصر في جهود تحقيق السلام لم يأت مصادفة، لأن مصر تحتفظ بموقع كبير في التوجهات والاستراتيجيات الأميركية فيما يتعلق بأمور الحرب والسلام، وهنا يستشهد بكلام عمرو موسى وزير خارجية مصر السابق والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية “لا سلام ولا حرب من دوننا”. تقارب القيم من الطرف الأقوى في الجانب العربي إلى الطرف المقابل في تلك المعادلة السياسية المستعصية على الحل، إلى إسرائيل يذهب المؤلف ليستعرض تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية منذ قرار الرئيس الأميركي ترومان في العالم 1948 بالاعتراف بإسرائيل، بعد إحدى عشرة دقيقة من إعلان بن جوريون تأسيس الدولة، مروراً بعقدي الستينيات والسبعينيات وما شهداه من تعزيز للرابط بين القيم والأعداء، ثم حقبة الثمانينيات وما حدث فيها من تآكل ثم تنامٍ للعلاقات الأميركية الإسرائيلية بسبب غزو لبنان ورفض إسرائيل مبادرة ريجان للسلام، ثم حدوث تقارب بينهما بعد ذلك، إلى الحد الذي وصفه رئيس تحرير مجلة فصلية أميركية Middle east Policy s rvey بأنها “ثورة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية” وصولاً إلى فترة التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين وحدوث ما يعرف بتقارب القيم الذي يرى ديفيد ميلر أنه العنصر الأهم في الدعم الأميركي لإسرائيل. فرصة نادرة يعرج الكاتب للحديث عن كل من اللوبي اليهودي واللوبي العربي، لافتاً إلى أن الأول تمثل موقفه في الاتجاه الإيجابي تجاه إسرائيل، كما أنه باستثناء بعض الشؤون مثل مبيعات الأسلحة لم يكن مهتماً أبداً بما يحصل عليه العرب. أما اللوبي المؤيد للعرب فلم يقتصر على كونه مؤيداً للعرب بل كان في الوقت ذاته معادياً لإسرائيل، كما كانت أجندته سلبية في سعيها إلى الضغط على إسرائيل وإلى معاقبتها وإلحاق الضرر بها، وهو وضع لا يسر أعضاء الكونجرس الذين يفضلون عقد صفقات مع الجميع. وفي موضع آخر من الكتاب يعرض المؤلف للفرصة النادرة التي توفرت للولايات المتحدة لتحقيق استقرار في منطقة الشرق الأوسط إثر قيامها ببناء التحالف الدولي لإخراج صدام من الكويت، فكان الجميع يتوقعون من الأميركيين في حال تفوقهم السريع والحاسم في الحرب أن يبذلوا مجهوداً جدياً باتجاه السلام العربي الإسرائيلي. إمكانية الحل يؤكد ميلر أن أميركا كانت أمام لحظة فريدة، وحسبما قال له الرئيس بوش الأب إن “الطريقة التي خضنا بها الحرب والتي فعلنا من خلالها ما وعدنا بفعله، قد ساعدتنا مع باقي الدول العربية حين أقدمنا على مؤتمر السلام في الشرق الأوسط، فكانت جميعاً متحمسة نسبياً تجاهه”. هنا يؤكد ميلر “أن حرب الخليج تلك وضعت أمام صانع القرار الأميركي موارد سياسية هائلة، فساد اعتقاد جازم بأن الأميركيين قادرون على تحقيق شيء دراماتيكي”. ومن الحقبة البوشية يدلف الكاتب إلى تناول بيل كلينتون الرئيس الأميركي الذي فاق من تبعوه في اهتمامه وفي ما بذله من الوقت والجهد في عملية السلام العربية / الإسرائيلية، وكان محط إعجاب العرب والإسرائيليين لما كان يتمتع به من إلمام بأدق التفاصيل ومن التزام وحنكة سياسية، ومن تعاطف إلى الحد الذي دفع بحنان عشراوي إلى القول:”ما من زعيم أميركي قبله بدا قادراً على النظر إلى مواطنيها باعتبارهم من “بني البشر” وهو انطباع تأكدت منه من خلال كلمته اللافتة التي ألقاها أمام المجلس الوطني الفلسطيني عام 1998 فلقد أذهلني عمق عواطفه وهو يخاطب ما يزيد على 400 ممثل للحركة الوطنية الفلسطينية حول تطلعاتهم وآمالهم”. ومن حنان عشراوي إلى بقية صفحات الكتاب نجد أن المؤلف استطاع أن يحطم جميع الانطباعات المسبقة حول سبل معالجة القضايا الثقافية والدينية، وتلك المتعلقة بالسياسة الداخلية والأمن القومي التي كانت قد حددت، وكثيراً ما ضللت، نصف قرن من المفاوضات
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©